جلست منذ عدة أيام أتأمل فى بعض المناقشات التى شارك بها بعض المثقفين المصريين فى أكثر من برنامج تليفزيونى.. ففى برنامج كان يناقش وضع السينما المصرية وتقييم للأفلام التى تم عرضها فى دور العرض السينمائى خلال الموسم الصيفى المنصرم.. إنبرى أكثر من ناقد فى الحديث بتهكم عن لفظ "سينما نظيفة" وكيف أن تلك الجملة التى استحدثت فى السنوات الأخيرة هى نوع من الردة والتراجع الثقافى، وأن من يتفق مع هذا اللفظ إنما هو شخص لا يجب أن يتعامل مع مجال السينما من أساسه، لأن "الفن" والإنتاج الإبداعى بصفة عامة ليس له شأن بمسألة "العيب" أو "الحرام"، فالفن "ليس عليه حرج" فى نظرهم وفى سبيل الثقافة والإبداع كل شىء مباح.. وكل شىء قابل للنقاش والعرض. أخذت أتأمل فى هذا النقاش وأتساءل هل هذا هو الفن حقا.. وهل إذا كان هناك شخص مثلى يحب السينما ويهتم بها ويسعى لمشاهدة أفلام راقية على مستوى جيد.. لكنه فى نفس الوقت لا يقبل تلك المشاهد الساخنة التى زادت خلال الفترة الأخيرة.. هل يضعه هذا الاتجاه فى درجة أقل من السلم الثقافى؟ ثم تذكرت تعريف أرسطو للفن والتراجيديا، ذلك الذى يعرف التراجيديا بأنها محاكاة تبعث فى النفس إحساس الشفقة والخوف الذى يؤدى إلى التطهر.. تأملت فى كلمة التطهر هنا ولا أظن أنها تحمل أكثر من معنى التطهر، وهو السعى نحو النقاء، أى أن تنقى النفس من كل ما يشوبها من أثر سيئ، سواء كان ذلك الأثر ينبع من مشاعر شريرة أو غريزية حيوانية.. هكذا فهمت تعريف أرسطو الشهير.. وأظن أن أصدقاءنا المثقفين لديهم فهم آخر وتفسير آخر!! ما يعنينى هنا هو لماذا لم تقم الدنيا وتقعد على لفظ "تطهر" الذى توارثناه.. على مر السنين.. مثلما قامت إزاء لفظ "سينما نظيفة".. هل لأنه تعبير بسيط ليس به أى "فذلكة". أو تقعر.. وبالتالى لا يعجب إخواننا المثقفين أيضا شاهدت خلال الأيام الماضية أحد البرامج الحوارية وكان يناقش مسألة سقوط فاروق حسنى فى معركة اليونسكو.. كان الحوار بين أحد الكتاب الكبار وأحد أعضاء مجلس الشعب اللذين ينتمون للتيار الدينى.. وفجأة تحول الحوار من موضوع اليونسكو إلى حالة هجوم من قبل الكاتب الكبير ضد هذا التيار الذى اتهمه الكاتب الكبير بأنه تيار غير مثقف برمته.. وقال فى تهكم على الطرف الآخر: "إن ثقافتكم ثقافة.. ثكلتك أمك" فى إشارة إلى الأعمال الدينية.. وكأنه قسم المشاهدين أو المتلقين إلى قسمين.. قسم مثقف يشاهد ويسمع ويقرأ كل شىء إلا المواد الدينية بالطبع.. والقسم الآخر وهو الذى يتعاطى مع هذه المواد الدينية ولذلك هو لا يمت بصلة للثقافة.. تعجبت على مثل هذه الطريقة التى يفكر بها كاتب كبير مثله.. وهنا تذكرت الآية الكريمة التى تصور قوم لوط الذين رفضوا أن يكون بينهم أناس يسعون إلى الفضيلة والأخلاق.. فقالوا "أخرجو آل لوط من قريتكم إنهم أناس يتطهرون" صدق الله العظيم.. سورة النمل الآية (56)