أعرب الباحث الإثيوبى "زيريهان أبيب يجزو" المتخصص فى السياسات المائية لنهر النيل عن اعتقاده أن أفضل حل للخلاف بين دول حوض النيل يمكن أن يكون فى متناول اليد. جاء ذلك فى معرض بحث نشره الباحث زيريهان يجزو فى صحيفة "أديس ستاندرد" الإثيوبية، وأوضح فيه أن منطقة حوض النيل تعانى من الخلافات بين دول المنبع والمصب، نتيجة اختلاف مواقفها إزاء اتفاقية النيل الجديدة التى تسمى "اتفاقية الإطار التعاونى بشأن النيل". وأضاف زيريهان قائلا " إن كافة دول حوض النيل كانت قد تفاوضت بشأن هذه الاتفاقية لمدة تزيد على عشرة أعوام (خلال الفترة مابين عامى 1997و2010)وأن هذه الدول- باستثناء مصر والسودان- تؤيد هذه الاتفاقية التى تعتبر بمثابة أول معاهدة تتفاوض بشأنها عدة أطراف وتوقع عليها خلال تاريخ نهر النيل". ومضى الباحث الإثيوبى قائلا "إن مصر كانت قد أعربت عن غضبها بشأن تحرك إثيوبيا من جانب واحد لبناء سد النهضة الإثيوبى، وإن مصر تعارض هذا السد وهذه الاتفاقية بدعوى أنهما يتعارضان مع أمنها المائى". وقال إن ذلك يجعل منطقة حوض النيل تواجه مأزقاً فيما يتعلق بالسياسات المائية". وأكد الباحث الإثيوبى "أن عدم وجود أى معاهدة متفق عليها بين دول المنبع والمصب هو السبب الرئيسى للمشكلة الراهنة، بما فيها الجدل المثار بشأن سد النهضة، وأن الممرات المائية عابرة الحدود ستواجه عشرات المشكلات إذا لم تنظم استخدامها معاهدات متعددة الأطراف، وأنه بالنسبة لحالة نهر النيل فإن الحلقة المفقودة هى أن أفعال دول الحوض لا تنظمها مبادئ مشتركة تلزم بمشاركة واستفادة كل دولة من ثمار النهر". وتابع: "إن صورة حوض النيل حاليا تشوهت من جراء مشروعات أحادية تجريها دول بمفردها، وإن هذا يؤثر بدون شك على المصلحة الجماعية لكافة دول الحوض، وذلك فى حالة التساؤل عن الخاسر والرابح من كل مشروع من تلك المشروعات، ولذلك فإنه يتعين على دول الحوض أن تخطط بطريقة استراتيجية، وخاصة دول المصب". وذكر الباحث الإثيوبى أن اتفاقية الإطار التعاونى بشأن النيل تضع أسس تنظيم المنفعة المتبادلة بين دول النيل، وذلك بإعلانها فى المادة الرابعة منها عن مبدأ الانتفاع المعقول والمتساوى، وأن تنفيذ هذا المبدأ سيقضى على شكوى دول المنبع مما تصفه بالماضى الظالم الذى ترجع جذوره إلى العهد الاستعمارى، وقال إن هذه الاتفاقية تؤكد أيضا ضرورة اتخاذ دول الحوض إجراءات مناسبة تضمن عدم التأثير بدرجة كبيرة على المصالح المائية لأى دولة أخرى". وأشار إلى أن هدف هذه الاتفاقية هو إنشاء مفوضية لحوض نهر النيل تكون بمثابة هيئة حكومية دائمة لتشجيع وتسهيل تنفيذ مبادئ وحقوق والتزامات منصوص عليها فى المادة 16 من الاتفاقية، وأنه بمجرد إنشاء هذه المفوضية فإنه من المتوقع أن تحل محل هيئة مبادرة حوض النيل التى كان قد تم إنشاؤها خلال عام 1999". وشدد الباحث الإثيوبى على أن اتفاقية الإطار التعاونى بوجه عام تمثل أساسا لتعزيز التعاون بين دول حوض النيل، وتضمن استفادتها جميعا من ثمار النيل بطريقة متساوية ومعقولة، ولكنه أشار إلى أن ست دول فقط من دول المنبع- وهى إثيوبيا ورواندا وتنزانيا وأوغندا وكينيا وبوروندى- وقعت على هذه الاتفاقية، وأن الكونغو وجنوب السودان أعربتا عن موقف إيجابى منها، وأبدتا استعدادهما للتوقيع عليها، ولكنهما لم توقعا عليها حتى الآن، فى حين أعلنت مصر والسودان عدم توقيعهما على الاتفاقية. وأشار الباحث الإثيوبى إلى أن نقطة الخلاف الرئيسية بشأن اتفاقية الإطار التعاونى تتمثل فى الخلاف بشأن المادة 14 المتعلقة بمفهوم الأمن المائى، وأن هذا المفهوم هو مفهوم غير قانونى يتعلق باستخدام المياه، وتم إدراجه فى الاتفاقية لمحاولة حل الخلافات بين دول المنبع والمصب بشأن الاتفاقيات الثنائية التى يرجع تاريخها للعهد الاستعمارى، وأنه يمكن اعتبار مفهوم الأمن المائى بمثابة مفهوم يتعلق بكمية ونوعية المياه المتفق عليها لتلبية الاحتياجات الإنسانية. وأضاف أن هذه المادة تنص على ضرورة عدم تأثر الأمن المائى لأى دولة أخرى فى منطقة حوض النيل بدرجة كبيرة، وأنه على الرغم من أن هذه المادة تثير الجدل، حيث وافقت عليها دول الحوض باستثناء مصر والسودان، إلا أنها تمثل أفضل الحلول لأنها الوسيلة السليمة لتوحيد كافة دول الحوض من أجل قضية المصلحة، حيث ستخرج كل دولة منها فائزة، ولكن مصر اقترحت وأصرت على أن يكون نص المادة 14 هو "عدم التأثير بصورة عكسية على الأمن المائى والاستخدامات الحالية وحقوق أى دولة أخرى بحوض النيل". ويرى الباحث الإثيوبى أن هذا الإصرار من جانب مصر يبدو غير ملائم لسببين أولهما: أن المادة الرابعة من اتفاقية الإطار تتناول بالتفصيل مبادئ انتفاع كافة دول الحوض من المياه بصورة متساوية ومعقولة، بما فيها مصر، وأن ذلك نفسه يرد على مشاعر القلق المشروعة لدى مصر، وثانيهما: أنه بالإشارة إلى مسألة الحقوق والاستخدامات الحالية للمياه، فإن مصر تتراجع ببطء عن معاهدات العهد الاستعمارى- التى ترفضها الدول الأخرى باستثناء السودان- وذلك انطلاقاً من روح التعاون بين كافة دول الحوض. واستنتج الباحث الإثيوبى "أن أى اتفاق بين إثيوبيا ومصر سيكون له تأثير كبير جدا على منطقة الحوض، وذلك على اعتبار أن إثيوبيا تعتبر المصدر الأكبر للمياه الواردة لمصر، وأشار إلى أن السبب الرئيسى للمشكلة هو أنها قضية تؤثر على نطاق واسع من منطقة الحوض، ولذلك فإنها تتطلب حلا متعدد الأطراف بهذه المنطقة. ولفت إلى أن الجدل بشأن سد النهضة لن يتم حله بالتالى من خلال التفاوض بصورة منفصلة، وانه يمكن لإثيوبيا ومصر الاتفاق بشأن السد بصورة أفضل إذا وافقتا على اتفاقية الإطار التعاونى بشأن النيل لأن أى تفاوض بشأن السد سيؤثر بطريقة غير مباشرة على هذه الاتفاقية، وذلك استناداً إلى قضايا النقاش والاتفاقيات التى تم التوصل إليها. وخلص الباحث الإثيوبى إلى أن "اتباع المسار متعدد الأطراف بالتوقيع على اتفاقية الإطار التعاونى بشأن النيل سيمثل خروجاً من المأزق الراهن، وسيكون بمثابة المسار الصحيح لتحويل الخلاف إلى اتفاق.