إذا ذكرت وسطية الإسلام واعتداله فى أى مكان فى العالم فسوف يذكر هذا المصطلح مقروناً باسم مؤسسة الأزهر الشريف كواحدة من أهم قلاع العلم فى العالم الإسلامى، والتى حملت على عاتقها مشاعل التنوير والاعتدال والوسطية، وإذا جاء الحديث عن الأزهر الشريف فهو أقدم جامعة فى العالم كانت وما زالت حتى الآن تقدم العلم وتجمع الطلاب من كل مكان فى الدنيا يعودون إلى بلادهم بعدها لينشروا الإسلام ويدافعون عنه بالعقل والمنطق والإيمان والحكمة، كما هو مفترض أن يكون الدور الذى فرضته المكانة العلمية والتاريخية. بداية التحول فى السنوات الأخيرة اختل هذا الميزان وتحول الأزهر شيئا فشيئا من قلعة للوسطية والتنوير إلى وكر للتشدد بل للإرهاب ولعل مظاهرات طلابه التى خرجت مؤخرا ناشرة الإرهاب فى كل مكان محطمة كل ما تطاله يدها لهو أكبر دليل على أن هناك شيئا ما تغير، وأن الأزهر أصبح موردا رئيسيا لتخريج المتشددين والمتطرفين الذين أصبحوا أكبر خطرا على الإسلام من أعدائه. متى تحول الأزهر من الوسطية إلى التشدد ومن الاعتدال إلى التطرف؟ هو السؤال الذى يجب الإجابة عليه لنضع أيدينا على مكامن الخطر فى هذا المكان الحيوى الذى لو تواصل ما يحدث فيه من مظاهر للتطرف والإرهاب لتحول الأمر إلى كارثة. فى عام 1961 أصدر الرئيس جمال عبدالناصر قانون تطوير الأزهر وكان هذا القانون من أخطر المراحل التى شهدتها جامعة الأزهر وأثرت فيه تأثيرا إيجابيا، نذكر منها التحاق الفتيات به، وإنشاء مدينة البعوث الإسلامية التى ضمت طلابا من 80 دولة.. وإنشاء مجمع البحوث الإسلامية بدلا من هيئة كبار العلماء، وإنشاء معهد الدراسات العربية، وانتشار المعاهد الدينية الأزهرية فى أقاليم مصر، بحيث بلغ عددها 6 آلاف معهد بجانب كليات الأزهر التى تنتشر الآن فى كل محافظات مصر. كان التطوير فكرة لعالم جليل ومجدد هو فضيلة الشيخ محمود شلتوت شيخ الجامع الأزهر فى ذلك الوقت، وشجعها وشارك فيها وتحول الأزهر إلى جامعة للعلوم الإنسانية بجانب العلوم الدينية، وبدا أن هناك قفزة هائلة لهذا الصرح العظيم. ماذا جرى فى سبعينيات القرن الماضى بدأت مصر فى انتهاج ما عرف وقتها بسياسة الانفتاح، تبع ذلك موجة من الهجرة إلى دول الخليج، وكان من بين هؤلاء مجموعة من علماء الأزهر الذين بدلا من أن يحملوا مبادئ الوسطية إلى هذه الدول عادوا ومعهم الأفكار المتشددة إلى هذا الصرح العظيم، كانت هذه المرحلة هى أولى مراحل التحول، ومع بداية حقبة الثمانينيات من القرن الماضى، وتولى الرئيس مبارك السلطة بدأت معه الدولة فى الانسحاب من كل الأدوار تقريبا، وهو ما كانت تنتظره جماعة الإخوان المسلمين - التى أعادها السادات إلى الحياة بعد موات لتساعده فى مواجهة التيار اليسارى الذى عارض سياسات السادات وتحولاته السياسية والاقتصادية، وأمدها بكل ما تحتاجه من أدوات - لكى تملأ هذا الفراغ بكوادرها، بدأ الإهمال يطال كل شىء ومن بين ما طالته يد الإهمال كان جامعة الأزهر العتيقة التى قلصت الدولة ميزانيتها، وحاول النظام استخدامها فى الترويج لسياساته، مما أفقدها المصداقية لدى المواطن ولدى طلابها الذين انتشرت بينهم خلايا جماعة الإخوان لتغذى الفجوة والشرخ الذى حدث وبدأ فى الاتساع شيئا فشيئا، ويزيد من قوة التيار المتطرف الذى أصبح له قاعدة طلابية تحول جزء منها بطبيعة الحال والتطور الطبيعى إلى أعضاء هيئة التدريس الذين أدخلوا عن طريق كتبهم التى تدرس فى الجامعة الفكر المتطرف فى عقول الطلبة فى الوقت الذى غابت فيه الدولة وأدواتها عن المواجهة، وأصبح كل هم نظام مبارك هو تسكين المشاكل، والحفاظ على بقائه، وهو ما لم تهدده جماعة الإخوان التى اعتبرت نفسها فى مرحلة التمكين، فانتشرت فى كل الجامعات والنقابات، وسيطرت عليها، وكان الأزهر كمؤسسة علمية دينية أرضا خصبة للجماعة التى رفعت شعار الإسلام هو الحل، وتاجرت به لاجتذاب شباب هو متدين بطبعه. التمكين فى حقبة التسعينيات سيطرت جماعة الإخوان سيطرة شبه كاملة على جامعة الأزهر بالمشاركة مع التيار السلفى وأصبح هو المسيطر على الحياة الجامعية فشكل اتحاد الطلاب والأسر داخل الجامعة كما سيطر على المدينة الجامعية للطلبة التى أصبح السكن فيها شبه حكر على طلبة الإخوان، كانت الأزمة قد استحكمت وبدا أن النظام يبحث عن أمنه فقط فى بداية الألفية الجديدة، وتناسى كل شىء عدا ذلك، وبدأت عجلة سيطرة الإخوان التى دارت فى منتصف السبعينيات تصل مداها، وتحولت آلاف المعاهد الأزهرية إلى أوكار للتشدد والتطرف، واستغل الإخوان إقبال الأهالى على التعليم الأزهرى خاصة فى الريف أسوأ استغلال، للسيطرة على عقول الأطفال الصغار وزرع الأفكار المتطرفة فى عقولهم دون رقابة من الدولة أو مؤسسة الأزهر. من المعهد الأزهرى إلى الجامعة اكتملت السيطرة، ومن المنبر الذى اعتلاه خريجو الأزهر من الإخوان خرجت إلى المواطن البسيط ليصبح هناك أجيال تربت، وتفتح وعيها على أفكار ومبادئ متشددة ومتطرفة، نتيجة لإهمال الدولة لتلك الجامعة العتيقة، وتركها لقمة سائغة فى يد هؤلاء.