أجمع عدد من المثقفين على أن علاقتهم بالمجلس العسكرى تتوقف على موقف المجلس من حماية الوطن ومن المواطن المصرى، موضحين أنه عندما دعا الفريق عبد الفتاح السيسى شعب مصر للخروج وتأييده وتفويضه بالتعامل مع الجماعات الإرهابية، خرج الشعب ومنهم ثوار يناير الذين هتفوا من قبل "يسقط يسقط حكم العسكر، موضحين أن موقف المثقفين ومنهم الثوار وأغلب الشعب المصرى ليس موقفا رافضا للعسكر بقدر ما هو موقف رافض للاستبداد والظلم وإغفال حماية الوطن، لكن إذا وضع الجيش حماية الوطن والمواطن نصب عينه وأصبح هو همه الأول فمساندة الجيش والوقوف بجواره واجب وطنى على كل مصرى وليس المثقف فقط. الناقد الكبير الدكتور صلاح فضل، تحدث عن تجربة العسكر مع الشعب المصرى، بداية من عصر جمال عبد الناصر، وكيف تطورت حتى أصبح السيسى هو المتصدر للمشهد قائلا: إن تجربة القوات المسلحة فى منتصف القرن الماضى مع الشعب المصرى إيجابية فى كثير من النواحى ولكنها فى تقديرى عائق للتطوير الديمقراطى الطبيعى للمجتمع فبقدر ما حققه الضباط الأحرار فى اجتذاب نبض الشعب وتحقيق طموحاته فى الخلاص من الملكية الفاسدة وتأسيس النظام الجمهورى وإجراء قدر كبير من الإصلاح الاجتماعى لتحقيق العدالة وإنصاف الطبقات الفقيرة المظلومة من الإقطاع. وأوضح فضل بأن الكاريزما المفرطة التى كان يتمتع به عبد الناصر والطموح العربى الذى حققة والمكانة الدولية التى أنجزها جعلته يمضى فى تأسيس شبة ديكتاتورية ترتكز على قوة الجيش لإلغاء التعدد الحزبى وإجهاض المعارضة وتعذيبهم فى السجون حتى أيقظته حرب اليمن، وجاءت بعد ذلك نكسة 67 لتجهض تماما على مشروعه فى نهضة مصر، وكانت العاقبة مريرة بأنه خلف بعده زعيما آخر مناقضا له فى كل شىء. وأضاف فضل، أن عبد الناصر ألقى نفسه فى حضن الاستعمار الأمريكى، عندما أوكل إليه حل القضية المصرية الفلسطينية، وأطلق صراح القوى الدينية التى اعتقلها عبد الناصر ليتصادم به الناصريون. وأكد فضل بأن السادات بعد انتصار أكتوبر حاول أن يعيد بناء الحياة الديمقراطية لكن بنية تفكيره العسكرية والسلطوية حالت دون ذلك. وأشار فضل بأنه جاءت فترة مبارك الطويلة المحبطة الشمولية التى ضيعت مكانة مصر التى صنعها عبد الناصر وجمدت الحياة الديمقراطية التى بدأ فيها السادات وسمحت للفساد أن يملك أعماق الدولة وأتاحت الفرصة لنوع جديد الاستغلال للانتهازيين والسماسرة مما انخفض مستوى الإنسان المصرى إلى أدنى درجة. وأوضح فضل أن الوصاية العسكرية فى عهد مبارك تفاقمت لدرجة كبيرة حتى امتدد من الجيش إلى الشرطة فتغولت وحولت مصر إلى دولة بوليسية قمعية، وعندما هبت ثورة 25 يناير كان وقوف الجيش بجانبها ضماناً لانتصارها لكن المجلس العسكرى فشل فى حماية مدنية الدولة وسمح لإخوان المسلمين أن يستولوا على الثورة وقاموا بتزوير الانتخابات التى اعتمدت على الرشوة العينية والمادية والابتزاز الدينى لكى يتمكنوا من السلطة وشهدت مصر كلها عبر العام السود الذى عاشته تحت مظلة الإخوان أسوأ فاشية دينية تتجاوز بكثرة الفاشيات العسكرية السابقة، وأكد فضل بأن ثورة 30 يونيه جاءت لتستقطب الوطن من الإخوان فكان الجيش مرة أخرى طوق النجاة الذى تشبثت به. وأشار فضل أن معنى ذلك فى التحليل الأخير أن حركة التنوير التى تحقق أعظم إنجازاتها عندما تنجح فى إجراء تحول ديمقراطى لا يخطفه أصحاب الفاشية الدينية، لابد لها أن تعتمد على دعم القوى الوطنية فى التحالف المصرى كضمان للدولة المدنية دون إرادة الجيش فى السلطة أو أن يعطل إجراءات التحول الديمقراطى فى إنجاز الدستور ومنع التزوير فى الانتخابات المادى والمعنوى واستغلال فقر الناس، ويظل موقع الجيش بالنسبة للدولة هو حامى وحدتها الوطنية وضامن مسيرتها الديمقراطية وطبيعتها المدنية دون التدخل فى السلطة التنفيذية كما أعلنت خلال التجربة الأخيرة. وأوضح فضل أن الدعوة الآن إلى ترشيح الفريق أول عبد الفتاح السيسى للرئاسة إخلال بعقد المسار، لأنه ببساطة إغراء لتكرار تجارب الثلاثة عبد الناصر الذى تحول إلى حلم وطنى وأنور السادات رجل الحرب والسلام وحسنى مبارك المزعوم لنصر أكتوبر الذى أهدر ثلاثين سنة كاملة فى حكم مصر وعلى المثقفين الحفاظ على هذه الخطوط ويدافعوا غن مدنية الدولة ضد تسلط الجيش أو فاشية النظام الدينى. بينما قال الروائى الدكتور سعيد الكفراوى، أنه طوال فترة حكم العسكر كان المثقفون شهداء على القمع والمصادرة وكان أكثر أصواتهم علواً فترة هزيمة 67، وأوضح الكفراوى أن العلاقة فى 25 يناير عندما لاحت رغبة العسكر فى استبدال نفسه بالسلطة القديمة خرج المثقفون يرفضون ذلك من خلال العديد من المظاهرات التى رفعت شعار "يسقط .. يسقط.. حكم العسكر" وأنا أعتقد أن موقف المثقفين سيكون هكذا لو حاول أى أحد اغتصاب السلطة خارج الدستور وخارج صندوق الانتخاب وخارج التنظيمات الحزبية. وأكد الكفراوى أن موقف المثقفين الآن فى حالة اختيار وانتظار النتائج ينتظرونها تحدث فى الواقع فى الحالة السياسية فى المناخ الديمقراطى والثقافى والعلاقات مع الخارج والنظر للحالة الاقتصادية تأمل ما يجرى مع الأحزاب ومع التشكيلات خلال جمعيات الأدب وتشكيل الدستور وإذا لم تظهر نتائج حقيقة سيعود المثقفون إلى الاصطدام كالعادة ومثلما ظهر ذلك فى تاريخ مصر الحديثة المثقف الشريف ضمير للناس وصاحب رؤية تستشرف المستقبل. وأضاف الكفراوى أن المثقف الشريف الملتزم هو الضمانة فى أن يكون سياق الأشياء على نحو من الاتحاد هو السياق الملتزم بقضايا الناس. ومن جانبه قال الشاعر الكبير محمود قرنى، أنا لا أحب مصطلح العسكر، ولكنه المجلس الأعلى للقوات المسلحة، فمنذ قيام ثورة 25 يناير أعادت القوات المسلحة المصرية التأكد على ثوريته الوطنية من أنه لن يكون ذراعاً لحاكم مستبد ولن يكون إلا نصيراً لشعبها وذراعاً للدفاع عن القضايا الوطنية والحيوية وأمن الوطن وموقف الجيش الذى تكرر فى 30 يونيو لم يكن إلا تأكيداً على هذه الثورة وللمعانى الإيجابية لوجودها كقوة وطنية لحماية أمنه ولم يكن هذا الموقف فى جملته غريباً على قواتنا المسلحة. وأوضح قرنى، أن القوات المسلحة تتميز بتأسيسها على يد محمد على بعد انخراط الفئات المجتمعية المختلفة من الفلاحين إلى الصفوة تحولت إلى كيان وطنى اعتبارا من الثورة العرابية عندما انحازت للفئات المجتمعية ضد عسف الملوك الذين أساءوا لوطنية مصر، وامتد هذا الدور مروراً بثورة 19 ثم ثورة يوليو وحروب الاستقلال التى خاضتها تلك المؤسسة الوطنية بدوافع تكريس السيادة الوطنية ومن هنا فأنا رافض مصطلح العسكر وما يرادفه من معان استشراقية روجها المستعمر. وأكد قرنى، أننا مازلنا نسمع ونرى عن المغالطات عن أن عودة الجيش لحماية ثورة 30 يونيو ليس إلا عودة لحكم العسكر وللنظام القديم وما يسمى بالدولة العميقة وكل هذا من وجهة نظرى يجنبنا الحقيقة، فالجيش يحمى ولا يحكم ويؤكد فى كل مناسبة أنه لا يكون حاكماً، وإن منطق المؤامرة توضح أن الأجهزة الوطنية المصرية تدير معركة كبيرة ضد المؤامرات فى الداخل والخارج بدرجة عالية، وأتصور أن تلك المؤسسات الوطنية تدرك جيداً أنه لا عودة للنظام القديم ولا لحكم الجيش وكل ما يجرى على الأرض يؤكد على قدم وساق ولا يحاول تعطيلها إلا الذين يعملون لحساب أجهزة مشبوهة فى الداخل والخارج، لذلك أتصور أن ثورة 30 يونيو لم تكن فقط لإقصاء حكم ناس تحتمى بعباءة الدين ولكنها كانت وبامتياز الثورة للاستقلال الوطنى.