لا يختلف أحد على أن من نزل إلى الميادين ضد نظام حكم الإخوان، كانوا بالملايين سوى الإخوان وأشياعهم، ولا يختلف أحد حول التهديدات بالسحق والقتل وإراقة الدماء التى أطلقتها الجماعة عبر أبواقها، فهى فيديوهات يصعب إنكارها. وهذه التهديدات كانت جدية لا مزاح فيها وفقاً لما صرح به أحدهم حين قال: نحن إذا قلنا فعلنا، وقد ذكرنا آخر بفترة إرهاب الجماعة فى تسعينيات القرن الماضى، إذن المجتمع فى ظل حالة الاستقطاب الدينى الحاد، الذى بذر الإخوان بذوره مقدم على حالة من الاحتراب الأهلى، شعب أعزل سلمى رغم أنفه فى مواجهة جماعة مسلحة هربت إليها الأسلحة من بقاع الأرض إبان فترة الانفلات الأمنى وفترة حكمها للبلاد احترفت استخدام السلاح، وتدربت عليه ولديها الكوادر الجاهزة للتحرك والفعل وفقاً لقاعدة السمع والطاعة، وملازمة الجماعة، والنتائج لديها محسومة مسبقاً بأن قتلاهم فى الجنة وقتلى غيرهم فى النار. عندما تصم جماعة الحكم آذانها عن سماع هدير الرفض الجماهيرى لها يكون أمام الشعب أحد خيارين: إما الخنوع والخضوع تحت حد سيف الإرهاب، والتسليم بشرعية مصطنعة صنعها صليل السلاح وقعقعاته. وإما الخروج فى مواجهة ولو كانت غير متكافئة بصدور عارية، والشعب المصرى انعقدت إرادته على خيار المواجهة. فماذا نسمى هذا الفعل؟ إذا لم تكن هذه ثورة شعبية، فما هى الثورة الشعبية إذن؟ . وعندما تهب رياح الثورة فتعصف بالنظام القائم، فهل تبقى له شرعية أو مشروعية فى مواجهة من منحه كلاهما؟. فلو تخيلنا أن الجيش انحاز إلى خيارات الطغمة الحاكمة فى مواجهة خيارات الشعب التى انعقدت عليها إرادته، فهل كان ذلك سيمثل موقفاً وطنياً مشرفاً؟، أو بمعنى آخر: هل يرتضى أحد أن يصبح الجيش هو جيش الحاكم ويده الباطشة فى مواجهة شعبه؟. وهل يضمن أحد فى هذه الحالة وحدة الجيش وتماسكه وهو جيش شعبى أتى أفراده من كل بيت من بيوتات مصر؟، ولو افترضنا وقوف الجيش على الحياد بين أهل الحكم والشعب، واكتفى بدور المشاهد، دعك من المسئولية الأخلاقية ومعانى الوطنية والشرف العسكرى، فهل من الأخلاق ترك أعزل فى مواجهة مسلح؟. فلو كان هذا الأعزل هو من ذوى القربى بالنسبة لك، أو بين أخوين لك أحدهما أعزل والآخر مسلح، فهل من المروءة أن تكتفى بدور المشاهد؟ . فلو كان الأخ المسلح فاشلا ويسعى إلى فرض فشله على الجميع، ويسعى إلى تخريب البيت وحرقه؟ أعتقد أنه من المروءة أن تقف فى مواجهته وتحول بينه وبين ما يسعى إليه من مآرب إجرامية مشبوهة. فإن لم تفعل فأنت بلا ريب خائن للمروءة والشرف والوطنية، وهذا ما فعله الجيش المصرى عندما انحاز للإرادة الشعبية بعدما نبه أهل الحكم لمخاطر منهجهم وأجندتهم فى إدارة شئون البلاد، وحذرهم من اضطراره إلى القيام بواجبه فى حماية الشعب مما يتهدده من المخاطر، فهل يكون الجيش بذلك خائناً أو منقلباً بمقاييس العلوم السياسية المعتبرة؟ . إن من يطنطن بأن ما حدث كان انقلاباً إما أنه مغرض أو مثالى، دعك من المغرض لآن الغرض مرض لا شفاء منه، أما المثالى فقد وقع فى وهم المقاييس النظرية المسطورة فى الكتب، وما حدث قد حدث على غير مثال، وللتدليل على ذلك أسوق تلك المراهنة العبقرية التى قامر الفريق السيسى بها، فبعد أن لملم كل أوراق اللعب فى هبة الجماهير يوم 30 يونيه، عاد وألقى بكل الأوراق على المنضدة فى تحد غير مسبوق للنفس وللغير، حين طلب من الشعب النزول إلى الميادين يوم 26 يوليو ليرى العالم ويتذكر أن ما حدث كان إرادة شعب. وقد واجه بهذا الرهان أحد احتمالين: إما نزول الشعب أو عدم نزوله. فإن نزل الشعب كان ذلك تصديقاً واعتماداً لمشروعية تصرفه فى حماية إرادة الشعب، وإن لم ينزل الشعب فقد المصداقية والمشروعية والتاريخ، وقد نزل الشعب، فهل يصح مع نزول الشعب الزعم بأن ما وقع كان انقلاباً عسكرياً، ما لكم كيف تحكمون؟.