زرت بلدى الحبيبة مصر.. فزاد إيمانى بالله.. وظل لسانى يلهج بذكر الله، ولم لا، وأنت حينما تمشى فى شوارعها.. تتذوق التراب وتستنشق الدخان.. ثم تتحول حواسك جميعها لحاسة بصر عملاقة.. وتسير كأنك فى متاهة.. تشعر بهذا التلاحم العجيب.. بينك وبين البشر ووسائل الانتقال.. فهذه سيارة تندفع نحو وجهك وتلك دراجة بخارية تصطدم بجانبك، وهناك بشر يدفعونك من الخلف.. والجميع يقترب منك فى حميمية بلهاء.. وتشعر بقوة الدفع تساعدك على الحراك.. والكل يلهث فى هذا السباق.. لا تندهش حينها.. يكفيك أن تقول: سبحان الله. حينما ترى القمامة وهى كالوحش الكاسر.. الذى يكبر ويتضخم يوما بعد يوم حتى يكاد يبتلع الأرض ويملأ الفضاء.. والعجب العجاب.. أنه بعدما أصبح التخلص منها: وعد انتخابى ومشروع حكومة وقرار رئيس.. تجد الدولة بكامل عزها.. تنهزم أمامها.. وهى تبدو كمعضلة لا حل لها.. وكأنها نظرية بدء الكون.. وكأننا نحتاج للتخلص منها لتكنولوجيا مركبات الفضاء.. والتى- حتى الآن- لم يكرمنا بها الله.. فحينما تتعثر فيها قدمك أو تنفر منها عينك أو تتأذى أنفك.. ستجد نفسك رغما عنك تمصمص شفاهك حسرة.. وتقول: لا حول ولا قوة إلا بالله. وحينما تستقل وسائل المواصلات.. أو تمشى فى الطرقات وتجد من يلقى فى أذنيك عنوة هذا التلوث السمعى.. تلك التركيبة العجيبة من كلمات فاحشة وألحان سفيهة.. ذلك القبح المتجسد والتى يطلقون عليها خطأ (أغانى شعبية) وهى لا يصح تسميتها سوى بلفظ (قاذورات صوتية).. حين يجبرك الآخرون على سماعها والتأذى بقبحها لابد وأن تصرخ بأعلى صوتك.. كى يغطى على صوت المسجل وتقول: يا الله.. حسبى الله. وحينما تسير فى الطرقات وترى تلك المهازل التى تجسدها كثير من فتيات مصر ونسائها الطاهرات.. حينما تراهم كاسيات عاريات.. مائلات مميلات.. تغطى شعرها وتعرى جسدها.. تلبس الضيق الذى يصف، والخفيف الذى يشف.. تلبس المبهرج.. وتغطى المساحيق وجهها كالغمام.. رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة.. والعجيب أنها تقول عن نفسها: محجبة.. والحجاب منها براء.. فلا مناص حينما تقع عليها عينك أن تغض بصرك وتقول: أستغفر الله. أما حينما تجتمع مع أهلك وأحبابك تطلب الدفء والاستقرار، ثم يبدأ النقاش.. وترى الجدال والشجار.. الجميع يتحدث فى شئون السياسة.. وكل الموضوعات متصلة بالرئاسة، فجأة يتحول الأهل لأعداء.. وترى التعصب كأنه داء.. فما بين مؤيد لرئيس ونظام لا يقبل نقد ولا يرضى حوار.. يرى كل مخالف له متآمر.. البعض مغرر به والآخرون فجار. وبين معارض يكره الرئيس ويعادى النظام.. يتمنى أن تخلع إحدى عينيه وبالعين الأخرى لا يراه.. ينسب له كل أخطاء الحكام منذ فجر التاريخ ويراه سببا لكوارث الطبيعة ونقم الإله. حينما يعتصرك الحزن على هذا الحال وتلك المأساة لا تبك.. ولكن قل: لا إله إلا الله. فى مصر... أستغفر الله وأتوب إليه.