صرحت المبادرة المصرية للحقوق الشخصية اليوم بأن حكم محكمة النقض الصادر أمس والذى قضى بحق السيدة كاميليا لطفى فى حضانة طفليها ماريو وأندرو رمسيس رغم إعلان والدهما تحوله إلى الإسلام يمثل خطوة إيجابية تشكل انتصاراً لوالدة الطفلين التى خاضت معركة قضائية استمرت خمس سنوات دفاعاً عن حقها فى حضانة ولديها التوءم. غير أن المبادرة المصرية أضافت أن حيثيات حكم الأمس تظهر أن محكمة النقض قد أضاعت فرصة غير مسبوقة لإسقاط السياسة التمييزية التى تقضى حالياً بتغيير ديانة الأطفال المسيحيين قسرياً فى الأوراق الرسمية عند تحول الأب إلى الإسلام. وشددت المنظمة على ضرورة أن تتدارك الحكومة هذه المسألة فى تعديلات قانون الأحوال الشخصية التى تعتزم تقديمها إلى البرلمان فى دورته القادمة. وقد قضى حكم محكمة النقض وهى أعلى مراحل التقاضى فى المسائل المدنية والجنائية الصادر فى 15 يونيه الجارى بقبول الطعن الذى تقدم به النائب العام ضد حكم كانت محكمة استئناف الإسكندرية قد أصدرته فى سبتمبر 2008 بنزع الطفلين من حضانة والدتهما وضمهما إلى والدهما بعد أن أعلن تحوله إلى الإسلام. وقال حسام بهجت، مدير المبادرة المصرية للحقوق الشخصية: "رغم ترحيبنا بنجاح هذه السيدة الشجاعة فى معركتها من أجل الاحتفاظ بحضانة طفليها، إلا أنه يؤسفنا أن محكمة النقض اكتفت بمعالجة النتيجة وامتنعت عن تأييد مبادرة النائب العام الذى سعى لمعالجة جذور المشكلة وهى التغيير اللاإرادى لديانة الأطفال دون أدنى اعتبار لإرادتهم أو إرادة أمهاتهم". وقد أدخلت حيثيات حكم الأمس التى اطلع عليها محامو المبادرة المصرية للحقوق الشخصية تعديلاً إيجابياً طفيفاً على القواعد القانونية السارية، وذلك بأن أكدت المحكمة للمرة الأولى على حق الأم "الكتابية" فى حضانة طفلها لحين بلوغ الطفل سن الخامسة عشرة الذى يحدده قانون الأحوال الشخصية كسن الاستغناء عن الحضانة، حتى فى حالة تحول والد الطفل إلى الإسلام وإقدام الدولة على تغيير ديانة الطفل بالتبعية. وكانت محكمة النقض فى السابق تقضى بنقل الطفل إلى حضانة الوالد المسلم عند بلوغ الطفل سن السابعة بوصفه "سن تمييز الأديان" وفقاً للمذهب الحنفى من الفقه الإسلامى. غير أن الحكم من ناحية أخرى سمح بنزع الطفل من حضانة والدته قبل سن الخامسة عشرة عندما "يخشى على دين الصغير" من تربية الأم، وهو ما يفتح الباب أمام الأزواج السابقين ومحاكم الأسرة للالتفاف على حكم محكمة النقض والاستمرار فى انتزاع الأطفال من أمهاتهم المسيحيات دون مراعاة المصلحة الفضلى للطفل. وكانت السيدة كاميليا لطفى ومحامو المبادرة المصرية للحقوق الشخصية قد تقدموا فى نوفمبر 2008 بطلب للنائب العام للطعن بالنقض على حكم إسقاط حضانة الأم للطفلين البالغين من العمر أربعة عشر عاماً، استناداً إلى السلطة التى يمنحها له قانون المرافعات المدنية (المادة 250) والتى تعطى النائب العام حق الطعن بالنقض فى الأحكام النهائية التى لا يجيز القانون للخصوم الطعن فيها (مثل أحكام محاكم الأسرة)، وذلك "لمصلحة القانون... إذا كان الحكم مبنياً على مخالفة للقانون أو خطأ فى تطبيقه أو فى تأويله." وقد استجاب النائب العام للطلب وبدأت دائرة الأحوال الشخصية بمحكمة النقض برئاسة القاضى حسن منصور النظر فى الطعن (رقم 15277 لسنة 78 ق) فى شهر فبراير الماضى. ودفعت مذكرة الطعن التى قام بتوقيعها النائب العام المستشار عبد المجيد محمود بأن عدم وجود نص قانونى ينظم مسقطات الحضانة عن النساء، يوجب على المحكمة الرجوع إلى أرجح الأقوال من مذهب الإمام أبى حنيفة، وفقاً للمادة الثالثة من مواد إصدار القانون رقم 1 لسنة 2000 (بإصدار قانون تنظيم بعض أوضاع وإجراءات التقاضى فى مسائل الأحوال الشخصية). وقد قبلت محكمة النقض أمس دفع النائب العام بأن تفسير محاكم الأسرة حالياً لمذهب الإمام أبى حنيفة يشوبه الخطأ فى تطبيق القانون، حيث يتوجب على المحكمة قبل إسقاط الحضانة عن الأم المسيحية أن تبين مبررات ذلك وألا تكتفى بالاستناد إلى مجرد بلوغ الصغير "سن تعقل الأديان" وهو سبع سنوات كسبب لإسقاط الحضانة عن الأم. ومن ناحية أخرى فقد كان النائب العام قد دفع فى مذكرة الطعن إلى أنه كان على المحكمة أن تطرح الاختيار على الصغيرين طالما تجاوزا سن السابعة "ليقوما بممارسة دورهما الذى تكفلت بالذود عنه الشريعة الإسلامية بين البقاء على عقيدتهما [المسيحية] التى تنشآ عليها وتربيا فى محرابها، أو قبولهما طواعية الانتقال إلى دين الإسلام". غير أن محكمة النقض لم تقبل هذا الدفع، وأصرت فى حكمها الصادر أمس على التمسك بأحكامها السابقة التى قضت فيها بأن إشهار أحد الوالدين لإسلامه يجب أن يتبعه تغيير ديانة الأبناء إلى الإسلام باعتباره "خير الديانات"، حتى يصلوا سن البلوغ وهو الخامسة عشرة. وأضاف حسام بهجت: "كان أمام محكمة النقض فرصة غير مسبوقة لتبنى التجديد الفقهى الخلاق الذى تقدم به النائب العام بما يحقق التوافق بين مبادئ الفقه الإسلامى وبين الالتزام القانونى على الدولة بكفالة حقوق كافة المواطنين ومنع التمييز ضدهم، غير أن المحكمة مع الأسف قررت التمسك بتفسير مذهبى متشدد يمنح شرعية للتمييز ويكفل استمرار الانتهاكات باسم الإسلام". وأكدت المبادرة المصرية للحقوق الشخصية أن الحكومة ملزمة بأن تتدخل فوراً لوقف السياسة التمييزية الحالية، خاصة بعد إعلان وزارة العدل عن اعتزامها التقدم للبرلمان بتعديلات لقانون الأحوال الشخصية. وشددت المنظمة على ضرورة أن تتضمن هذه التعديلات التى لم يعلن عن محتواها حتى الآن نصاً تشريعياً يأخذ بالرأى القانونى للنائب العام، وذلك بمنح الأطفال الحق فى اختيار معتقداتهم متى تجاوزوا سن السابعة، خاصة بعد أن تضمنت تعديلات قانون الطفل عام 2008 مادة تكفل حق الطفل فى الحماية من التمييز على أساس الدين، و"حق الطفل القادر على تكوين آرائه الخاصة فى الحصول على المعلومات التى تمكنه من تكوين هذه الآراء وفى التعبير عنها، والاستماع إليه فى جميع المسائل المتعلقة به، بما فيها الإجراءات القضائية والإدارية، وفقا للإجراءات التى يحددها القانون. (المادة 3 (ج)" وكانت المحكمة الدستورية العليا قد قررت فى حكمها الصادر عام 1996 فى الطعن (رقم 5 لسنة 8 ق) أن آراء الفقهاء "ليس لها فى ذاتها قوة ملزمة متعدية لغير القائلين بها، ولا يجوز بالتالى اعتبارها شرعاً ثابتاً متفرداً لا يجوز أن ينقض، وإلا كان ذلك نهياً عن التأمل والتبصر فى دين الله تعالى وإنكاراً لحقيقة أن الخطأ محتمل فى كل اجتهاد... ومن ثم صح القول بأن اجتهاد أحد من الفقهاء ليس أحق بالاتباع من اجتهاد غيره. وربما كان أضعف الآراء سنداً أكثرها ملاءمة للأوضاع المتغيرة ولو كان مخالفاً لأقوال استقر عليها العمل زمناً... على أن يكون مفهوماً أن اجتهادات السابقين لا يجوز أن تكون مصدراً نهائياً ومرجعاً وحيداً لاستمداد الأحكام العملية منها، بل يجوز لولى الأمر أن يشرع على خلافها وأن ينظم شئون العباد فى بيئة بذاتها تستقل بأوضاعها الخاصة". يذكر أن المبادرة المصرية للحقوق الشخصية قد أصدرت عام 2007 بالاشتراك مع منظمة هيومن رايتس ووتش تقريراً بعنوان "هويات ممنوعة: انتهاك الدولة لحرية المعتقد"، تضمن فصلاً كاملاً حول هذه المسألة بعنوان "باسم الأب: التحول اللاإرادى". ويضم الفصل توثيقاً لملفات 89 مصرياً قامت الدولة بتغيير ديانتهم فى الأوراق الرسمية إلى الإسلام دون إرادتهم بل وأحياناً دون علمهم بعد تحول آبائهم إلى الإسلام، وترفض وزارة الداخلية تعديل ديانتهم إلى المسيحية بعد بلوغهم سن الخامسة عشرة بالمخالفة للقانون ومبادئ الأحكام القضائية المشار إليها أعلاه. وقد بدأت اللجنة الأفريقية لحقوق الإنسان والشعوب التابعة للاتحاد الأفريقى فى نوفمبر 2008 نظر دعوى أقامتها المبادرة المصرية للحقوق الشخصية نيابة عن السيدة كاميليا لطفى تتهم الحكومة المصرية بانتهاك أربعة من مواد الميثاق الأفريقى لحقوق الإنسان والشعوب، الذى صدقت عليه الحكومة ومجلس الشعب عام 1984. كما تعتزم المبادرة المصرية عرض هذه السياسة التمييزية والتعسفية أثناء خضوع الحكومة المصرية خلال عام 2010 لآلية الاستعراض الدورى الشامل لسجلها الحقوقى أمام مجلس حقوق الإنسان بالأمم المتحدة، فضلاً عن المراجعة التى ستجريها لجنتان تابعتان للأمم المتحدة خلال العام ذاته لتنفيذ الحكومة المصرية لكل من الاتفاقية الدولية لمناهضة التمييز ضد المرأة والاتفاقية الدولية لحقوق الطفل.