تقريباً أجمع معظم المعلقين من مختلف التيارات والاتجاهات والدول العربية على أن خطاب أوباما فى القاهرة كان إيجايباً، ثم أتبعوا هذا التعليق بعبارة تكاد تكون واحدة "ولكن ننتظر أن تتحول الأقوال إلى أفعال". وفى تصورى أن هذا الكلام لا يخرج عن العادة العربية الشهيرة التى تتبع أى كلام أو موقف بكلمة ولكن، ومع خطاب أوباما للعالم الإسلامى لا أعتقد أننا كنا فى حاجة إلى فعل "ولكن" أو إلى انتظار الأفعال، لأن الرئيس الأمريكى قبل أن يأتى إلى القاهرة كان قد بدأ الفعل، لكننا أحيانا لا نرى الأفعال ونركز على الأقوال على عكس ما ندعى. أفعال أوباما بدأت منذ الساعات التى تلت حفل تنصيبه رئيساً للولايات المتحدة فى العشرين من يناير الماضى، وكان أولها الاتصال الهاتفى بقادة الشرق الأوسط وبدأ بالرئيس الفلسطينى محمود عباس، ثم أتبع ذلك بتعيين جورج ميتشل مبعوثا خاصا له للشرق الأوسط. وبعكس كل السادة المحللين السياسيين الذين أحترمهم وأحترم آراءهم، أرى أن أوباما منذ يومه الأول فى الحكم رجل أقوال لا أفعال، ورغم أنه "مطحون" فى أزمة مالية عالمية لها تداعياتها شديدة الوطأة على كل العالم، وعلى شعبه الذى انتخبه، فإنه لم يدر ظهره للجميع متحججاً بالانهماك فى الأزمة الاقتصادية التى تعيشها الولاياتالمتحدة، وإنما أظهر منذ اليوم الأول اهتماماً كبيراً بالشرق الأوسط لم نعهده من أى رئيس أمريكى سابق. أوباما صادق فى توجهه، وهو يسعى فعلياً لإقامة دولة فلسطينية، وقد اتخذ موقفا متشددا من الاستيطان، وأعلن تأجيل نقل سفارة واشنطن للقدس بشكل علنى وليس "من تحت لتحت" كما كان يفعل من سبقه من الرؤساء الأمريكيين، وهو مصر على استئناف المفاوضات لحل القضية الفلسطينية، عبر أفعال بدأت فعلا على الأرض وليس عبر أقوال. أوباما خلال 135 يوماً فى الحكم زار كندا وفرنسا وألمانيا، لكنه فى المقابل زار تركيا والسعودية ومصر، ولم يزر إسرائيل، واستقبل فى البيت الأبيض رؤساء أفغانستان وباكستان وفلسطين وملك الأردن ورئيس الوزراء الإسرائيلى، وكان مقرراً أن يستقبل الرئيس مبارك أيضا، وكل ذلك يعنى أنه رجل أفعال وليس أقوال. وهو بدأ حكمه بسحب القوات الأمريكية من المدن العراقية، ووضع جدولا زمنيا لسحب الجيش الأمريكى حتى 2012، ورغم أنه يؤمن بزيادة عدد القوات الأمريكية فى أفغانستان لتغيير الأوضاع على الأرض، لكنه فى الوقت ذاته يرى أن التغيير يكون بدعم الدولة الأفغانية وليس بالقوة العسكرية. فى السياسة كما فى الدين، ما لا يؤخذ كله لا يترك كله، وإذا كان أوباما يحمل برنامجاً لحل قضايا الشرق الوسط المعقدة، فإن المطلوب منا ليس الجلوس وانتظار ما سيأتى به أوباما، أو أن نرى أفعاله ثم نخضعها للتقييم، وإنما أن نمد أيدينا إليه، نشد عليها ونأخذ بها إلى فعل تلو الآخر، وألا نضيع هذه الفرصة التاريخية السانحة لإحداث تغيير حقيقى فى الشرق الأوسط وفى القضية الفلسطينية. خلال العصر الحديث لم تكن هناك دولة فلسطينية أبدا، نحن الآن أمام رئيس أمريكى يضع إقامة دولة فلسطينية أولوية قصوى على جدول أعماله، قد نختلف على حدودها، وعلى صلاحياتها، لكننا يجب ألا نترك هذه الفرصة تضيع من أيدينا.. نأخذ ما نستطيع، ونترك ما لا نستطيعه.. وألا نضيع الفرصة كما أضعنا العديد من الفرص السابقة حتى أصبحت القضية الفلسطينية هى قضية الفرص المهدرة على مدار التاريخ.