فزغ سيطر على أعداد كبيرة من الشعب الأفغاني وهو في حالة هيستيرية بمطار كابل الذي هرول إليه الجميع بغية الفرار بعد سيطرة طالبان على الحكم في أفغانستان، بدت الوجوه شاردة في كل الصور ومقاطع الفيديو الواردة، اعتراها شيئًا من التوتر، ما الشئ الذي يجبر إنسان أن يتعلق بمحرك طائرة للهروب من دولة أفغانستان الواقعة في جنوب قارة آسيا؟ يلا كورة بحث عن المكانة الرياضية لأفغانستان على الخريطة العالمية، وتحدثنا باستفاضة مع مواطنين أفغان حول شكل الرياضة هناك. نظمت أفغانستان أول دوري لكرة القدم والذي يسمي ب"ليگ برتر" أي "كأس الدوري" في عام 2012، وشارك به ثمانية فرق تنافست على اللقب الذي فاز به آنذاك فريق "طوفان هريرود" الممثل عن مدينة هرات الواقعة في غرب البلاد. وتم اختيار لاعبي الدوري بمساعدة برنامج المواهب التلفزيوني الواقعي المسمى Maidan e sabz "الملعب الأخضر"، حيث تم التصويت للاعبين في الفرق من قبل هيئة المحلفين وجمهور التلفزيون، ثم تم تجميع المقاطعات ال 34 في ثماني مناطق أكبر، وتشكيل ثمانية فرق من 18 لاعبًا، واحد من كل منطقة. واستمر الدوري الأفغاني الذي يلعب في 3 أسابيع فقط من كل عام، لمدة 9 سنوات متتالية حتى العام الجاري، حيث حقق خلالهم فريق "طوفان هريرود" اللقب ثلاث مرات، وفريق "شاهين آسمايي" خمس مرات، وفريق "سبين غر بازان" مرة واحدة. "نقيب الله ولى زاده"، الطالب بالفرقة الثالثة بكلية الشريعة الإسلامية، جامعة الأزهر، والقاطن بمدينة القاهرة، أخذنا معه في جولة رياضية من أجل إظهار الوجه الاخر لأفغانستان بعيدًا عن الحرب والنزاعات: "هناك في الملاعب ما يسمي بلجان الآداب بالمدراجات لمنع جلوس الشباب بجانب الإناث، كما تواجد شيوخ القبائل والسياسين بأرض الملعب لتوزيع الحوافز المالية على اللاعبين عقب كل مباراة، ويتميز الدوري الأفغاني بخصوصية اختيار الجمهور لثلاثة أفضل لاعبين من كلا الفريقين المتنافسين وذلك من خلال تصويت يتم عبر التلفزيون". وكشف ولى زاده الذي يشجع فريق "عقابان هندوكش" في أفغانستان، وبرشلونة في أوروبا، والزمالك في مصر، أن الفريق يتكون من أكثر محافظة مثل فريقه الذي يتكون من محافظات (بنجشير-بروان-كابيسا)، وأن الدوي يقسم إلي مجموعتين أ-ب كل مجموعة تكون من 4 فرق، كما أشار أن هذه الفرق يشارك منها فريق وحيد في الأدوار التمهيدية لدوري أبطال أسيا، ودوما ما ينهزم لضعف المستوي الفني للدوري مقارنة بالبلاد الأخرى. وطبقا لموقع ويكيبيديا باللغة الإنجليزية، فإن قبل عام 2012، تم تقسيم الدوري في أفغانستان إلى 7 مجموعات غطت البلاد، لكنه لم يكن مستقر. أما عن المنتخب الوطني الأفغاني الملقب بأسود خراسان، فقد تأسس عام 1922، وانضم للاتحاد الدولي لكرة القدم عام 1948 وإلى الاتحاد الآسيوي في 1954، لم يلعب أي مباراة دولية في الفترة ما بين عامي 1984 و 2003 بسبب ظروف الحرب التي عانت فيها البلاد منذ تلك الزمن البعيد، كما أن كرة القدم لم تكن لعبة تشجع من قبل نظام حركة طالبان في فترة حكمهم الأولى التي بدأت في عام 1996 إلي 2001. ويحتل المنتخب الأفغاني المركز 153 وفقًا لتنصيف الفيفا في شهر أغسطس الجاري، بينما كان أعلى تصنيف في أبريل 2014 حينما أحتل المركز ال122، ويعد ملعب غازي بالعاصمة كابل هو الملعب الرئيسي للدولة، ويتسع ل 25 ألف متفرج وتم افتتاحه في عام 1923، وخلال حكم طالبان في الفترة الأولى كان يستخدم الملعب لعمليات الإعدام العلنية، بحسب تقارير صحفية أفغانية. وطبقًا لموقع ترانسفير ماركت فإن الهداف التاريخي لأسود خرسان هو اللاعب بلال أرزو ب9 هدف، أما عن الأكثر مشاركة فهو اللاعب زوهيب إسلام أميري ب51 مباراة. أما عن المحترف الوحيد في تاريخ أفغانستان فهو اللاعب نديم أميري الذي يلعب لنادي بايرن ليفركوزن الألماني، ويحمل الجنسية الألمانية، وخاض 3 مباريات مع المنتخب الألماني بأولمبياد طوكيو. "في أفغانستان لا يحبون التنس".. هكذا أجاب "نقيب" الطالب الأفغاني المقيم في مصر، حين بدأنا الحديث عن الرياضيات الأخرى بعيدًا عن كرة القدم. كما أوضح أن أشهر لعبة هناك هي "الكريكت"، ويعد "راشد خان" هو أشهر لاعب كريكت بأفغانستان، وهي لعبة أكثر شعبية من كرة القدم لأنها اللعبة الوحيدة التي تجمع الساسة الأفغان بمختلف انتماءاتهم السياسية والطائفية. ويلعب الكريكت أكثر من 587 ألف شخص بشكل رسمي، كما أن أعدادًا أكبر غير مسجلين، بحسب ما ذكر حاجي عزيز الله، نائب رئيس مجلس رياضة الكريكيت في أفغانستان في تصريحات صحفية أفغانية، مضيفا أن أفغانستان سُجلت في منظمة الكريكيت الآسيوية بشكل رسمي سنة 1996، وتصنف ضمن المراكز الأولى المتقدمة في اللعبة من بين 105 دول في العالم يمارسون هذه اللعبة. أما اللعبة الثانية الأكثر شهرة في أفغانستان بعد "الكريكت"، كما أخبرنا ولي زاده، البالغ من العمر 24 ربيعاً، هي لعبة "البزكشي" و شرح لنا أنها هي عبارة عن لعبة جر الماعز، وتقوم على تنافس مجموعة من الفرسان بخيولهم من أجل التحكم والسيطرة على ماعز أو عجل مذبوح حديثًا، ويجب على الفرسان التقاط جثة الماعز من على الأرض وهم يمتطون خيولهم وحملها إلى مكان معين ووضعها فيه، وغالبا ما يكون هذا المكان دائرة مرسومة على أرض الملعب تسمي ب"دائرة حلال"، ويفوز الفارس حين يوصل هذه الذبيحة إلى الدائرة. وينقسم الفرسان إلى فريقين، وتبدأ المباراة بإشارة من الحكم وتستمر عادة من ساعتين إلي ثلاث ساعات، وفي النهاية يعلن الحكم نتيجة المباراة، وتعتبر"البزكشي" من الرياضيات العنيفة، حيث يلتحم فيها الفرسان مع بعضهم البعض، وتلعب القوة البدنية فيها دورًا رئيسيًا، ويرتدى الفارس رداءً يسمى ب"چين" كما يستخدمون أحزمة خاصة ويغطون رؤوسهم بقبعات سميكة، وينتعلون أحذية طويلة. وظلت هذه الرياضة تتمتع بحماية الدولة الأفغانية وتشجيعها على مدى الحكومات المتعاقبة، فقد كانت مباريات "البزكشي" تقام في عهد الملك محمد ظاهر شاه حتى عام 1973 في مناسبة الاحتفال بمولده، وقد غيرت الأنظمة التي جاءت بعد ذلك تاريخ المباريات إلى مناسبة الاحتفال بذكرى إنشاء منظمة الأممالمتحدة، كما كانت تقام هذه المباريات أيضًا في مناسبات الزواج والختان. الجدير بالذكر أن كثيرًا من مباريات "البزكشي" تقام على نفقة الأغنياء، حيث ينفقون عليها بسخاء، خاصة وأنهم يقدمون للفائزين جوائز نقدية وعينية كالملابس والسجاد والبنادق والجمال، وكغيرها من الألعاب تدهورت أحوال "البزكشي" في العهد الأولى ل"طالبان"، لكنها بدأت تنشط في الآونه الأخيرة من جديد نظرًا لولع الأفغان بها. "أشعر أننا متأخرين، لا يوجد تطور في البلد"، كلمات تغلفت بالحزن عبر بها "نقيب" عن أوضاع الرياضة في بلاده، حيث توقف لعب كرة القدم مرة أخرى مع عودة حركة "طالبان" للحكم، كما توقف العديد من الألعاب والأنشطة الأخرى، كما توقف ممارسة النساء للعبتي كرة القدم، مما جعله يشعر بخيبات الأمل لما آلت إليه أوضاع أفغانستان، تلك الدولة التي لا يتخطى عدد مواطنيها ال40 مليون نسمة. ومن المفترض أن يعود "نقيب" إلى موطنه في عام 2022 بعد إتمام دراسته بجامعة الأزهر، لكنه لا يعلم كيف ستكون الأوضاع آنذاك خصوصًا أنه علم باستعداد شقيقه للمغادرة إلى أمريكا فرارًا من حكم طالبان. وعن أحلام "نقيب" المستقبلية للرياضة في بلاده، تمنى أن يعود الدوري مرة أخرى وأن يفوز المنتخب بكأس أسيا، وأن يصل إلى كأس العالم، والذي يراها من الأحلام المستحيلة، لكنه يحلم مادامت هناك حياة، كما تمني أن تنتهي الحرب وإراقة الدماء وأن ينعم الجميع بالأمن والأمان، يقول:"لا نريد أي أفغاني أن يغادر ويسافر إلى بلد أخرى، نريد أن نبقى في أفغانستان ونتطور ونعيش مع إخواننا، لا نريد الموت أو الظلم".