تقرير.. "التمرير" ولد في اسكتلندا وتحول ل "وان تو" بالبرازيل و"تيكي تاكا" لن تموت

بات الحديث عن نهاية عصر تيكي تاكا مرتبط بشكل أساسي بأي خسارة يتعرض لها المدير الفني الإسباني بيب جوارديولا، وكأن للمتعة عدو يحاول أن يخنقها بالدفاع المتكتل الرافض لأي لمحة تخطف انظار عشاق الساحرة المستديرة.
"تيكي تاكا" لم ولن تكون نبات بلا جذور ظهر فجأة علينا من حيث لا ندري ولا نعلم، إنما هو التطور الطبيعي لهؤلاء اللذين اختاروا "المتعة" طريقا من أجل النجاح في كرة القدم، فقدموا لنا اللعبة التي تعتمد على التمرير وتناقل الكرات المحسوب بدقة حتى يؤدي بالفريق إلى مرمى المنافس.
ما هي تيكي تاكا؟
لفظ تيكي تاكا من الأساس دخل إلى عالم كرة القدم عن طريق المعلق الإسباني اندريس بونتيس أثناء تعليقه على مباريات كأس العالم 2006، واستخدمه من أجل التعبير عن اعجابه بقدرة منتخب لاروخا على التمرير وتناقل الكرة بشكل "أنيق" في مساحات صغيرة وبتناغم سريع بين عناصر الفريق.
ويرجع اصل تيكي تاكا بصورتها الحالية إلى المدير الفني الأسبق لبرشلونة يوهان كرويف الذي أدخلها النادي في تسعينيات القرن الماضي، حين وضع سياسة تعتمد على التمرير القصير للكرة من أجل خلخلة دفاع الخصم حتى يمكن الوصول للمرمى.
وتعد تيكي تاكا التطور الطبيعي لكرة القدم الممتعة التي ولدت منذ أول مباراة في كرة القدم عام 1872 والتي جمعت انجلترا واسكتلندا.
ومن خلال السطور القادمة نرصد أبرز الطرق التي أدت إلى ظهور "تيكي تاكا" في النهاية.
"تمرير" اسكتلندا
عندما أقيم اللقاء الأول في كرة القدم بين انجلترا واسكتلندا، كان هناك اعتماد من الانجليز على الكرات العالية الطويلة التي تنقل إلى الخط الهجومي في ظل اعتماد الفريق على طريقة لعب 1-2-7.
لكن دخل المنتخب الاسكتلندي المباراة بطريقة 2-2-6، وكانت سياسة الفريق تعتمد على تمرير الكرات الأرضية بين عناصر الخطوط الثلاثة وليس مجرد نقل الكرة للخط الأمامي في أسرع وقت.
ورغم أن المباراة انتهت بالتعادل 0-0 إلا أن مباراة 1872 كانت البداية الأولى لطريقة اللعب التي تعتمد على التمرير.
"وان تو" في البرازيل
انتقل الاسكتلندي أرشي ماكلين في بداية القرن العشرين إلى البرازيل ونقل معه كرة القدم الاسكتلندية التي تعتمد على التمرير القصير حيث كون فريق اسمه "سكوتش واندرارز" ولعب فيه بجانب قيادته.
وأطلق على طريقة ماكلين اسم "تابلينها" وهي كلمة برتغالية قريبة في المعني من "تيكي تاكا" وتعني الإيقاع، وتطورت تلك الطريقة في النهاية لتصل إلى ما نعرفه حاليا ب"وان تو".
"المهاجم الوهمي" واستحواذ النمسا
قام هوجو ميسل بوضع نظام جديد يعتمد على طريقة 2-3-5، وذلك بعدما حدث تعديل في نظام التسلل عام 1925 ليكون المهاجم مطالب بالتواجد في مكان يسمح بالتغطية من لاعبين في الفريق المنافس، بعدما كان التسلل يقضي بتغطية المهاجم بثلاث لاعبين في وقت سابق.
ولعب ميسل بطريقة لعب لا تعتمد على رأس الحربة، وكان الظهور الأول للمهاجم الوهمي الذي يأتي من الخلف من أجل التخلص من الرقابة الدفاعية، وكانت سياسة المدرب النمساوي تعتمد في الأساسي على الاستحواذ ونقل الكرة بالتمريرات القصيرة.
ونجحت طريقة لعب ميسل في الحفاظ على منتخب النمسا بدون هزيمة في 14 مباراة متتالية من أبريل 1931 وحتى ديسمبر 1932.
الفريق المجري الخارق
تولى جوستاف سيبيس قيادة منتخب بلاده المجر في 1949، وبعد الخسارة من جمهورية أيرلندا قرر أن يخوض مباراة ودية أمام المنتخب الانجليزي وأقيم اللقاء في ويمبلي.
وقدم سيبيس مفاجأة للانجليز حيث لم يعتمد على رأس حربة في المباراة واستخدم طريقة 4-2-4، واستطاع المنتخب المجري الفوز أمام 105 ألف مشجع انجليزي بنتيجة 6-3، في لقاء سجل فيه هيديكوتي 3 أهداف، وتم اختيار المباراة بعد ذلك لتكون مباراة القرن العشرين.
واعتمد سيبيس في طريقته على أربعة عناصر، القوة البدنية، التمرير السريع والقصير، قدرة اللاعب على أداء كافة الوظائف داخل الملعب، وقيام كافة عناصر الفريق بالدفاع والهجوم ككتلة واحدة.
الكرة الهولندية الشاملة
بعد نجاح المجر الكبير الذي كان في خمسينيات القرن الماضي انتظرنا حتى أتى المنتخب الهولندي بالكرة الشاملة في سبعينيات القرن الماضي.
وابتكر الانجليزي جاك رينولدز طريقة الكرة الشاملة أثناء العمل مدربا لأياكس أمستردام ثم نقلها بعد ذلك إلى المنتخب الهولندي وحقق مع الفريق الكثير من النجاحات.
واعتمدت الكرة الشاملة على النقل السريع للكرة من الدفاع للهجوم واعتمدت على قيام كافة عناصر الفريق بالدفاع والهجوم معا بنفس منطق الكرة المجرية، لكن بطريقة لعب 1-3-3-3.
وتعد طريقة تيكي تاكا نقطة في سلسلة التطور التاريخي لكرة القدم التي تعتمد على المتعة الجماعية وليست تجربة شاذة عن تاريخ الكرة، ليتأكد الجميع أن المتعة في الساحرة المستديرة لن تموت.
لمناقشة الكاتب عبر تويتر.. اضغط هنا