المواجهة كانت تنافسية، والكثير من الجماهير يعدون لها العدة، للحضور ومشاهدتها على الطبيعة. الساعة حوالي الثانية والنصف بتوقيت الرياض، هناك في ملعب "أولد ترافورد" الذي سيحتضن مواجهة مانشستر يونايتد وليفربول في الدوري الانجليزي احاطت الجماهير بجنباته والشوارع القريبة منه، يسير وسطهم مجموعة من رجال الأمن ممتطين صهوات الخيول، لا تجد زحمة وفوضى وتعامل غير جيد، تجد متعة ومعايشة يوم كروي راق بمعناه الحقيقي. هناك من يذهب الى متجر "المان"، وآخرون يشترون المشروبات والأكل تحت رذاذ المطر والغيوم السوداء، ولفحات الهواء الباردة والاجواء المنعشة، وفئة ثالثة تحمل الاعلام وتهتف للفريقين الكبيرين، طبعا اعلام اصلية وليست مقلدة، اعداد كبيرة لا تعلم عند مشاهدتها كيف ستدخل الى الملعب، ومن سيتولى الاشراف على تنظيمها. المباراة لم يبق عليها الا دقائق معدودة ، الذي يشاهد تلك الاعداد المهولة وتعوّد على الملاعب السعودية يظن ان المواجهة الكروية في مدينة مانشستر سيمضي جزء من شوطها الأول من دون ان يتمكن من احتلال مقعده، المباراة مقرر لها الوحدة والنصف بتوقيت لندن -اي الرابعة والنصف بتوقيت الرياض- لحظتها قلت (يبدو ان هناك فوضى ستعم المكان). طلبت من الزميلين العزيزين المهندس علي السمراني ومحمد السقاء والأخير (ابن شقيق الاعلامي الراحل محمد السقاء يرحمه الله) الذهاب الى الملعب قبل تدفق الجماهير، هنا استغربا وكأنهما يقولان انت لست في الملاعب السعودية. ثم ما الذي حدث؟.. قبل بداية اللقاء بدقائق معدودة وجدنا الطريق سهلا والبوابات مفتوحة، والكل عبر الى مقعده حسب الرقم الموجود في التذكرة فاكتظ الملعب الكبير بالجماهير الكبيرة من دون ان يضايقها او ينغص عليها أحد، هذه الجماهير بتنظيمها واهازيجها وحتى طريقة جلوسها اعطت المباراة رونقًا غير عادي. رجال الشرطة المسؤولون عن الامن بتعاملهم والاماكن التي يقفون بها (على جميع البوابات المطلة على المدرجات) اعطوا بلباسهم «الفسفوري» منظرا رائعا للملعب، وكأنك وسط الوان وتشكيلات منوعة من الورود، بعد نهاية اللقاء ونتيجة لثقافة الفوضى المترسخة لدي، سألت نفسي (كيف سنخرج وكيف نصل الى السائق وأين؟)،، تصوروا كلها لحظات والملعب شبه خال وكأنها عملية اخلاء سريع، وسط انسيابية غير عادية للحركة، رجال الشرطة الذين على خيولهم والذين يمشون يتمازحون مع بعض الجماهير من دون فوضى، والكل غادر الى حيث وجهته سعيدا. لم اشاهد براد شاي أخضر وآخر احمر وثالث أسود في المدرجات، لم ارى مرافق مهترئة ودورات مياه تفتقد الى ابجديات النظافة وعمالا يجوبون المدرجات نزولا وطلوعا لبيع المشروبات على الجماهير. شاهدت اماكن تفتح النفس وتنظيم يغري على الحضور لأي مباراة وقتها حدثت نفسي (فعلا الرياضي السعودي مضحوك عليه، ولوذهبت جماهيرنا الى ملاعبهم لأغمي عليها من هول ماتشاهد), والأروع ثقافة جماهير «المان» التي ساندت فريقها بحماس ومثالثة إلى آخر دقيقة حتى وهو مهزوم بثلاثية ويبدو أنها ثقافة عامة لدى الانجليز والدول المتقدمة! عدت مع الاخوان في شركة الاتصالات السعودية الى ارض الوطن وفي ذهني اسئلة ادرك تماما ان لا أحد سيجيب عنها (متى تكون ملاعبنا مثل ملاعبهم، وتنظيمنا يتناغم وتنظيمهم، وكراسينا تحاكي كراسيهم، ونفسياتنا مثل نفسياتهم، وتعاملنا يرتقي الى تعاملهم، وثقافتنا الرياضية قريبة من ثقافتهم)، متى يقول المسؤول لدينا فيفعل، ويعد فيفي، ويخطط فينفذ؟! من جعلنا نعيش هذه الفوضى الرياضية في كل شيء، اين هو من التنظيم والنظام في الدول المتقدمة، كيف تهدر مئات الملايين من دون ان يكون لها اثر على الملاعب والتنظيم وراحة المشجع وترغيبه وجذبه الى المدرجات.. لك الله يارياضة وطني؟!