مع عادة الكذب التي يجيد صناعتها بنى البشر في كل زمان وفي أي مكان قد لا تستطيع أن تعرف أو تتعرف إلى ملامح عصر ما من العصور في بلد ما من البلاد وذلك إذا كنت سائحا أو زائرا أو صحفيا وقمت بتوجيه سؤال مباشر إلى أهل هذه البلد.. ذلك لأن المؤيد الشريك في المصالح والمستفيد من العلاقات سوف يعطيك أعظم صورة وردية للحياة كما يراها هو. وعلى العكس من ذلك فإن المعارض المحروم من المصالح والمقطوع من العلاقات سوف يعطيك أسوأ صورة قبيحة للحياة في هذا البلد.. أما الشخص المحايد والوحيد الذي يرى الصورة على حقيقتها والذي يعرف دقائقها والذي يعانى من مرارتها لانعدام الشراكة والاستفادة مع إنه بعيد عن جبهة المحرومين والمقطوعين، فهو الوحيد الذي لن تسمع إجابته لأنه سوف يعرض عن الرد عليك مع نظرة امتعاض طويلة وعميقة لك ولمن يتحدثون معك. لذا فإن كنت شخصا حصيفا وحاذقا وذكيا فأنت إلى جوار الأحاديث التي لا طائل من ورائها ولا قيمة لها بالمرة تحاول أن تضع يديك على بعض ملامح هذه البلدة للتعرف إلى طبائعها في هذا العصر والتعرف إلى ما لا تستطيع أن تقوله الألسنة حتى الطويلة منها أحيانا أو تذكره الأفواه حتى المفتوحة منها في كل الأوقات. ويصبح عملك كصحفي أو زائر أو سائح تعتمد على حاسة الرؤية أكثر وعلى حاسة السمع أقل وتمتنع عن الكلام تماما، لأن التعليق على الأحداث سوف يوقعك في المشاكل إن لم يكن مع فريق المعارضين فسوف يكون مع فريق المؤيدين. نحن الآن في زيارة إلى مصر ما بعد ثورة يناير العظيمة التي أطاحت بأسوأ نظام للحكم والذي كان رمزا للطغيان والفساد في الشرق الأوسط واستطاعت خلع الدكتاتور مبارك الرئيس الأسوأ بالمقارنة مع كل من زين العابدين والقذافي وتحديدا بعد الموجة الثالثة من موجات الثورة التي أطاحت بالرئيس الغبي مرسي العياط ونظام الإخوان الفاشل الذي لم يحقق إنجازا يذكر للمصريين خلال عام كامل من السيطرة على الحكم، مع الاعتراف الكامل بشرعية وصولهم إلى السلطة عن طريق الانتخابات الرئاسية التي فازوا فيها عن جدارة. الآن افتح عينيك ولاحظ كل جديد مستجد طرأ على الحياة المصرية بعد ثلاث سنوات مضت من ثورة يناير المصرية العظيمة سوف ترى قناة فضائية مصرية جديدة لا تعرف من ورائها بالتمويل والدعم والمساعدة والرضا ولكن تقوم على إدارتها ورعايتها الراقصة المصرية سامية حداقة وشهرتها سما المصري وهى حاصلة على ليسانس آداب ولا أعرف أي نوع من الآداب إلا إذا كان من النوع الذي تبحث عنه مباحث الآداب حيث تستخدم هذه الراقصة في هذه القناة كل أنواع الرقص الممنوع والمباح. وتتخلل هذه الرقصات كل أصناف الإيحاءات الجنسية التي تعدت كل الخطوط الحمراء وكذلك البذاءات القولية التي تعدت كل حدود الأدب والاحترام على رموز عظيمة كانت إلى وقت قريب يشار لها بالبنان مثال ذلك الدكتور محمد البرادعي والشيخ حازم صلاح أبو إسماعيل وغيرهما ممن لم يثبت على أحد منهم وحتى تاريخه ارتكاب أي جرم، رغم وجود بعضهم خلف أسوار السجن. وبمناسبة الرقص لا يمكن لنا أن ننسي مهرجان الرقص الكبير في ميدان التحرير في الذكرى الثالثة للثورة والذي تعددت فيه حوادث التحرش وكان ذلك تحت نظر الأمن ولا نقول رعايته.. حتى عيد الأم الذي تحتفل به الدولة المصرية منذ عشرات السنوات وكان يلقى رضا كبيرا من غالبية عموم الشعب المصري على اعتبار أنه مناسبة عظيمة لإظهار الامتنان لأعظم مصدر للرحمة والحنان في العالم كله ومظاهرة للفرح والاحتفال تعم كل أفراد الأسرة أصبح مصدرا للتهكم والتريقة والمسخرة: عملا بقول الشاعر(الأم مدرسة إذا شخلعتها )..أو القول (الأم مدرسة إذا أعددتها أعددت شعبا لين الأوساط).. أو القول (أنام وتسهري وتهزي وتسكري ).. بعد أن قام أحد الأندية الشهيرة وهو نادي الطيران التابع لوزارة الطيران المدني بمنح الراقصة المصرية اللولبية الشهيرة جدا فيفي عبده صاحبة أول مدرسة للرقص الشعبي في مصر لقب الأم المثالية مما أساء إلى سمعة الأم أي أم مثالية أو غير مثالية وهى مصادفة لا أعتقد أنها قد حدثت من قبل حتى في أعتى عصور الرقص السياسي ولا حتى في الخيال طبقا لما جاء في فيلم الراقصة والسياسي. أما الشغل الشاغل لمصر في الفترة الحالية فهي الراقصة الأرمينية صافيناز التي تحتل أخبارها المتجددة الصحف المصرية من القبض عليها أحيانا إلى إطلاق سراحها فيما بعد، مع شائعات تتردد بقرب طردها من مصر نهائيا إلى آخر أخبار حفلاتها وما أثارته من أزمة بين عريس وعروسه ليلة زفافهما بعد أن اندمجت في الرقص مع العريس بشكل لافت للنظر مما أزعج العروس منها، وكاد أن يتسبب في مشكلة تنهى ليلة الزفاف إلى عكس ما قد تؤدى إليه. الآن أعتقد أنك أيها السائح أو الزائر أو الصحفي أدركت كم السخرية التي تعيشها مصر في أزهى عصور الديمقراطية الحالية ومنتجاتها القادمة والقاتمة والقائمة على خارطة الطريق والبقية تأتى في مقالات أخرى.