سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
ننشر اليوميات الممنوعة من النشر ل "السادات" في سجن "الأجانب"..الرئيس الراحل كتب يومياته في "المصور" تحت عنوان "ثلاثون شهرًا في السجن".. وبعد توليه الرئاسة أمر بمصادرة الكتاب
حكاية وجبة "الكباب" التي أغضبت الضابط "أنور".. وسر "أكلة الشيمي" التي لن ينساها "السادات" ألف مسرحية في "سجن الأجانب"... و"هارون الرشيد" الشخصية المفضلة الجمعة 18 يناير 1946.. دخلت سجن الأجانب بعد منتصف الليل بعد أن عدت من سراي النيابة، ها هو ذا سجن الأجانب يضمني ثانية بعد أن كنت قد نسيته تماما، إذ أن آخر ذكريات لي فيه انتقلت إلى ركن بعيد من ذاكرتي، ولكنني أراني الآن أستعيدها كما لو كانت بالأمس، فها هي الغرفة رقم 28 التي كان يسكنها أربعتنا في قضية التجسس لحساب الألمان". بالفقرة السابقة بدأ الرئيس الراحل نشر حلقات مذكراته عن أيام السجن، في مجلة المصور، وقدمها بعد ذلك في كتاب بعنوان "30 شهرًا في السجن"، يؤكد البعض أنه "السادات" أصدر قرارًا بعد توليه رئاسة الجمهورية بمصادرة ما كان باقيًا من نسخه في السوق. وأكمل "السادات" -في الكتاب المصادر- مؤرخا لفترة سجنه بعد اتهامه بالتورط في اغتيال السياسي البارز -وقتها - أمين عثمان، بقوله "الأحد 20 يناير 1946.. مضى عليّ الآن ثلاثة أيام وأنا أنام ببدلتي، فقد نقلونى إلى هنا مساء الخميس السابق دون أن يحضروا ملابسي وحاجاتي من سجن مصر حيث كنت، هذا بالرغم من أنني شكوت شفويا ثلاث مرات في الأيام السابقة مأمور السجن، إنني ألاحظ تغييرا شديدا في معاملة المأمور لي، بالنسبة للمعاملة التي لقيتها منه في المرة السابقة، وهو يحيلني دائمًا على البكباشي "إمام" الذي أخفقت في محاولة الاتصال به، لذلك كتبت خطابا شديد اللهجة إلى النائب العام في شأن الإهمال وتركي دون ملابسي أو حتى صابونة لأغتسل، وقد سبب لي النوم بالبدلة التهابا شديدا في فخذي وجعلني أهرش كما لو كنت "أجرب". الإثنين 21 يناير 1946.. يظهر أن خطابي للنائب العام أحدث أثرًا، فقد أحضر مأمور السجن ملابسي، وكذا أحضر الصابون، وقد طلبت حماما ساخنا فأذن لي المأمور بذلك، واستمتعت باستلقاءة بديعة داخل البيجاما والبطاطين. 30 يناير 1946.. في الساعة الثانية من صباح اليوم مشهد مسرحي رائع، فقد استيقظت في الساعة الثانية صباحًا على صرير فتح القفل ودفع المزلاج بشدة للخلف، ثم دخل الضابط "الجزار" وطلب أن ألبس لأنني مطلوب للتحقيق، فقمت من تحت البطاطين ولبست بدلتي وجلست على السرير لأنتظر ما يقرب من ساعة في جو هو البرد تماما، ثم عاد "الجزار" وقادني إلى الطرقة الخارجية حيث وجدت ثلاثة شبان ينتفضون من شدة البرد مثلي، وكان أول أثر انطبع في ذهني عند رؤيتهم أنهم طلاب في الابتدائي أو على الأكثر في أوائل الثانوي، وأمرت أن أقف مع هؤلاء الأولاد لكن بعيدا قليلا بحيث وقف "الجزار" و"توفيق سعيد" بيني وبينهم، وظللنا صامتين فترة ولدت في نفسي - بالاشتراك مع سكون الليل وبرد الساعة الشديد - رهبة هي مزيج من الخوف والقلق، وأردت أن أحول فكري عن هذه الرهبة، فتوجهت بالحديث إلى "توفيق السعيد" أسأله عن أخيه وهو زميل لي بالجيش، ولكنه رد بخشونة طالبا السكون لأن "البك وكيل النيابة" في الطريق، فزادت هذه المعاملة من اضطرابي، وصمت فترة قد تكون قصيرة ولكن خيل إلى أنها أيام، ثم خرج إلينا وكيل النيابة ونحن في موقفنا هذا، ورأيته أول ما رأيته يزيح ستارة الغرفة رقم 2 الخضراء، ويقف قليلا حيث انعكس عليه ضوء الغرفة، ثم تقدم إلينا في خطوات ثقيلة، وبدأ بالثلاثة الصغار فتفرس وجوههم، ثم أتى إليّ فتفرس وجهي، وفي لهجة عميقة سألنا من منكم يعرف الآخر؟ فتعرف الشبان الثلاثة على الإثنين الباقيين، ولم يتعف على أحد، ثم كرر هذا الأمر ثانية، مشيرًا إليّ بشكل ذكرني "بأبي حجاج" "يوسف وهبي" وهو يمثل رجل الساعة في مسرح برنتانيا، ولكن لم يتعرف على أحد فأمر بإعادتي إلى غرفتي حيث لم أنم حتى الصباح. 31 يناير 1946.. آمنت بالله.. نار الحاكم العسكري ولا جنة النيابة، تكرر نفس المشهد التمثيلي في الساعات الأولى من صباح اليوم ولكن بثلاثة وجوه جديدة، بدأت أشعر بتعب وارتباك عصبي شديد، لذلك أرسلت للنائب العام تلغرافًا أستنجد به وأطلب مقابلته بحضور محامٍ. 4 فبراير 1946.. "ليلى الهندية تحت السجين رقم 19 "، هذه هي العبارة التي يرددها السجن كله، قالتها لي سنية الفراشة والسجانة والعسكري السجان، بل أكثر من هذا تقدمت ليلى إلى المأمور بطلب إعطاء السجين رقم 19 فسحة أطول لكي تتمتع بالتحدث إليه ومناجاته، وقد دفعني الفضول إلى رؤية هذا الحبوب، وبكل عناء تمكنت من أن أراه لمدة نصف دقيقة على الأكثر، فوجدته يستحق إعجاب ليلى فعلا، إذ كان شابا أشقر ذا أنف روماني وشعر أصفر وتقاطيع متناسقة في رجولة، وقد علمت فيما بعد أنه يدعى محمد إبراهيم كامل. 8 فبراير 1946.. حدث أن خرجت من غرفتي إلى دورة المياه، فوجدت عسكري مراسلة يدخل غرفة رقم 1 ومعه لفة كباب اخترقت رائحتها أحشائي، ولما سألت قيل لي إن المتهم الأول في هذه الغرفة هو وستة آخرون يأكلون ما يشاءون، فثرت ولم أدخل الغرفة إلا عندما حضر المأمور، وكان قد تعين مأمور مصري في هذه الفترة، فتكلمت معه بغلظة هي رد فعل الجوع، كان من نتيجتها أن سمح لي بعد جهد بأكلة من "الشيمي" على حسابي، ولا أزال أحس بحلاوة هذه الأكلة إلى الآن. استمر "السادات" في رواية يومياته ب"السجن".. حتى وصل ل"20 فبراير 1948.. الذي قال عنه: استخف بنا الفرح فنظمنا أمس الأول مرة مهرجانا نفسنا فيه عن نفوسنا كربا كان حبيسا مكتوما، وكم يطيب لي أن أروي في هذه الصفحات وصفا لهذا المهرجان "الهستيري"، لعلي أتمتع بقراءته في الخارج في يوم من الأيام، كان المهرجان سهرة في قصر هرون -هكذا كتبها السادات- واشتركنا جميعا في وضعه وتمثيله وإخراجه، والاستمتاع به في آن واحد..! وكان توزيع الأدوار كالتالي: أنور السادات: هرون الرشيد ( الخليفة) حسين توفيق: السياف عبدالله السيد خميس: القهرمانة وكبيرة القيان سعيد توفيق: كبير الحجاب مدحت فخري: شهرزاد الراقصة المغربية عمر أبوعلي: إسحق الموصلي أحمد وسيم، محمد كريم، محجوب: فتيات الكورس الجوهري: بائع اللب مراد: الخواجة ورئيس وفد الفرنجة وتبدأ السهرة بأن يشير الخليفة إلى القهرمانة لتدير العزف والغناء فيرتفع صوتها هي وفتيات الكورس في توشيح جميل: بالذي أسكر من خمر الليمان كل مسجون أسيف وحبا والذي أجرى دموعي عندما أخرج (....) والظلم سوا 20 مارس 1948.. يسيطر المرح على الجو رغم التأجيلات المتوالية.. عاودنا نشاطنا السابق، فالقراءة على أشدها، والكتب تنهمر علينا من الخارج، وعاد الطلبة من المتهمين يفكرون في مدارسهم بعد أن أهملوا ذلك سنتين أو أكثر، وكل يرسم لنفسه الطريق الذي سيسلكه عقب خروجه.. الروح المعنوية في أقصى درجات ارتفاعها.. إنه الأمل بعد طول الانتظار.. اللهم حقق لنا الآمال. 30 مارس 1948.. حدث اليوم أن كنا في طابور الصباح فقدم إلينا المدعو عبدالله زيدان مساعد "العشماوي"، وجعل يحدثنا عن عمليات الشنق التي باشرها في ال14 مديرية على حد قوله، ثم داعبنا بأن أخذ يعاين رقبة كل منا، ويصف لنا الحبل الذي يناسبه، والمدة التي يستغرقها النبض.. وكان حديثه مثار دعابتنا طول اليوم..! أبريل 1948.. لأول مرة منذ أكثر من سنتين سمحت النيابة للمرضى منا الذين لا يجدون علاجًا في السجن بالخروج تحت الحراسة للعلاج عند الأطباء الخصوصيين على نفقتهم الخاصة.. وأول من سمح له بذلك هو مدحت فخري.. وقد عاد اليوم يحدثنا حديثا عجيبا. لقد جلس على كرأسي من الجلد.. وتناول قهوة باللبن عند الدكتور ! وفي طريق العيادة رأى ثكنات قصر النيل بعد أن آلت إلى أصحابها، ورأى السماء غير مخططة بقضبان الشبابيك، وقال إنها واسعة والنظر إليها يبهج النفس..! ورأى النيل.. ورأى ورأى، مما أعاد إلى أذهاننا بعد أن كدنا ننسى معالم الحياة فيها..! يونيو 1948.. فجأة.. ودون أن يعلم أحد، هرب حسين توفيق!! لقد وصلنا الخبر أول ما وصل، على وجه السجانين والضباط، ثم انهالت علينا القيود والتشديدات، وعدنا إلى سالف العصر والأوان..! لقد كان حسين شرا في وجوده، وشرا في هروبه!! ففي وجوده كان خير من يثير عنيف المناقشات "وزعبرة" الجو بالتكهنات والخرافات.. ثم هرب فكان سببًا فيما نزل بنا من كبت وإرهاق اللهم سامحه والطف بنا. وعن حقيقة "كتاب السادات" قال الكاتب الصحفي الكبير محمد حسنين هيكل في "خريف الغضب": عندما أطلق سراح "السادات" من السجن وتبرئته، استطاع بشكل ما أن يعثر على عمل في مجلة أسبوعية مصورة هي مجلة "المصور"، ونشر فيها حلقات مسلسلة من مذكراته عن أيام السجن، طبعت فيما بعد على شكل كتاب، لكن الرئيس "السادات" مرة أخرى صادر ما كان باقيًا منها في السوق من نسخ بعد توليه الرئاسة، إن صفحات هذا الكتاب الذي صدر بعنوان "30 شهرًا في السجن" بقلم "أنور السادات" تلقى أضواء بالغة الأهمية على شخصية "أنور السادات". ويقول "هيكل" أيضًا على هامش حكاية "الكتاب المصادر" إن "السادات" أمر بعد وصوله للسلطة بسحب كل كتبه السابقة من الأسواق وهي "ثلاثين شهرًا في السجن" ثم "ثورة على النهر" أو "قصة الثورة كاملة" ثم "صفحات مجهولة" ثم "يا ولدي هذا عمك جمال". وعن فترة "سجن السادات" كتبت الكاتبة الصحفية "صافيناز كاظم" في صحيفة "الشرق الأوسط" تحت عنوان "أسلوب الجهاد الوطني عند السادات" قائلة: لقد سمعت أنا، بشحمة أذني، افتخار السادات بأنه شارك في اغتيال أمين عثمان، مساء الثلاثاء 6 /1/ 1946، مبررا ذلك بقوله:«وده كان بعد تصريحه بأن علاقة مصر بإنجلترا علاقة زواج كاثوليكي»، وكان ذلك في مطلع عام 1966 عندما جاء إلى نيويورك، وهو رئيس مجلس الأمة، واجتمع بعدد من الشخصيات المصرية والمسئولين العاملين بالهيئات الدبلوماسية المصرية والدولية وبلفيف من الطلبة المصريين الدارسين بالجامعات الأمريكية، وكنت من الحاضرين أجلس إلى جوار الصديق الكبير عبدالحميد عبدالغني، رحمه الله، وكان وقتها يشغل منصبا كبيرا بالأمم المتحدة، وشغل بعدها منصب رئيس تحرير «أخبار اليوم»، وحين باغتنا السادات بافتخاره المعيب انتفض الأستاذ عبدالحميد عبدالغني وقال لي هامسا «ده كلام؟ حد يفتخر بأنه قاتل؟». المصادر: أنور السادات.. "30 شهرا في السجن" محمد حسنين هيكل "خريف الغضب" صافيناز كاظم.. الشرق الأوسط مقال بعنوان "أسلوب الجهاد الوطني عند السادات "يوليو 2008"