الفساد فى مصر ، كان تعاوناً وثيقاً بين كبار الأثرياء وكبار رجال الدولة مع الشركات الدولية والمحلية مع اختراق واضح للسلطة التشريعية ( مجلس الشعب ) واستخدام منصات القضاء مما أدى إلى تغلغل الفساد فى قطاعات الدولة والمجتمع المختلفة . ونشأ بناء على ذلك مجموعات منتفعة من هذا النظام تحرص على وجوده وعلى استمراره ، ولذلك يفهم الجميع الآن لماذا كانت الانتخابات فى سائر المجالس المحلية والبرلمانية تعتبر من الخطوط الحمراء عند النظام السابق ؟ ولماذا تغوَّلت الدولة داخل السلطة القضائية وسلبت استقلالها إلا لتحويل النظام إلى غول أكبر يلتهم أى نوع من المعارضين ؟ ! وكانت اختيارات الجيش والشرطة والمخابرات والنيابة وغيرها تتم وفق شروط خاصة تناسب النظام وتضمن استمراره ، بل ولا تسمح باندساس عرق مختلف عما هو موجود حيث قطاع كبير من هؤلاء يحب الوطن لكنه لا يريد أن يفقد المميزات الخاصة التى يتلقاها من خلال عمله ، حيث كان هناك شعور سائد لدى طبقات كثيرة أن هؤلاء طبقة أعلى من غيرها فى المجتمع ، بل وتستحق هذا السمو والعلو، لا لأنهم يخدمون المجتمع فيكافئهم بوضعهم فى مكانتهم اللائقة ، بل لأنهم يستحقون هذا السمو لمجرد وجودهم فى هذه الأماكن وتقلدهم تلك المناصب ! وعندما نحلل ظاهرة الفساد فى مصر فلابد أن ندرك أن فساد الكبار كان ينحصر فى السلطة أولاً بين الأذرع الثلاثة الحكومة كسلطة تنفيذية ، والبرلمان كسلطة تشريعية ، والأجهزة الأمنية كوسيلة لحماية السلطتين السابقتين وكشريك أساسى فى إنجازات الفساد على الأرض ! ولقد شكلوا شبكات فيما بينهم تتناغم أحياناً ، وتتنازع أحياناً أخرى فى توزيع الغنائم ! وكان من أسباب ذلك ظهور النوع الآخر من الفساد ألا وهو فساد الصغار ! ، حيث فاحت وانتشرت بقوة روائح فساد الكبار على كل الأصعدة ، بل وعينى عينك ، مما جرَّأ الصغار على سلوك أبواب الفساد من انتشار الرشوة والمحسوبية وغيرها. ومع استخدام سياسات الإفقار المتعمدة واتساع الفجوة بين الدخول والأسعار باستمرار ، وفى نفس الوقت لا توجد القدوة التى تقف أمام هذا الفساد لا من رأس الدولة ولا من الجهات الدينية بها !! ولقد وصلت مجالات الفساد فى مصر إلى صورة غير مسبوقة فعلى سبيل المثال كانت هناك علاوات خاصة تُمنح لقيادات الجيش والأمن من رئاسة الجمهورية بصورة سرية ومخالفة لقواعد المنح وكانت تُسمى " بمنحة الولاء " !! ومنها : نظام التصدير والاستيراد الذى كان جزءاً كبيراً منه مغلقاً على فئة محدودة تعمل فى السلطتين التشريعية والتنفيذية وكذلك فى الأجهزة الأمنية ، وبقية الأجزاء الصغيرة يعمل بها القطاع الأوسع والأكبر من المشتغلين بهذا النوع من العمل ! ومنها : قطاع المقاولات والبنية الأساسية والطرق والكبارى ، أمَّا تخصيص الأراضى والشقق فحدث ولا حرج ومنها : إفساد القطاع التعليمى وجعله غير فعال وذلك لصالح نظام تعليمى خاص ( المدارس الخاصة سواء كانت أجنبية أو مصرية ) وانتشار الدروس الخصوصية بل ووضع البيئة التى تناسبها !! ومنها : خصخصة وبيع الشركات العامة والطرق الملتوية لتقييم الأصول والممتلكات والأراضى المملوكة لهذه الشركات ! وذلك عن طريق وزراء مثل عاطف عبيد ومختار خطاب ومحمود محيى الدين الشاب المعجزة الذى صعَّده جمال مبارك ! وتمت الخصخصة فى جو منعدم الشفافية ويتسم بكل مظاهر الغموض والشك والريبة ! ومنها : إفساد النظام الصحى الحكومى والتى يتردد عليها طبقاً لإحصائيات عام 2006، 47 مليون مريض، حيث لا تتم الخدمات فى غالب الأماكن إلا من خلال الوساطة والمحسوبية ودفع الإكراميات ! هل تعلمون أن عدد المصابين بالأمراض الخطيرة مثل السرطان والفشل الكُلوى والفشل الكبدى والقلب وغيره حوالى 16.5 مليون مصرى !! بالإضافة إلى ثلاثة ملايين مرضى بالسكر ! يتعرضون لأسوأ معاملة، وأغلبهم لا يجدون تأميناً صحياً، ولا يستطيعون تحمُّل نفقات علاجهم . ومنها : إفساد الصحافة ومؤسساتها وصحفييها، عبر وسائل ارتزاق خاصة تضمن للمسئولين ورجال الأعمال عدم التعرض لمخالفتهم التى تسد عين الشمس وذلك عن طريق تقديم الهدايا المستمرة والمميزات المختلفة سواء لرؤساء التحرير أو للمحررين حتى يتم التعامى عن فسادهم ! وأمّا فى المؤسسات الصحفية القومية المملوكة للدولة فحدث ولا حرج ، فالتعيينات والإعفاءات والمميزات تجرى منهم مجرى الدم ! هناك ملفات ضخمة ما زالت تحتاج إلى إلقاء الضوء عنها تختص بعمولات التسلح وقطاع الاتصالات وتجارة المخدرات والتى طالت الأجهزة الأمنية والسياسية ! ، وقطاع البورصة وتجارة الدعارة والمعونة الأمريكية والبنوك وشركات توظيف الأموال ..... إلخ ملفات مملوءة بفساد لم يسبق له مثيل ولذلك عندما نتساءل عن السبب فى هذه المقاومة العنيفة من النظام السابق واستخدام كل الوسائل المدمرة من إحراق وقتل وتخريب وتدمير ، ليفهم أن الشبكة العنكبوتية للفساد قد وصلت من الرأس إلى القدمين فى النظام السابق . وفى نفس الوقت تقاطعت المصالح مع الليراليين والعلمانيين والكنيسة وغيرهم فى إسقاط الرئيس المنتمى للتيار الإسلامى، يعنى اتحاد حقيقى بين الفساد وبين الذين يدَّعون زوراً وبهتاناً أنهم من أكثر الفئات اقتناعاً بالديمقراطية وتبادل السلطة والتظاهر السلمى وتقبُّل نتائج صناديق الاقتراع !! وللحديث بقية إن شاء الله .