«اقتصاديات الفساد فى مصر» هو جديد الباحث والخبير الاقتصادى د. عبدالخالق فاروق، ومخطئ فى الظن من يحسب أن الكتاب جاء فى أعقاب ثورة 25 يناير بما تضمنه من بحث استقصائى ومنهجى وتحليلى لآليات الفساد، ولكن ما تضمنه الكتاب من دراسات هوحصيلة مجموعة من الأبحاث التى عكف عليها فاروق لسنوات، وكان من الممكن جداً أن يظهر قبل الثورة ولكن فاروق باحث متأن ومدقق اختار بعضاً مما فى حوزته من قضايا ينشرها من قبل، وزاد عليها ليخرج هذا الكتاب المهم الذى يكشف بدقة وعلى نحو علمى ووثائقى منظومة فساد النظام الغابر الذى خرب مصر وفرغها من خيراتها ونهب مقدرات شعبها. ونحن إزاء هذا الكتاب الوثيقة المهم - يتكشف لنا عالم سفلى وضخم تشكل بصورة أكثر عمقا وشمولا منذ بداية الانفتاح فى 1974، وقد أخذ طابعه المؤسسى منذ تولى الرئيس المخلوع حسنى مبارك فى 1981 حينما تحلقت حول مائدته الأسرية جماعات رجال المال والأعمال لتولد بذلك أسوأ شبكة سرية للفساد والإفساد واختلط المال الحرام بالسلطة وتدخل فى قراراتها، ولم يقف الأمر عند هذا الحد بل إنه عبر سياسات وقرارات جمهورية استهدفت هذه الجماعة إفساد الأفراد والجماعات والمؤسسات وتدريجيا ومع تعاظم هذا الفساد تم إفساد المجتمع بأسره، فكيف جرى ذلك؟ هو السؤال المحورى الذى يجيب عنه تفصيليا وتحليليا هذا الكتاب المهم الذى قدم له د.نادر فرجانى ود. محمد رؤوف حامد، يقع الكتاب فى ستة فصول كان الأول «الفساد.. كيف تحول من انحرافات فردية إلى بنية اجتماعية؟» وعرض فيه فاروق للحجم التقديرى لاقتصاد الفساد فى مصر وأكد أن الحالة المصرية فى الفساد ضربت الأرقام القياسية فى مجالاتها فاتسع نطاق ومجالات الفساد التى انغمس فيها كبار المسؤولين فى النظام السابق وأبناؤهم والتى بلغت نحو ستة عشر مجالا ومنها قطاع المقاولات وتخصيص الأراضى وشقق المدن الجديدة وعمولات التسلح وقطاع الاتصالات والخصخصة والبنوك وشركات توظيف الأموال والمخدرات وتجارة العملة والدعارة ونظم الاستيراد وأساليب توزيع المعونات الأجنبية والصحافة ومؤسساتها وعلاوات الولاء والنظام التعليمى والبورصة وأسواق المال وإفساد أعضاء البرلمان وفى قطاع المقاولات والتشييد ومجالاته وقطاعاته مثل المشتريات الحكومية وتقسيم وبيع الأراضى والعقارات ونظم الجباية الضريبية والجمركية والتعيينات الحكومية وإدارات الحكم المحلى وتخصيص أراضى الدولة وعلى سبيل المثال وبين عامى 1982 و2004 تراوحت العمولات بين 20 و40 مليار جنيه، كما عرض لقضية أجريوم كجريمة فساد ونهب مكتملة الأركان. فيما عرض الفصل الثانى لآليات تبديد وإهدار الموارد ومنها تهريب الأموال وعمليات الخصخصة والتصرف فى أراضى الدولة كما عرض لإهدار فرص التنمية الحقيقية وتبديد وإهدار الموارد والاحتكار المحتمى بالسلطة. وعرض الفصل الثالث للكتاب للفساد فى قطاع الاتصالات بدءا من خصخصة المصرية للاتصالات وما كان يحدث داخلها من وساطة ومحسوبية وما تعرضت له من نهب منظم فضلا عن التواطؤ مع شركات المحمول. فى حين تناول الفصل الرابع الفساد فى قطاع الصحافة والإعلام بادئا بالسؤال الصحافة مهنة المتاعب أم مهنة المغانم؟! وتحدث عن وسائل الإغواء التى يتعرض لها الصحفيون وسقوط بعضهم ليطرأ على مهنة الكشف عن الانحراف فيلق من الفاسدين والمنتفعين. ورغم هذا العالم السفلى وكواليسه وما يجرى فيه من سيناريوهات الفساد والإفساد مما رصده فاروق إلا أنه لم يكتف برصد وتحليل هذا الموقف السوداوى، وإنما خصص الفصل السادس من كتابه ليطرح فيه رؤيته الخاصة حول ضرورة تشكيل لجنة وطنية عليا لمقاومة الفساد والنهب فى مصر تعمل بمنطق غير حزبى وتكون «أداة كفاح محايدة بالمعنى السياسى».