تزايدت الخلافات مؤخرًا بين أكبر فصيلين من فصائل التيار الإسلامى؛ جماعة الإخوان المسلمين وذراعها السياسى حزب الحرية والعدالة، والدعوة السلفية وذراعها السياسى حزب النور، وذلك على غير المتوقع منذ اندلاع ثورة 25 يناير. فقد اختار حزب النور مؤخرًا العزف منفردًا وبعيدًا عن حزب الحرية والعدالة، بانتقاده لسياسات الإخوان المسلمين فى الفترة الأخيرة، وهو الأمر الذى رفضته جماعة الإخوان المسلمين معتبرة أن موقف حزب النور والدعوة السلفية خروج عن التحالف الذى تسيطر عليه بقوة، حسب آراء السياسيين. فبالرغم من وجود خلافات فى الفكر والرؤى والسياسة بين كل من الإخوان والسلفيين قبل ثورة 25 يناير، إلا أن الإخوان استطاعوا جذب التيار السلفى إلى صفوفهم فى محاولة للسيطرة على الشارع فى مواجهة فلول النظام السابق والتيار المدنى، وذلك عن طريق فذاعة العلمانيين، والدعوة لإعلاء راية الدولة الإسلامية. وجرت الاتفاقات بين الطرفين على اقتسام مقاعد البرلمان والوزارات، وبالتالى حكم البلاد بطريقة تخدم جهود قيام الدولة الإسلامية التى يحارب التيار السلفى لإقامتها. وبالفعل نجح الإخوان فى السيطرة على التيار السلفى فى حشد الشارع المصرى للموافقة على التعديلات الدستورية فى 19 مارس 2011 والذى بناءً عليه تم إجراء الانتخابات التشريعية التى جاءت بأغلبية للإخوان المسلمين فى مجلس الشعب السابق ومجلس الشورى الحالى. إلا أن التيار السلفى شعر خلال هذه الفترة بأن تيار الإخوان المسلمين خدعه بانتخابات نال هو أغلبيتها، وردًا على ذلك أعلن التيار السلفى مساندة مرشح رئاسى غير تابع للجماعة، هو الشيخ حازم صلاح أبواسماعيل، الذى فشل فى خوض الانتخابات. وقام عدد من قيادات الدعوة السلفية، على رأسهم الدكتور ياسر برهامى، ورئيس "النور" السابق، عماد عبدالغفور، بلقاء الفريق أحمد شفيق، المرشح الرئاسى السابق والمنافس الوحيد لمحمد مرسى مرشح الجماعة آنذاك، فى محاولة لمفاوضته على امتيازات للتيارات السلفى مقابل مساندته فى الانتخابات، حسب ما أثير فى ذلك الوقت. وكان هذا الأمر بمثابة مؤشر خطر أدركته قيادات الإخوان المسلمين، فهرولت الجماعة إلى التوافق مع التيار السلفى مجددًا مقابل الوعود المستقبلية، ونجحوا للمرة الثانية، وتمكنوا من جذب التيار السلفى لمساندة محمد مرسى. إلا أنه بعد سيطرة الجماعة على حكم البلاد بوصول محمد مرسى لكرسى الحكم، لم تف الجماعة بوعودها الماضية، ولم يحصل حزب النور على أى مقاعد وزارية كان متفق عليها فى حكومة هشام قنديل، فأعلنت بعض قيادات حزب النور أن الإخوان المسلمين هم وراء الانشقاق الذى حدث داخل الحزب بعد إنشاء حزب الوطن، الذى أسسه الرئيس السابق للنور، عماد عبد الغفور. ومع اقتراب مرحلة الانتخابات البرلمانية المقبلة، والتى من المقرر أن تشكل أغلبيته داخل المجلس الحكومة القادمة، شعر التيار السلفى بخطورة موقفه فى حال استمرار تأييده لسيطرة الإخوان المسلمين، فى الوقت الذى ازداد غضب الشارع السياسى ضد سياسات الجماعة ومحاولتها لأخونة الدولة، بجانب عودة العلاقات بإيران الشيعية التى يعاديها فى المعتقد التيار السلفى، وبالإضافة لاندلاع حالة من الغضب والعنف خلال تظاهرات إحياء ذكرى 25 يناير والتى تعالت فيها شعارات ضد الإخوان والجماعة، ومطالبات بسقوط ورحيل النظام، زاد من حدتها سوء تعامل النظام الحاكم مع الوضع المتوتر، وسقوط قتلى بيد أفراد الداخلية التى شجعها الرئيس بتأييد ودعوة بتنفيذ القانون بقوة وحزم، وتصريحات رئيس وزرائه بتسليح الأمن المركزى. وهنا قرر حزب النور السلفى الظهور فى المشهد السياسى مستقلًا عن الإخوان المسلمين عن طريق إعلانه لمبادرة وقف العنف بين جميع القوى السياسية، والتى لاقت ترحيبًا كبيرًا بين كافة الفصائل السياسية. وجاءت المبادرة مؤكدةً على نقاط جوهرية متمثلة فى إقالة النائب العام الحالى طلعت عبدالله، وتعيين بديل عبر ترشيح مجلس القضاء الأعلى لثلاثة يتم الاختيار من بين أحدهم، إضافة إلى تشكيل لجنة لدراسة المواد الخلافية فى الدستور وتعديلها، وإقالة حكومة هشام قنديل وتعيين حكومة ائتلاف وطنى حتى إجراء الانتخابات من دون أن يكون لها صلاحية فى القرارات الاستراتيجية، وكذلك تشكيل لجان للحوار فى قضايا متعددة كالإعلام وغيره، وفتح ملف للمصالحة الوطنية مع أعضاء الحزب الوطنى باعتبار أنهم لم يكونوا جميعًا فاسدين. كما شن المتحدث الرسمى لحزب النور، نادر بكار،هجومًا حادًا على جماعة الإخوان وإدارة الرئيس محمد مرسى للبلاد وحكومة هشام قنديل، موجهًا الاتهام لهم بالسعى لأخونة الدولة والتحكم فى مفاصلها، ومطالبًا بتقنين أوضاع الجماعة القانونية. وهنا حلل الباحث فى مركز دراسات الدين والسياسة، عمر غازى، المتخصص فى الحركات الإسلامية، المشهد قائلًا: "إن موقف حزب النور الأخير حيال أخونة البلاد، ليس بالأمر المفاجئ الذى يمكن تفسيره بانقلاب مفاجئ من الدعوة السلفية وذراعها السياسية النور على الإخوان"، مشيرًا إلى أن حزب النور قدّم نفسه منذ البداية على أنه ندّ للإخوان بدءًا من الانتخابات البرلمانية السابقة، فغامر بنزوله منفردًا على رأس قائمة ضمّت إليه الأحزاب السلفية، وابتعد عن التحالف مع الإخوان، الجماعة الأقوى والأكثر خبرة وتنظيمًا. أما الباحث فى الحركات الإسلامية، أحمد زغلول، فقد رأى أن حزب النور يسعى لتقديم رؤية مختلفة عن الإخوان تساعده فى اكتساب مساحة تصويتية أكبر فى الانتخابات المقبلة، ويقوم بذلك عبر السعى لإعطاء رؤية مستقلة، نظرًا إلى اتّهامه الدائم من قبل القوى السياسية الأخرى بأنه تابع للإخوان، وأنه يتحرك وفق الأجندة الإخوانية. ومؤخرًا تصاعدت حدة الخلافات بين رفقاء العداء للتيار المدنى، فتناولت صفحات التواصل الاجتماعى تصريحات للقيادى الإخوانى، محمد البلتاجى، يهدد خلالها قيادات حزب النور، وخاصة متحدثهم الرسمى، نادر بكار، بزجهم إلى السجون مرة أخرى، فيما تداول نشطاء "فيس بوك" و"تويتر" ما جاء عن رد "بكار" على "البلتاجى"، قائلًا: "لن ندخل السجون وحدنا لو عدنا إليها"، فيما نفى "بكار" ما قيل على لسانه فى هذا المر على حسابه ب"تويتر" دون التعليق على ما جاء من تصريحات على لسان "البلتاجى". فهل نحن مقبلون على انقسام وانفصال بين قطبى التيار الإسلامى، أم أن للإخوان سبل جديدة لدرء صدع تنبئ به الأحداث الحالية؟.