يعتبر أشهر الصعاليك على الإطلاق، بل هو أميرهم إن صح التعبير، إنه عروة بن الورد بن زيد العبسي من غطفان، من شعراء الجاهلية وفارس من فرسانها، وعندما تصعلك أصبح من صعاليكها المعدودين المقدمين الأجواد. إنه «روبن هود» العصر الجاهلي، الشخص الذي يسرق ليطعم الفقراء ويحسن إليهم، جمع كل الصعاليك وقام على أمرهم لذا أطلقوا عليه "عروة الصعاليك". إذا أخفقوا في غزواتهم ولم يكن لهم معاش ولا غزوة، لجأوا إليه، وإذا أصابت الناس سنين قحط تركوا في داره المريض والكبير والضعيف، كان أشرف حرامي وأكرم لص على الإطلاق، فلم يطمع في غنيمة غنموها، بل كان يقسم الغنائم بالعدل بينهم جميعًا. قيل عن عروة بن الورد إن قبيلة «عبس» كانت إذا أجدبت وحل عليها الفقر أتى أناس منهم ممن أصابهم جوع شديد، فجلسوا أمام بيت «عروة» حتى إذا أبصروه قالوا "يا أبا الصعاليك أغثنا"، فكان يرق لهم ويخرج معهم ليحصل على ما يُشبع جوعهم ويكفيهم فمبدأه "اللي ملوش خير في الصعاليك ملوش خير في حد".. فهو لا يغزو للنهب والسلب وإنما يغزو ليُعين الفقراء والمستضعفين حتى أُطلق عليه «أبو الفقراء» و«أبو المساكين». ولم يُغِر على كريم يبذل ماله للناس، بل كان يختار لغاراته من عُرفوا بالبخل، ومن لا يمدون للمحتاج في قبائلهم يد العون، فلا يراعون ضعفًا ولا قرابة ولا حقًا من حقوق قومهم.. وبلغ عروة من ذلك أنه كان لا يُؤْثِر نفسه بشيء على من يرعاهم من صعاليكه، فلهم مثل حظه سواءً شاركوه في الغارات التي يشنها أو قعد بهم المرض أو الضعف، وهو بذلك يضرب مثلًا رفيعًا في الرحمة والإيثار، وقد فاق إعجاب الناس بكرمه لدرجة أن عبد الملك بن مروان كان يقول: "من زعم أن حاتما أسمح الناس فقد ظلم عروة بن الورد". إلا أن صعلوكنا هذا لم يكن له حظ مع المرأة فدائمًا ما تتركه يتجرع أحزانه وحيدًا ومن ذلك قصته مع سلمى وهي من بني كنانة وكان عروة قد سباها من قومها وتزوجها لكنها نفذت خطة جهنمية للهروب منه فقالت له بنعومة ودلال لو حججت بي فأمر على أهلي وأراهم! فحج بها، فأتى مكة ثم أتى المدينة، وعندما رأت أهلها قالت لهم سلمى: تعالوا إليه وأخبروه أنكم تستحيون أن تكون امرأة منكم معروفة النسب تصبح أسيرة، وافتدوني منه، فأتوه فسقوه الخمر، فلما ثمل وثقلت رأسه قالوا له: نريد أن نفدي ابنتنا فإنها وسيطة النسب فينا معروفة، والقوم يعايروننا بها منذ أن خطفتها وتزوجتها من ورانا، فإذا صارت إلينا وأردت معاودتها فاخطبها منا ونزوجك إياها؛ فقال لهم ورأسه تدور من الخمر: اخطبها إزاي يعني وهي مراتي أنتوا سكرتوا ولا إيه ولا هي الخمرة دي مغشوشة ؟! فقالوا له: ياعروة إحنا بنتكلم في الأصول برضه تعالى اخطبها وإحنا مش هنمانع ومش هنلاقي أجدع منك، فقال لهم خلاص مفيش مانع، ولكن لي شرط وهو أن تخيروها، فإن اختارتني انطلقت معي وإن اختارتكم انطلقتم بها؛ فخيروها فاختارت أهلها، ثم أقبلت عليه فقالت: ياعروة إني أقول فيك الحق وإن فارقتك: والله ما أعلم امرأة من العرب ألقت سترها على بعل خيرٍ منك وأغض طرفًا وأقل فحشًا وأجود يدًا، فلما فاق من الخمر الذي شربه ندم ندمًا شديدًا وقال: "سقوني الخمر ثم كنفوني".. يقصد أنهم بعد ما شربوه الخمر مضوه على شيكات. نفس الأمر تكرر مع ليلى بنت شعواء وهي امرأة من بني هلال بن عامر بن صعصعة سباها عروة أيضا، فمكثت عنده زمانًا وهي معجبة له تريه أنها تحبه، ثم سألت وعرفت إزاي ضرتها سلمى هربت، فقررت إنها تنفذ نفس الخطة فقالت له بنفس النعومة والدلال خليني أزور أهلي ولأنه لم يتعلم من المرة الأولى، فحملها إليهم حتى أتاهم بها، فلما أراد الرجوع أبت أن ترجع معه، وتوعده قومها بالقتل فانصرف عنهم، وأقبل عليها فقال لها: يا ليلى، خبري صواحبك عني كيف أنا؛ فقالت: ما أرى لك عقلًا! أتراني قد اخترت عليك وتقول: خبري عني! فقال في ذلك: تحن إلى ليلى بجو بلادها... وأنت عليها بالملا كنت أقدر !