عانوا من ظلم الاحتلال قديمًا، وهجروا منازلهم فى غضون أحداث العدوان الثلاثى على مصر 1956، واستمر الحال أثناء هزيمة 1967، وعادت معاناة أهالى مدن القناة وفكرة التهجير من مساكنهم وأراضيهم وكل ما يمتلكونه بعد الأحداث التى تشهدها الآن فى عهد الإخوان. فمع العدوان الثلاثى على مصر كانت مصر الكبيرة مسرحًا لتغيرات اجتماعية واسعة المدى، وكانت مجالًا لاحتكاكات إنسانية مهمة، وكانت أيضًا مجالا لتبادل خبرات اجتماعية غير مسبوقة، وكانت ظاهرة الهجرة الداخلية جزءًا رئيسيًا من التحولات. فقد تم تهجير كل سكان مدن القناة إلى عمق مصر، وكان قرار التهجير أحد تبعات العدوان العسكرى من جانب، وأحد عناصر إعداد جبهة القتال على طول قناة السويس من جانب آخر. انتقل أهالى مدن القناة إلى الدلتا والصعيد والقاهرة, حيث نزح ما يزيد على مليون نسمة من سكان مدن القناة الثلاث، وما حولها من قرى ومراكز، وانتقلوا إلى مدن أخرى حاملين معهم أسلوبهم فى الحياة، الأكثر انفتاحا، إلى قرى ونجوع ومدن كانت أكثر محافظة، ومن هنا كان لابد للطرفين، أن يتكيفوا مع بعضهم البعض قليلًا، وأن يتدافعوا فيما بينهم كثيرًا. وعاش بعض هؤلاء المهجرين فى المدارس وفى الأماكن العامة التى وفرتها الدولة لهم، بدى لهم أن نمط الحياة الخاص الذى اعتادوا عليه قبل النكسة ليس سوى ذكرى. وتعد مدن القناة من أكثر المدن المصرية التى تضررت من العدوان الثلاثى وما بعدها فى الحروب مع إسرائيل من 67 حتى عام 1973م، الذى شهد قرارًا ثانى بالتهجير لأهالى مدن القناة، وكان قرارًا مأساويًا فى تطبيقه فقد نزحت الأسر والعائلات فى سيارات النقل والقطارات، تاركين وراءهم ديارهم وبيوتهم ولا يدرون متى سيرجعون إليها ثانيًا، يذهبون إلى المجهول كل حسب حاله. من كان لديه أقارب فى بلد أخرى ذهب إليهم ليبحث عن المأوى لديهم , ومن لم يكن لديه أقارب يسكن فى المدارس التى تحولت إلى ملجأ لهؤلاء الذين تركوا ديارهم من أجل الحرب، وتشردوا فى البلدان المجاورة لهم يبحثون عن مأوى يأوون إليه، كما أصبح الشباب بلا عمل أيضا. أما المهجرون الذين توافرت لهم بعض الموارد ساعدتهم على تأجير سكن خاص فى منزل فى قرية أو فى مدينة فلم يعدموا أيضا خبرات المعاناة وضرورة التضحية والتكيف مع بيئة جديدة بكل ما فيها من ملابسات غريبة عليهم وذات قيمة عالية أحيانا أخري. كما جرت فى بعض البيوت التى وفرتها الدولة للمهجرين قصص وحكايات تكشف عن طبيعة أهل مصر التضامنية فى ذلك الزمان. وتعود مرة أخرى ذكرى التهجير إلى أذهان أهالى مدن القناة حاليًا لما تشهده مدن القناة من أحداث مأساوية، تجعل وجوه سكان مدن القناة تحمل أعباء الخوف من المستقبل أطفال وشباب ونساء وكبار السن، فكثير منهم يرى أن أحداث اليوم تشابها ذكريات التهجير التى حدثت خوفا من زيادة أعداد القتلى المدنيين فى غارات إسرائيلية. يتحدثون عن العزلة رغم أنهم يؤكدون على الإنتماء لهذا الوطن, ولكن قرار فرض حظر التجول وخوف السكان من الخروج من منازلهم نهارا خوفا من الرصاص والقنابل المسيلة للدموع, جعلتهم يتذكرون غارات طائرات الفانتوم الإسرائيلية على المدن.