خلق الله آدم وخلق له الجنة ليتمتع بنعيمها، وخلق له الدنيا بجبالها ووديانها وأنهارها وحيواناتها ونباتاتها وسخرها له، ووهبه العقل والذكاء والحكمة والمثابرة، ليطوع هذه الأشياء لنفسه ويتعايش معها. ولكن رغم كل هذا شعر آدم بالوحدة، فخلق الله له حواء لتكون أنيسًا له في الحياة، ولكن خلقها من آدم من ضلعه الأيسر، ولكي لا يتألم آدم، فقد خلقها الله منه وهو نائم، فاستيقظ آدم ووجد بجانبه حواء ففرح فرحًا شديدًا، واستأنس بها (ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجًا لتسكنوا إليها، وجعل بينكم مودة ورحمة). لكن ترى هل علم آدم أن حواء خلقت منه وهو نائم؟ لا أعلم!!.. ولكن حواء كانت تعلم أنها جزء من هذا الكيان وأن حياتها مرتبطة به ارتباط كلي واعتبرت آدم هو من يمدها بشرايين الغذاء لتحيا وبدونه تموت، فالتصقت به بطريقة لا إرادية فهي لا تعرف غيره ولا تنتمي لهذا العالم إلا من خلاله. ولذلك عندما نزلا الأرض أمره الله أن يسعى ويشقى ليطعمها وجعله قوام عليها أي قائم بأعمالها، لأنها أرق وأنعم من أن تتحمل هذه المسئولية، ولكن آدم اعتبر حواء جزءا من هذه الحياة ومن الأشياء التي خلقها الله له فحاول أن يطوعها لإرادته ولسعادته ولم يتعامل معها على أنها مضغة حية من جسدة. وهنا بدأت المعاناة بين آدم وحواء، فهي تطارده وتحاصره لأن وجودها مرتبط بوجوده ولا راحة لها بدونه، وهو يكره السيطرة والتسلط والقيود فهو آدم الحر القوي ويريد أن يتفرغ لمسئوليات الحياة التي تحملها أمام الله، فبدأ يطوعها لإرادته وحاول أن يقنعها أنها يمكن أن تكون مثله في كل شيء وتتحمل تبعات الحياة وتحارب معه حتى تستقل بذاتها، وفي داخله كان يكمن السر. فهو يريد أن يشغلها عنه حتى لا تكون عبئا عليه، وكان هذا ضغطًا عليها وضد طبيعتها، ولكنها نفذت إرادته ونجحت أن تكون مثله ولكن خلال هذا فقدت نعومتها وطيبتها واكتسبت روح حزينة منهكة لأنها تسبح عكس إرادتها، ورغم كل هذا ظلت مرتبطة بآدم ارتباط حياة أو موت. وكان الله ينفذ مشيئته وقدره في الحياة، وبدأ الامتحان فها هو آدم يرتبط بحواء ويمدها بشرايين الحياة ولكنه يجد روحه ضالة تائهة وتجد حواء قلبها حزينا غير مستقر وتكتشف حواء السبب، فهذا ليس آدم الذي خلقت منه إنه آدم آخر لذلك لا تتوافق أرواحهم، وتحاول أن تجد سبيلًا فإما أن تبحث عن آدم الذي خلقت منه لتهنأ وتهدأ أو تستسلم لهذا الآدم الذي تعتمد عليه في غذائها. ولم تمتلك حواء ملكة المجازفة فهي دائمًا تبحث عن الاستقرار والأمان، وتخشى القادم والمجهول، لذلك قررت الاستسلام للتعاسة والأمان خوفا من السعادة مع المجهول، وخاصةً لو وهبها الله قلوب صغيرة من هذا الآدم تتغذى منه معها، فإذا هي وجدت آدم نصفها الآخر فهل سيتحمل معها قلوبها الصغيرة؟ بالتأكيد لا، ولكن ترى هل استسلم آدم؟ لا، فآدم دائم البحث عن السعادة وطموحه لا ينتهي، لذلك بدأ يبحث عن حواء التي تتطابق مع روحه وعندما وجدها انقسم قراره. فها هو آدم يقرر أن يقسم شرايينه بين حواء جسده وحواء روحه، وضاعفت المعاناة على كلتا حواء فبدءا يأخذا نصف غذاء ونصف عطاء وبدأ جسدهما يهزل وقلبهما يضعف فبدءا يتقاتلان معًا، حتى تحولت حياتهما إلى الجحيم.. وها هو آدم آخر وقد تغلف قلبه بالقسوة فيقرر أن يبتر حواء التي لا تناسبه ليرتبط بمن خلقت منه ولا يعبأ بمصيرها أو مصير قلوبها الصغيرة فهو لا ينشد إلا السعادة. وامتلأت الحياة بأجساد حواء بلا أرواح، وشدة الظلم على حواء غير طبيعتها من رحيمة إلى قاسية فقررت أن تدافع عن حياتها بكل قوة، وكانت عندما تشعر بالخطر يفرز جسدها أجسام مضادة ضد آدم لتدخل في شرايينه وتقتله وبدأ يهتز آدم ولكنه أبدًا لم يستسلم، فقرر أن يتحايل على حواء ليصل لهدفه في السعادة وبدأ يبحث عن حواء روحه وعندما يجدها لا يصلها بشرايينه حتى لا تعلم حواء، بل كان يختلس من حواء الوقت والعطاء ليهبهم لحواء روحه في سرية تامة، ولم يسأل نفسه هل تستطيع أن تسعد حواء روحه دون يصلها بجسده وتكون جزءا من حياته؟ فالسر الذي لا يعلمه آدم إن حواء لا تهدأ سريرتها إلا بعد أن يعود آدم ويغفو في فراشها فحينها تحتفل حواء بميلادها وتنام في هدوء على أمل أن يستيقظ آدم من غفوته فيجدها بجانبه فيسعد بها كبداية خلقها، ويظل آدم يظلم حواء ويظلم نفسه حتى ينتبه أن حواء ليست ندًا له بل جزء من جسده يجب أن يضمها إلى صدره ويحميها بضلوعه حتى تسكن إليها يا آدم..... فحواء قلبك يا آدم.