التاريخ لا يُغلق دفاتره أبدًا. هناك دائمًا قضايا مؤجّلة، ومحاكمات لم تنتهِ بعد، وأحكام تحتاج إلى مراجعة. فبعض الشخصيات التي خُتمت سيرتها في الكتب ما زالت تصرخ من وراء حجب الزمن: أعيدوا محاكمتي! ولعل أبرز هؤلاء، الرجل الذي ظل لآلاف السنين ملتصقًا بصورة فرعون في وجدان البشرية: هامان، وزير الطغيان وصانع الأوهام. عُرف بأنه ظلّ فرعون، وصاحب جريمة الطاعة العمياء، حتى صار اسمه مرادفًا للانقياد والخيانة. لكن في عالم الخيال، وفي دهاليز الجحيم، بدا أن صمته قد انتهى، وأن لديه ما يقوله.
رفع هامان رأسه من بين ألسنة اللهب وقال بصوت يتردّد صداه: نعم، سايرت فرعون حين ادّعى الألوهية. نعم، شاركت الكهنة في تضليل العقول، رغم يقيني أنه لا يخلق بعوضة. لكن جريمتي مهما عظمت، فقد كانت جريمة عصرها. لقد غذيت جنون العظمة لرجل واحد، ولم أقتل أمة بأكملها.
ثم أردف ساخرًا: مصر يومها لم تكن ضعيفة ولا هزيلة. كانت في أوج قوتها، أمة عظيمة تعج بالحكماء والأطباء والمهندسين والفلكيين. دولة زراعية غنية، لها جيش صلب وعمران شامخ. كان فرعون يزداد جنونًا كلما ازدهرت العلوم، لكنه ظل حاكمًا لدولة قوية، قادرة على أن تُدهش الدنيا. فحتى طاعتي لطاغية، جرت في حضن حضارة زاهرة.
هنا قاطعه أحد حرّاس الجحيم ساخرًا: أتظن أن هذا يخفف من جرائمك؟ فانفجر هامان صائحًا: لا، لكنه يضعها في سياقها! أما من جاء بعدي، فجرائمهم أكبر. لم يكتفوا بطاعة طاغية واحد، بل صنعوا طغيانًا يلتهم أمة بأكملها. دمروا التعليم عمدًا، جعلوه وسيلة لإذلال العقول لا لصقلها. المتفوقون اليوم يُقصَون عمدًا، يُحرَمون من دخول كليات الطب والهندسة والعلوم، لا لعجز في عقولهم، بل لأن المقاعد تُباع لمن يدفع. التعليم الذي كان يومًا طريق الفقير إلى القمة صار جدارًا يسدّ الطريق أمامه، حتى يبقى المستقبل حكرًا على أهل النفوذ والمال.
ثم أضاف، وقد احمرّت عيناه من الغضب: لم يكتفوا بذلك، بل حطّموا مكانة الأطباء والعلماء. كانوا في بلادي الأولى رموزًا للرحمة والحكمة، فإذا بهم اليوم يُهانون ويُهمّشون. صار المرض يُستثمر والمريض الفقير يتمني الموت، والجهل يُعمّم، والعلم يُحاصر، ليبقى المجتمع هشًّا ضعيفًا، لا يملك سوى الصمت والانكسار. ثم أكمل بمرارة أكبر: وليتهم توقفوا عند حدّ العقل والجسد، بل اعتدوا على الروح نفسها. محوا هوية المصريين، شوّهوا شخصيتهم، أهانوا تراثهم، وتركوا آثار أجدادهم نهبًا للإهمال أو الطمس. المصري الذي كان يومًا سيّد الأرض أصبح غريبًا في وطنه. يُعامل كمواطن من الدرجة الثالثة، بينما الغريب يُستقبل بالاحترام والتبجيل، وكأنه المالك الحقيقي للأرض. مصر تحولت إلى بلد للوافدين.. المصري يركض في طوابير الذل، والأجنبي يُفرش له البساط الأحمر.
وتابع هامان دفاعه الحارق قائلا: حاسبوهم لأنهم جعلوا من الحضارة العريقة مسخًا بلا ملامح، ومن الإنسان المصري مجرد ظلّ بلا قيمة. لقد ارتكبوا ما لم أجرؤ أنا ولا فرعون على فعله، لقد اغتالوا الوطن من الداخل.
ثم التفت هامان إلي حراس الجحيم صارخا صرخة هزّت الجدران: إذا كان الحكم عليَّ أن أكون في قاع الجحيم لأنني غذّيتُ وهم فرعون، فماذا تفعلون بمن صنعوا جهلًا ممنهجًا، وأهانوا العلم والأطباء، ومزقوا هوية المصريين، وحوّلوا الوطن إلى غربة لأبنائه؟! أليس هؤلاء أحق مني بعذاب أعمق؟! أعيدوا محاكمتي.. فهناك من يستحق قاعًا أعمق من قاعي.
ساد الصمت في الجحيم، فرفع مالك خازن النار يده معلنًا القرار: بعد سماع دفوع المتهم، ورؤية ما آل إليه حال قومه، قررنا رفع شكواه إلى الملك الحق المبين، رب العالمين، فهو وحده العدل الذي لا يظلم عنده أحد. فقد أقنعنا هامان أن بين البشر من فاقه إجرامًا، وتجاوز حدود الخيانة إلى تدمير الأمم وسحق هوية الشعوب. النزول من الطائرة بالونش! اختطاف أستاذ جامعة
ثم خُتم المحضر بعبارة: أُحيل طلب إعادة محاكمة هامان إلى الله سبحانه وتعالى، لينظر في شأنه، بعدما ثبت أن في دنيا البشر من ارتكبوا ما يستحقون به قاعًا أشد عتمة من قاعه. ونقدم لكم من خلال موقع (فيتو)، تغطية ورصدًا مستمرًّا على مدار ال 24 ساعة ل أسعار الذهب، أسعار اللحوم ، أسعار الدولار ، أسعار اليورو ، أسعار العملات ، أخبار الرياضة ، أخبار مصر، أخبار اقتصاد ، أخبار المحافظات ، أخبار السياسة، أخبار الحوداث ، ويقوم فريقنا بمتابعة حصرية لجميع الدوريات العالمية مثل الدوري الإنجليزي ، الدوري الإيطالي ، الدوري المصري، دوري أبطال أوروبا ، دوري أبطال أفريقيا ، دوري أبطال آسيا ، والأحداث الهامة و السياسة الخارجية والداخلية بالإضافة للنقل الحصري ل أخبار الفن والعديد من الأنشطة الثقافية والأدبية. تابع موقع فيتو عبر قناة (يوتيوب) اضغط هنا تابع موقع فيتو عبر قناة (واتساب) اضغط هنا تابع موقع فيتو عبر تطبيق (نبض) اضغط هنا تابع موقع فيتو عبر تطبيق (جوجل نيوز) اضغط هنا