لم يكن الغش يومًا مجرد خطأ عابر، بل هو جريمة أخلاقية تمس جوهر الإنسان، وتهدم كل ما تبقى من القيم في المجتمعات. ورغم وضوح بشاعته، إلا أن البعض لا يشعر حياله بأي خجل أو وخز ضمير. بل يبرره، ويمارسه، ويتباهى به أحيانًا، وكأن الأمانة سذاجة، والصدق ضعف، والشرف عبء ثقيل لا طائل منه. لقد تغيّرت الموازين، فصار النجاح هدفًا منفصلًا عن الوسيلة، وتحول الامتحان إلى معركة لا يُطلب فيها الشرف بل النجاة بأي ثمن. تراجع صوت الضمير أمام صخب الضغوط، وغُيّبت الفطرة التي تمقت الغش لصالح منطق مادي بارد يرى في الغش ذكاءً، وفي الخداع مهارة، وفي التلاعب وسيلة للعيش.
ولا يمكن أن نُحمّل الفرد وحده وزر هذا الانحدار، فالمجتمع بكامله متورط.. الأسرة التي تبرر الغش لأبنائها خوفًا على مستقبلهم، والمدرس الذي يغض الطرف شفقة، والإدارة التي تكتفي بالشعارات دون رقابة، والنظام الذي لا يعاقب بل ربما يكافئ المتجاوزين. الجميع مشترك في صناعة واقع مشوّه بات فيه الغش ثقافة، لا استثناءً. الحياء من الغش لا يولد في الفراغ، بل ينبت في تربة من القيم، ويحتاج إلى من يسقيه قدوةً ومحاسبةً ووعيًا. أما حين تُرفع الحواجز وتُطمس المعايير، فلا غرابة أن نرى الغشاش واثقًا، مرفوع الرأس، ساخرًا من الصادقين كأنهم غرباء عن هذا الزمان. ولعل الكارثة الحقيقية لا تكمن في فعل الغش ذاته، بل في التطبيع معه، في أن يُمارس دون تأنيب، ويُشرّع باسم الحاجة، ويُغلف بشعارات زائفة عن المساواة والضغوط. حينها لا يعود الغش استثناءً، بل يصبح الأصل، وتموت فكرة العدالة في القلوب، وتنكسر هيبة الحق في العيون. لقد آن الأوان لنفهم أن الغش ليس مجرد مخالفة، بل سرطان ينخر في روح الأمة. وأن الخجل من الغش ليس ضعفًا، بل دليل حياة. وأنه لا نهضة تُبنى على الزيف، ولا مستقبل يُرسم بالكذب، ولا وطن يرتفع بقلوب اعتادت الخداع.
الغش الذي تسلل إلى قاعات الامتحان، هو ذاته الذي يتجول بين صفحات مواقع التواصل الاجتماعي، حيث يحتال البعض على المرضى والضعفاء، يبيعون لهم الوهم في قوارير ملونة، يزعمون علاج السرطان والسكر والفشل الكلوي، ولا رقيب عليهم ولا وازع يردعهم. الناس ضحايا، لكن الأخطر من ذلك أن المجتمع كله ضحية حين يغض الطرف عن هذه الكوارث، أو يصمت وكأن الأمر لا يعنيه، أو يبرره بزعم لقمة العيش أو أن الجميع يفعل. وأخوف ما أخافه أن تتبدد القيم تحت وطأة ما نرى من شيوع الغش في حياتنا، وتُستباح المحرمات، ليصبح الغش ليس فعلًا طارئًا بل ثقافة، ليس انحرافًا فرديًّا بل مسارًا عامًا. وهنا مكمن الخطر. فالغش لا يهدم ورقة امتحان ولا يفسد دواءً فقط، بل يفتك بجوهر الإنسان، يقتل ضميره، ويطفئ النور في قلبه، ويدفعه إلى تبرير كل شر ومروق.
ومن يعتد على الحقيقة اليوم، لن يتورع عن بيع الوطن غدًا لمن يدفع وقد رأينا ذلك عيانًا بيانا فيما تداولته الشاشات من أخبار الجواسيس والخيانة وكيف سّولت لهؤلاء أنفسهم أن يؤذوا بلدهم وأن يكون معول هدم تضرب أركان الاستقرار وتبدد مقومات الوجود والبقاء، فهل بعد خيانة الأوطان ذنب؟ وماذا تنتظر ممن لا يتورع عن خيانة بلده، أو خيانة أمانة العلم، هل يتورع عن خيانة وظيفة أو مهنة أو قَسَمَ؟!
إن الإسلام، وغيره من الديانات، لم يكن يومًا حياديًّا تجاه الغش، بل حسم موقفه منه بحزم وقوة، إذ قال النبي صلى الله عليه وسلم: "من غشنا فليس منا"، حديث قاطع لا يحتمل المجاملة، يخرج الغاش من دائرة الأمة الأخلاقية، ويضعه في موضع الخيانة لا في موضع الخلق.
وفي موضع آخر، قال صلى الله عليه وسلم: "من غش المسلمين فليس منهم". وهل بعد هذا الطرد المعنوي من انتماء القيم مزيد من الوعيد؟ بل إن القرآن الكريم لعن المطففين، الذين يغشون في الميزان، فكيف بمن يغش في مستقبل أمة، وفي صحة إنسان، وفي ضمير وطن؟ قال تعالى: "وَيۡلٞ لِّلۡمُطَفِّفِينَ"، وويلٌ ليس وعيدًا فحسب، بل نذير دمارٍ لا ينجو منه مجتمع يُقرّ الباطل أو يسكت عنه.
ليس أخطر على المجتمعات من التطبيع مع الغش. إنه سرطان خفي، يبدأ صغيرًا في النفوس، ثم ينتشر في المؤسسات، حتى يهدم البناء من داخله. يغيب العدل، وتُمحى الكفاءة، وتُسرق الفرص، ويفقد الناس ثقتهم في كل شيء. الصادق يُتهم بالغباء، والأمين يُضرب ويُهان، والغشاش يُكرّم أو يُسوّق كقدوة ناجحة. ومتى اختلت المعايير، صار الباطل وجهًا من وجوه النجاح، وانقلبت الموازين. لن تقوم لهذا المجتمع ولا لهذه الأمة قائمة إلا إذا استعاد ضميره الحي، وواجه نفسه بالحقيقة المُرّة: لا نهوض مع الغش، ولا نجاة مع الخداع، ولا كرامة في ظل التواطؤ. لا بد من ثورة على هذه الثقافة المسمومة التي تعتاش على ضعف الوعي وغياب الوازع. لا بد من أن نُعلّم أبناءنا أن النجاح بالباطل هزيمة، وأن الرزق بالحيلة شبهة، وأن الغش ليس شطارة بل دناءة، وأن قول النبي صلى الله عليه وسلم: "أدِّ الأمانة إلى من ائتمنك، ولا تخن من خانك"، هو دستور أخلاقي لا يُلغى ولا يُؤجل. الغش ليس مشكلة تعليم أو دواء فحسب، إنه أزمة ضمير، وامتحان لقيمنا قبل أن يكون امتحانًا في قاعة أو سوق. وإن لم ننتفض لهذه الجريمة في وقتها، فسندفع جميعًا ثمن صمتنا، لا في ورقة إجابة فقط، بل في مستقبل وطن بأكمله..فهل نحن منتبهون لخطورة ما يجري..وهل يمكن أن نتبنى مقولة الشاعر العظيم الذي يقول: إنما الأمم الأخلاق ما بقيت.. فإن همو ذهب أخلاقهم ذهبوا.. الغش في ضمائر وقحة؟! لماذا الاستعجال في تعديل قانون التعليم؟! يا سادة.. الأخلاق ليست مجرد شعارات يتغنى بها الحالمون بالمدينة الفاضلة ولكنها ضمانة للأمان والاستقرار والنجاة في الدنيا والآخرة. الغش يا سادة أكبر خطر على المجتمع! للأسف الغش أصبح يطال كل شيء وأي شيء. ونقدم لكم من خلال موقع (فيتو)، تغطية ورصدًا مستمرًّا على مدار ال 24 ساعة ل أسعار الذهب، أسعار اللحوم ، أسعار الدولار ، أسعار اليورو ، أسعار العملات ، أخبار الرياضة ، أخبار مصر، أخبار اقتصاد ، أخبار المحافظات ، أخبار السياسة، أخبار الحوداث ، ويقوم فريقنا بمتابعة حصرية لجميع الدوريات العالمية مثل الدوري الإنجليزي ، الدوري الإيطالي ، الدوري المصري، دوري أبطال أوروبا ، دوري أبطال أفريقيا ، دوري أبطال آسيا ، والأحداث الهامة و السياسة الخارجية والداخلية بالإضافة للنقل الحصري ل أخبار الفن والعديد من الأنشطة الثقافية والأدبية. تابع موقع فيتو عبر قناة (يوتيوب) اضغط هنا تابع موقع فيتو عبر قناة (واتساب) اضغط هنا تابع موقع فيتو عبر تطبيق (نبض) اضغط هنا تابع موقع فيتو عبر تطبيق (جوجل نيوز) اضغط هنا