ليلة خميس العهد ليست ليلة عادية في الذاكرة المسيحية. إنها الليلة التي انحنى فيها الله، وغسل فيها أرجل الإنسان، وقسّم فيها جسده بين محبيه، وأعطاهم من دمه شربًا لحياة لا تنتهي. إنها الليلة التي تتجلى فيها المحبة لا كعاطفة، بل كفعل، لا كوصية، بل كاختيار حر من قلب الإله المتجسد. حين نقرأ عن خميس العهد، قد نمر سريعًا على الأحداث، كما لو كانت طقوسًا محفوظة أو مشاهد متكررة في كل عام. لكن الحقيقة أن كل لحظة في تلك الليلة كانت إعلانًا عظيمًا عن طبيعة الله، ودعوة جذرية لنا لنكون مثله. خميس العهد هو أكثر من حدث تاريخي، إنه رسالة لكل من يبحث. انحناءة الإله وغُسل الأقدام في تلك الليلة، نجد مشهدًا لا مثيل له في كل النصوص المقدسة، ولا حتى في أكثر الفلسفات الإنسانية نُبلًا. يسوع، وهو يعلم أن ساعته قد أتت، وأنه سيسلم ويصلب، لم يقضِ تلك اللحظات في عزلة أو حزن، بل نهض من العشاء، خلع ثيابه، واتّزر بمنشفة، وبدأ يغسل أرجل تلاميذه.
هذه ليست فقط علامة تواضع. نحن أمام صورة صادمة: المعلم يغسل أقدام التلاميذ. الإله يغسل أقدام الإنسان. المسيح لا يكتفي بأن يحبهم، بل يعبّر عن هذا الحب بالفعل الأبسط والأعمق، بغسل الأقدام التي مشَت خلفه، والتي ستهرب منه لاحقًا.
إنها لحظة خلع الثوب، لا فقط ثوب الجسد، بل ثوب المجد، والانحناء في البعد الإنساني. ومن هذا الانحناء، يُعلّم يسوع العالم أن المحبة لا تُقاس بالكرامة، بل بالقدرة على التنازل عنها. أن الكرامة لا تتعارض مع الخدمة، بل تتجلى من خلالها.
ولهذا، لا يزال طقس "اللقان" في خميس العهد حيًا في الكنيسة حتى اليوم، حين يغسل الكاهن أقدام الشعب، لا كطقس رمزي، بل كتذكير حي بوصية المسيح التي لا تُقال فقط، بل تُعاش: "فإن كنتُ وأنا السيد والمعلم غسلتُ أرجلكم، فأنتم أيضًا يجب عليكم أن يغسل بعضكم أرجل بعض". جسد يُكسر ودم يُسفك... الإفخارستيا في نفس الليلة، وقبل أن يُسلّم المسيح نفسه طوعًا للصلب، أسّس أعظم سرّ عرفته البشرية: سر الإفخارستيا. في إنجيل متى (26: 26–28)، نراه يأخذ خبزًا، ويبارك، ويكسر، ويقدّمه لتلاميذه قائلًا: "خذوا كلوا، هذا هو جسدي"، ثم الكأس: "اشربوا منها كلكم، لأن هذا هو دمي".
هنا لم يُقدِّم المسيح رمزًا، بل قدم نفسه. لم يطلب فقط الإيمان، بل الاتحاد. الإفخارستيا ليست ذكرى عاطفية، بل لقاء حقيقي متجدد بين المسيح وأبنائه. إنها طعام الحياة الأبدية، وجسر المحبة الذي لا ينقطع.
لكن اللافت أن تأسيس هذا السر لم يأتِ في يوم عيد، بل في ليلة خيانة. وسط التلاميذ الذين سيشكّون فيه، وينكرونه، ويهربون، اختار أن يعطي ذاته لهم. إنه حب لا يتوقف عند استحقاق المُتلقّي، بل ينبع من قلب المُعطي.
كل مرة نتناول فيها من هذا السر، نحن لا نؤدي طقسًا، بل نعيش دعوة للموت عن ذواتنا. نتحد بجسد مكسور لكي نتعلم أن نُكسر لأجل الآخرين. نشرب من كأس الحب الحقيقي لكي نتعلم أن نسكب نحن أيضًا من نفوسنا حبًا للذين حولنا. خميس العهد خميس العهد إذًا ليس فقط مناسبة كنسية أو طقسًا سنويًا. إنه مرآة نُمسك بها أمام أنفسنا لنرى كم نحن بعيدون عن المسيح الذي خلع ثوبه، وغسل، وكسر، ووزّع.
نحن، في كثير من الأحيان، نحب المسيح نظريًا. نرفع صلواتنا، ونردد مزاميرنا، ونحضر الطقوس. لكن المحبة الحقيقية تظهر حين نخلع نحن أيضًا ثوب الكبرياء، وننحني أمام الآخرين، لا لنُظهر تواضعنا، بل لنُحبهم كما أحبنا المسيح.
هل نغسل أرجل بعضنا؟، هل نتحمل أوساخ الآخر؟، هل نكسر أجسادنا في الخدمة؟، هل نقدّم من دمنا وصحتنا ووقتنا شيئًا حقيقيًا لمن يحتاج؟. خميس العهد يضعنا أمام سؤال واحد، لا مفرّ منه: "هل تحبني؟" إن كنت تحبني، "اغسل أرجلهم".. إن كنت تحبني، "كل من جسدي، وكن لي سفيرًا وصورة لي في العالم".
من سيكون مع المسيح؟ حين يضيء المسيح طريق الاستعداد
حين تخرج من ليلة خميس العهد، لا تخرج كما دخلت. دع التواضع يتسلل إلى أعماقك، ودع صوت الماء في اللقان، وهمس الكسر في الخبز، يوقظ فيك صورة المسيح الذي أحب حتى النهاية. اجعل من حياتك لقانًا جديدًا، ومن قلبك مائدة مفتوحة. اغسل.. واحب.. وانكسر.. ووزّع ذاتك. ففي كل مرة تفعل ذلك، يتجدد خميس العهد داخلك، ويتقدس العالم من حولك. للمتابعة على الفيس بوك: @PWagih ونقدم لكم من خلال موقع (فيتو)، تغطية ورصدًا مستمرًّا على مدار ال 24 ساعة ل أسعار الذهب، أسعار اللحوم ، أسعار الدولار ، أسعار اليورو ، أسعار العملات ، أخبار الرياضة ، أخبار مصر، أخبار اقتصاد ، أخبار المحافظات ، أخبار السياسة، أخبار الحوداث ، ويقوم فريقنا بمتابعة حصرية لجميع الدوريات العالمية مثل الدوري الإنجليزي ، الدوري الإيطالي ، الدوري المصري، دوري أبطال أوروبا ، دوري أبطال أفريقيا ، دوري أبطال آسيا ، والأحداث الهامة و السياسة الخارجية والداخلية بالإضافة للنقل الحصري ل أخبار الفن والعديد من الأنشطة الثقافية والأدبية. تابع موقع فيتو عبر قناة (يوتيوب) اضغط هنا تابع موقع فيتو عبر قناة (واتساب) اضغط هنا تابع موقع فيتو عبر تطبيق (نبض) اضغط هنا تابع موقع فيتو عبر تطبيق (جوجل نيوز) اضغط هنا