في أقصى الشمال الشرقي من سوريا، في منطقة صخرية معزولة تتاخم الحدود العراقية، يقع مخيم روج الذي تديره الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا. هذا المكان النائي -الذي يضم نحو 2600 شخص، معظمهم من نساء وأطفال كانوا جزءًا من أسر عناصر تنظيم داعش- يبدو كأنه الزمن وقد توقّف في لحظة الخراب، لكنّه أيضًا يُخفي قصصًا تُقاوم الموت بلغة الحياة. قبل سنوات، زرتُ المخيم. لم يكن الدخول إليه سهلًا، ولا التجول فيه مريحًا. لكنّ ما صدم حواسي لم يكن شكله الجغرافي أو الإجراءات الأمنية المشددة، بل مضمونه الإنساني: وجوه نساء ما زلن يحملن ذلك البريق القاسي في العيون.. بريق الإيمان المطلق بالدولة الإسلامية، ورفضهن التام لفكرة العودة إلى بلادهن. بالنسبة لغالبية هؤلاء النسوة، أرض الخلافة لم تسقط، بل هي في حالة كمون مؤقت. وأما إذا فُرضت المغادرة، فلتكن نحو أوروبا، لا إلى بلدانهن الأصلية، التي لا يرون فيها دار إسلام.
ووسط هذا العالم المغلق على الحقد، رأيت مشهدًا آخر.. خيمة وحيدة تحيطها الزهور التي غُرست في أرض قاحلة. وعلى جدرانها الداخلية، لوحات فنية رُسمت بألوان دافئة، تروي قصصًا عن الحياة لا عن الموت. هناك تقيم مهندسة مصرية، خريجة جامعة القاهرة، كانت تتابع دراستها للماجستير في إحدى جامعات تركيا، قبل أن تتورّط -كما روت لي- في علاقة عاطفية قادتها إلى قلب العاصفة. سيدة مصرية كانت تقيم في تركيا، عرّفتها على شاب مغربي متشدد، اصطحبها إلى الرقة، عاصمة الخلافة آنذاك. وهناك تزوجت وأنجبت طفلين، قبل أن يُقتل الزوج. وعندما انهارت داعش، وجدت نفسها في مخيم روج، تحاول أن تنقذ ما تبقى من إنسانيتها. لكنها دفعت الثمن غاليًا: ما إن أعلنت تخليها عن الفكر المتشدد، وخلعت النقاب، حتى بدأت سلسلة من محاولات الاعتداء عليها من نساء غاضبات. أرادت إحداهن خنقها في الليل، وأخرى حاولت حرق خيمتها. ولولا يقظة إدارة المخيم وبعض الحماية التي وفرتها لها، لكانت اليوم جثة أخرى بلا إسم. معاناتها لم تتوقف عند حدود المخيم. تقول المهندسة إنها طرقت أبواب السفارة والمؤسسات المصرية المعنية، كما فعلت أسرتها في مصر، لكن دون استجابة. الرسائل لم تجد من يرد، وكأن صوتها اصطدم بجدار أصم. والمفارقة التي يصعب تجاهلها، أن إحدى النساء المعتقلات مؤخرًا في المخيم -بتهمة التخطيط لعمليات إرهابية- ما زالت تُعلن رفضها للعودة إلى مصر، وتصف النظام بالكافر. ومع ذلك، كما تشير المهندسة، فإن هذه السيدة تتلقى دعمًا معنويًا مستمرًا من أسرتها، وبعض من أقاربها -حسبما قالت- يعملون في مواقع رسمية، وربما حساسة. وبينما تغلق الأبواب أمام من نبذت التطرف وتتشبث بالحياة، تُفتح أبواب العودة لمن لم تتراجع خطوة عن طريق العنف.. على العكس، لا تزال تعدّ العدة لجولة جديدة من التفجير.. هذا التباين يطرح سؤالًا مقلقًا: هل يُمكن أن تكون بعض البنى القديمة ما زالت مأهولة بذوي العلاقات المتشابكة؟ هل تسلّل شيء من داعش إلى حيث لا يُفترض أن يكون؟ لا نملك إجابة قاطعة.. لكن الشعور أن التنظيم لم يمت كليًا، بل توزّع بهدوء، لا يزال حاضرًا.. وكأنه إختبأ تحت الجلد. ومع ذلك، تبقى خيمة المهندسة المصرية هناك، شاهدة على الاحتمال الآخر. الاحتمال الذي يبدأ بلوحة صغيرة مرسومة بالألوان.. وبذور زهر تُزرع في أرض الخوف. دعم التخلي.. واجب وطني وأخلاقي قصة هذه المهندسة المصرية، وما يقابلها من مفارقات، تفتح الباب واسعًا أمام مراجعة جادة للسياسات المعتمدة في التعامل مع ملف العائدين والعائدات من مناطق النزاع، خاصة أولئك المتورطين في سياقات داعش. فالمعضلة لم تعد أمنية فقط، بل باتت اجتماعية وثقافية وسياسية بامتياز. ومن الخطأ إختزال الظاهرة في عودة فرد، فالمشكلة لا تكمن فقط في عدد من النساء المتشددات داخل خيمة، بل في صمت مؤسسي -أحيانًا- تجاه من تخلّوا عن الفكر المتطرف، يقابله اهتمام ملتبس بمن لم يتخلّوا. هذا الخلل قد يفتح ثغرات خطيرة إن لم يُعالَج بوعي استباقي.
الكرد.. شعب الجبال وذاكرة الحياة ماسبيرو.. صرح الإعلام المصري بين التهميش والتحدي التطرف لا يبدأ من الرقة.. بل من التربة التي تسمح له بالتجذر أو تعامله بازدواجية.. ولذلك، فإن دعم حالات التخلّي والانفكاك عن الفكر الإرهابي -وخاصة تلك التي جرت في ظروف قاسية كالتي في روج- هو واجب وطني وأخلاقي، لا مجرّد خيار.. فالزهور التي تُزرع هناك.. قد تكون إذا أُحسِن احتضانها أول بذور الحصانة ضد عودة الكوابيس. ونقدم لكم من خلال موقع (فيتو)، تغطية ورصدًا مستمرًّا على مدار ال 24 ساعة ل أسعار الذهب، أسعار اللحوم ، أسعار الدولار ، أسعار اليورو ، أسعار العملات ، أخبار الرياضة ، أخبار مصر، أخبار اقتصاد ، أخبار المحافظات ، أخبار السياسة، أخبار الحوداث ، ويقوم فريقنا بمتابعة حصرية لجميع الدوريات العالمية مثل الدوري الإنجليزي ، الدوري الإيطالي ، الدوري المصري، دوري أبطال أوروبا ، دوري أبطال أفريقيا ، دوري أبطال آسيا ، والأحداث الهامة و السياسة الخارجية والداخلية بالإضافة للنقل الحصري ل أخبار الفن والعديد من الأنشطة الثقافية والأدبية. تابع موقع فيتو عبر قناة (يوتيوب) اضغط هنا تابع موقع فيتو عبر قناة (واتساب) اضغط هنا تابع موقع فيتو عبر تطبيق (نبض) اضغط هنا تابع موقع فيتو عبر تطبيق (جوجل نيوز) اضغط هنا