في فبراير 1999، أسدل الستار على إحدى أكثرعمليات التواطؤ الدولي تعقيدًا في القرن العشرين، حيث جرت عملية اختطاف القائد الكردي عبدالله أوجلان بتنسيق استخباراتي شاركت فيها الولاياتالمتحدة وإسرائيل وتركيا، إلى جانب بعض الأنظمة الإقليمية. كانت هذه المؤامرة تتجاوز مجرد ملاحقة زعيم سياسي أو قائد عسكري، إذ مثلت هجومًا مباشرًا على مشروع سياسي وفكري يسعى لإعادة رسم معادلات السلطة في الشرق الأوسط من خلال الاعتراف بحقوق الكرد كمكون أصيل في المنطقة.
اليوم، بعد أكثر من ربع قرن على هذه المؤامرة، يتجدد الصراع بين القوى التي خططت لها، لكنه يأخذ أشكالًا جديدة ترتبط بإعادة تشكيل التحالفات الإقليمية، وتغيّر أولويات الدول الفاعلة، وتصاعد دور القوى المحلية، وعلى رأسها الكرد، في تحديد مستقبل المنطقة. فهل نجحت تلك القوى في تحقيق أهدافها؟ أم أن المشروع الذي حمله أوجلان، رغم سجنه، لايزال حاضرًا بقوة، متجذرًا في صراع الشرق الأوسط؟
تواطؤ دولي وعجز عن الحسم لم تكن عملية اختطاف أوجلان مجرد استجابة لحسابات تركية داخلية، بل كانت جزءًا من لعبة دولية أكبر تهدف إلى التحكم في مسار القضية الكردية ومنع أي تحول ديمقراطي داخل تركيا والمنطقة عمومًا. لعبت واشنطن دورًا حاسمًا، حيث ضغطت على اليونان وكينيا لتسهيل تسليم أوجلان إلى تركيا، فيما كانت إسرائيل تقدم الدعم الاستخباراتي والتكنولوجي لعملية تعقّب زعيم حزب العمال الكردستاني.
لماذا هذا العداء لمشروع أوجلان؟ لأن فكره القائم على "الأمة الديمقراطية" وتجاوز القوميات المغلقة يشكل تهديدًا مباشرًا لأنظمة الهيمنة الإقليمية التي تقوم على قمع الأقليات وترسيخ السلطوية. تركيا، من جانبها، لم تكن تريد فقط اعتقال أوجلان، بل القضاء على نموذج يمكن أن يشكل قاعدة لحل ديمقراطي للقضية الكردية، وهو ما يفسر حملات القمع المستمرة ضد أي شكل من أشكال الإدارة الذاتية الكردية، سواء في تركيا أو سوريا أو العراق.
ترابط المؤامرة مع المشهد الإقليمي الحالي إذا كانت المؤامرة ضد أوجلان قد استهدفت الحد من نفوذ الكرد آنذاك، فإن التطور اتالح الية تثبت أنه ذا الهدف لم يتحقق، بل على العكس، تعاظم الدور الكردي في المشهدين السوري والعراقي، وأصبح الكرد فاعلًا لا يمكن تجاهله في الحسابات الإقليمية.
في سوريا، أثبت الكرد قدرته على فرض أنفسهم كقوة محورية في الحرب ضد داعش، مما منحهم اعترافًا دوليًا، رغم التذبذب في المواقف الأمريكية والغربية تجاههم. أما في العراق، فإن تجربة إقليم كردستان، رغم الأزمات السياسية، أصبحت نموذجًا لحكم ذاتي لا يمكن تجاوزه، وهو ما يعكس استمرار حضور المشروع الكردي، رغم الضربات الأمنية والسياسية المتكررة.
على الجانب التركي، لاتزال أنقرة تتعامل مع القضية الكردية من منظور أمني بحت، مستمرة في عملياتها العسكرية داخل شمال العراقوسوريا، رغم أن التجربة أثبتت أن الحسم العسكري غير ممكن، وأن الحل السياسي هو السبيل الوحيد لإنهاء هذا الصراع. ومع ذلك، تبقى تركيا عالقة بين خيارين: التصعيد العسكري الذي قد يدفع إلى مزيد من الفوضى، أو التفاوض الذي ترفضه تحت ضغوط القوميين داخل النظام.
قضية الكرد بين المصالح والخذلان لا يمكن تناول القضية الكردية دون الإشارة إلى التناقضات الصارخة في المواقف الدولية تجاهها. فمن جهة، دعمت الولاياتالمتحدة الكرد في محاربة داعش، واعتبرتهم "حلفاء ميدانيين"، لكنها في الوقت نفسه لم تتردد في التخلي عنهم عندما قررت الانسحاب من بعض المناطق في سوريا، مما فتح المجال أمام التدخل العسكري التركي.
أما الاتحاد الأوروبي، ورغم حديثه عن حقوق الإنسان، فقد بقي صامتًا أمام الانتهاكات التركية بحق الكرد، سواء داخل تركيا أو خارجها. بل إن بعض الدول الأوروبية تدرج حزب العمال الكردستاني ضمن قائمة "المنظمات الإرهابية"، رغم أن الحزب نفسه كان قد طرح منذ 1993 خيارالحل السلمي والمفاوضات.
هذه الازدواجية ليست جديدة، بل هي جزء من استراتيجية أوسع تستخدم القضية الكردية كورقة ضغط متى دعت الحاجة، ثم يتم تجاهلها عندما تتعارض مع المصالح الكبرى.
القضية الكردية والأمن القومي العربي لطالما شكل الكرد عنصرًا رئيسيًا في معادلات الأمن الإقليمي، وكانوا جزءًا أساسيًا من نسيج الدول العربية، خاصة في سورياوالعراق. لكن التجاهل العربي للقضية الكردية ترك فراغًا استغلته قوى إقليمية مثل تركيا وإيران، حيث تحاول كل منهما توظيف الكرد وفق مصالحها الخاصة، دون الاعتراف بحقوقهم الفعلية.
من هنا، فإن دعم العرب للحقوق الكردية لا ينبغي أن يكون مجرد موقف أخلاقي، بل هو ضرورة استراتيجية. فاستقرار المنطقة يعتمد على حل عادل للقضية الكردية، يضمن اندماج الكرد في الدول التي يعيشون فيها دون تهميش أو اضطهاد، مما يمنع استغلالهم من قبل قوى خارجية لتحقيق أجندات إقليمية.
السلام أو الحرب منذ عام 1993، قدم أوجلان ورفاقه خيارين واضحين لأنقرة: إما السير في طريق السلام عبر الاعتراف بالحقوق الكردية، أو استمرار الصراع المسلح كخيار فرضته سياسات القمع. لكن رغم المبادرات المتكررة من الجانب الكردي، استمرت تركيا في نهجها العسكري، مما أدى إلى تعميق الأزمة بدلًا من حلها.
واليوم، وبعد أكثر من ثلاثة عقود، لايزال الخيار نفسه قائمًا، مع فارق أساسي: أن الكرد باتوا أكثر تنظيمًا، وأكثر قدرة على فرض مطالبهم على الساحة الإقليمية والدولية.
لا استقرار دون حل عادل إن استمرار اعتقال أوجلان، وتجاهل الحقوق الكردية، لن يؤدي إلا إلى مزيد من الفوضى وعدم الاستقرار في المنطقة. وإذا كانت تركيا تراهن على الحلول العسكرية، فإن الوقائع تثبت أن هذا الرهان خاسر، وأن الاعتراف بالحقوق المشروعة للكرد هو السبيل الوحيد للخروج من دوامة العنف والصراعات المستمرة.
لقاء إمرالي.. خطوة نحو الحل أم مناورة سياسية؟ الحملة العالمية للعودة إلى فلسطين: 11 عامًا من العمل من أجل الحلم المغيّب
في النهاية، فإن القضية الكردية لم تعد مجرد ملف داخلي تركي، بل أصبحت جزءًا أساسيًا من مستقبل الشرق الأوسط، ولا يمكن لأي مشروع إقليمي أن ينجح دون الاعتراف بهذا الواقع، والتعامل مع الكرد كشركاء حقيقيين، وليس كورقة مساومة في الحسابات السياسية الدولية. ونقدم لكم من خلال موقع (فيتو)، تغطية ورصدًا مستمرًّا على مدار ال 24 ساعة ل أسعار الذهب، أسعار اللحوم ، أسعار الدولار ، أسعار اليورو ، أسعار العملات ، أخبار الرياضة ، أخبار مصر، أخبار اقتصاد ، أخبار المحافظات ، أخبار السياسة، أخبار الحوداث ، ويقوم فريقنا بمتابعة حصرية لجميع الدوريات العالمية مثل الدوري الإنجليزي ، الدوري الإيطالي ، الدوري المصري، دوري أبطال أوروبا ، دوري أبطال أفريقيا ، دوري أبطال آسيا ، والأحداث الهامة و السياسة الخارجية والداخلية بالإضافة للنقل الحصري ل أخبار الفن والعديد من الأنشطة الثقافية والأدبية. تابع موقع فيتو عبر قناة (يوتيوب) اضغط هنا تابع موقع فيتو عبر قناة (واتساب) اضغط هنا تابع موقع فيتو عبر تطبيق (نبض) اضغط هنا تابع موقع فيتو عبر تطبيق (جوجل نيوز) اضغط هنا