نيل مصر العظيم حدد ملامح الدولة المصرية على مر العصور باختلاف الازمنة، فبدأ العصر الموستيري بتغيير معيشة الإنسان في العصر الحجري القديم المتوسط، فبعد ما كانت درجة الحرارة مرتفعة في العصر الحجري القديم السفلي فقد اخذت في الانخفاض في العصر الذي اعقبه وتبرهن على ذلك كثرة الرواسب الاشيلية من بقايا سلالة "فيل الماموث" وهو نوع من الثدييات المنقرضة كانت تعيش في أوربا الوسطى قبل مليون سنة. فالعصر الموستيري لمن لا يعرفه يقع على نحو التقريب ق.م أربعين ألف من السنين؛ وتوجد آثاره في القارات كلها، وبانتهاء العصر الحجري القديم السفلي ينتهي عصر تقهقر الجليد، ويتفق العصر الحجري القديم المتوسط مع عصر جليد طويل امتد حتى العصر الحجري القديم الاعلى. وفي ذلك العصر اخذت الحيوانات ذات الجلد السميك تتقهقر نحو الجنوب متخلية عن اماكنها تدريجيا إلى الحيوانات الاخرى ذوات الثدي التي هاجرت من البلاد الشمالية ولم يبق في مكانه الا الماموث الذي لا يعيش الا في الجو البارد، ووحيد القرن صاحب الخرطوم المقسم بنتوء. انتشرت المدينة الموستيرية - المدينه الموستيرية موجودة في كل القارات في العصور القديمة- في كل أفريقيا الشمالية وعثر عليها في آسيا، وقد كان الجو واحدا والصناعة واحدة في العصر الشيلي والاشيلي في أوربا وآسيا وأفريقيا، وكان ذلك كله على شاطئ البحر الداخلي، ولكن وجد خلاف بين الموستيري الأوربي وما يماثلة في أفريقيا، فوجدوا في جبال الاطلسي وبلاد الحبشة اثار امتداد للجليد، والرواسب التي عثر عليها في الجزائر مما يدل على انها كانت مستعملة. كان إنسان العصر الحجري القديم المتوسط أكثر سعادة في أفريقيا منه في اووبا، فكان إنسان أوربا مضطرا للعيش في الكهوف، اما الإنسان الافريقي فكان يعيش في الهواء الطلق ويتمتع بالصيد والكهوف كانت تستعمل عندما تكون بالقرب من الجبال حيث يشعر الإنسان بالبرودة. اما في مصر: فكان ارتفاع الجبال ضئيلا، حيث إنه لم يعثر على كهف سكن فيه الإنسان يرجع تاريخه إلى هذا العصر، والواقع أن المحطات التي وجدت من هذا العصر الحجري القديم المتوسط – قد وجدت على سطح الارض، هي في مجموعها تتفق مع المحطات التي عثر عليها في العصر السابق. فقد امتاز هذا العصر بالالات المدببة وقد وجدت معها النواة التي صنعت منها فقد عثر عليها في اماكن عدة في وادي النيل وفي مناطق صحراوية كانت وقتئذ آهلة بالسكان، وقد لوحظ وجود الإنسان في محطة الجبل الأحمر التي لا تبعد كثيرا عن محطة العباسية، فقد وجد الات مدببة من الشظايا في محطة الجبل الأحمر يرجع عهدها إلى العصر الموستيري وبلط من العصر الاشيلي، وكلا النوعين اختلط بصاحبه. والأمر الواضح امام الجميع أن هذه الاراضي المتخلفة سمحت لبعض القبائل الموستيرية أن تعيش عليها، فقد عثر على بحيرة موستيرية وهي التي عرفت بقاياها فيما بعد ببحيرة موريس، وقد بقي جزء منها الى الآن وقد عثر في الوجه القبلي والفيوم على محطات موستيرية على تلال قليلة الارتفاع بين اغوار الوديان الحالية. فكانت روافد النيل قد اخذت في النقصان رغم شدة انحدارها، وكان النهر إذ ذاك آخذا في حفره إلى عمق بعيد وفي الوقت نفسه بدا مجراه ينكمش كما يبدو ذلك من تدرج انكماش شاطئيه، ولا نزاع في أن الإنسان كان يتبع المياه وقد بقى في تتبع في سيرة تقهقر المياه خلال العصور التي تلت دون انقطاع حتى اصبح النيل على ما هو عليه الآن.