يقول الرئيس محمد أنور السادات في مذكراته بكتاب "البحث عن الذات": حينما بدأت أفكر في وضع التخطيط الإستراتيجى للمعركة، كان أمامى عدة أشياء أولها الأساس الإستراتيجى الذي أبنى عليه الخطة الرئيس الراحل محمد أنور السادات لم يكن داهية عسكرية فحسب، بل داهية العرب، وبدا ذلك واضحًا قبل حرب أكتوبر 1973، هذه الحرب التي غيرت تاريخ العسكرية المصرية، وأصبحت خططها تدرس في اكاديميات العالم، فالسادات استخدم اللغة النوبية كشفرة عسكرية في سلاح الإشارة، لصعوبة ترجمة العدو الصهيونى لها، وسميت ب«شفرة النصر«. وعي السادات دروس النكسة، وبعد وفاة عبد الناصر في 28 سبتمبر 1970بدأ انتقاء القيادات السياسية والعسكرية المتميزة استعدادا للحرب، ونجح بجهده ورؤيته السياسية في اتخاذ قرار الحرب، كما نجح في استثمار هذه الحرب لتحقيق السلام. استوعب السادات لن يتكرر، فقد فشل جهاز الموساد الإسرائيلي في تقدير توقيتات الهجوم وحجم التغير الذي حدث في القيادة العسكرية المصرية. وكانت مرحلة الاستعداد لحرب 1973 تتم من خلال تدريبات مستمرة طوال اليوم، وكان كل قائد وجندي يتدرب على مهمته المطلوبة منه، وتضمنت التدريبات الليلية عبور القناة، الأمر الذي ساعد الجنود على عبورها بسهولة ويسر بسبب تكثيف واستمرار التدريبات. يرتبط اسم الرئيس محمد أنور السادات بحدثين فاصلين في تاريخ مصر والأمة العربية عامة، فهو الذي قاد الجيش المصري إلى أول انتصار عسكري على الجيش الإسرائيلي في أكتوبر 1973، وهو الذي رسم أيضا للقادة العرب بداية الطريق نحو السلام، واتباع نهج التفاوض والسلام مع إسرائيل. وبعد حرب أكتوبر اعتبر المصريون والعرب السادات «قائد الانتصار العظيم»، حتي أن رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق مناحيم بيجن، قال عنه: «إنه قائد حرب عظيم، وقائد سلام عظيم». برونو كرايسكي – رئيس النمسا آنذاك- قال: «إن السادات يعرف تمامًا قيمة سلاح الحرب وفاعليته، كما يدرك في الوقت نفسه معنى السلم وحسناته، أراد أن ينجز كل شيء على أحسن وجه، فكانت الحرب كاملة، وكان السلام كاملا». وبعد نصر أكتوبر ألقى السادات خطابا فى مجلس الشعب، قال فيه: «حاربنا من أجل السلام... لسنا مغامري حرب وإنما نحن طلاب سلام». ويقول في مذكراته بكتاب «البحث عن الذات»: حينما بدأت أفكر في وضع التخطيط الإستراتيجى للمعركة، كان أمامى عدة أشياء أولها الأساس الإستراتيجى الذي أبنى عليه الخطة... وفى حياة عبد الناصر كنت أقول له على سبيل المبالغة إننا لو أخذنا حتى عشرة سنتيمترات من سيناء ووقفنا فيها، ولم ننسحب فسوف يتغير الموقف شرقا وغربا وكل شيء. ويقول أمين هويدى في كتابه «الفرص الضائعة»: وفى ظل هذه العقيدة أصدر السادات توجيها إلى القائد العام للقوات المسلحة، وزير الحربية الفريق أول أحمد إسماعيل فى أول أكتوبر1973، وتوجيهًا إستراتيجيًا آخر إليه يوم 5أكتوبر 1973 لتأكيد موعد بدء العمليات العسكرية. وكتب نص التوجيه الإستراتيجى لحرب أكتوبر 1973 محمد حسنين هيكل، وذكر ذلك صراحة في كتابه بعنوان «عند مفترق الطرق / حرب أكتوبر.. ماذا حدث فيها وماذا حدث بعدها» ! يقول هيكل في صفحة 11: «إننى الذي كتبت التوجيه الإستراتيجى الأول الصادر عن الرئيس السادات إلى القائد العام للقوات المسلحة، وزير الحربية الفريق أول أحمد إسماعيل على.. وفى هذا التوجيه تحددت إستراتيجية الحرب، بما فيها أهدافها، وقد وقعه الرئيس السادات بتاريخ أول أكتوبر 1973»... «وترتب على هذا التوجيه إصدار التوجيه الثانى للفريق أول أحمد إسماعيل ببدء العمليات العسكرية، ووقعه الرئيس السادات يوم 5 أكتوبر 1973». ويقول هيكل: «إننى أنا الذي كتبت للرئيس السادات خطابه أمام مجلس الشعب بتاريخ 16 أكتوبر، وفيه أعلن الرئيس السادات خطته لما بعد المعارك، بما فيها مقترحاته لمؤتمر دولى في جنيف يجرى فيه حل الأزمة في إطار الأممالمتحدة وتنفيذ قرار مجلس الأمن رقم 242». ويقول اللواء سعد الدين الشاذلي - رئيس الأركان، المسئول الأول عن الإدارة العسكرية لحرب أكتوبر 1973 - في مذكراته: "قصة التوجيه الإستراتيجي التي ذكرها الرئيس السادات في الصفحة رقم 331 من مذكراته، بأسلوب روائي يقول فيه: "كنت قبل ذلك في سبتمبر 1973 قد أصدرت الأمر الإستراتيجي للقائد العام ووضعت فيه تصوري للهدف الإستراتيجي، وقد كان هذا الأمر هو الأول من نوعه في تاريخ مصر الحديث"، نعم لقد كان الأمر الأول من نوعه، ولكن لماذا؟ لأنه كانت هناك شكوكا خفية- مهما حاول الطرفان إخفاءها- بين رئيس الدولة ووزير الحربية. أكثر المحللين العسكريين الأجانب، كان يرى أن الهدف الإستراتيجى لحرب أكتوبر لم يكن سوى كسر جمود الموقف العسكري والسياسي الذي أصاب الحياة في مصر بالشلل لأكثر من 3 سنوات، وذلك بعبور القناة وتحرير جزء من الأرض في حرب محدودة تحت حماية مظلة صواريخ الدفاع الجوى ضد الطيران الإسرائيلى المتفوق، وكان آخر المحللين العسكريين الذي قال بذلك هو الأمريكى هو "آرثر لوفشتيت". ويقول الشاذلى في مذكراته: "وبعد انتهاء الحرب وفك الاشتباك الثاني في سبتمبر 1975، تكلم السادات ولأول مرة بان هدف القوات المسلحة من حرب أكتوبر 73 كان هو "احتلال شريحة من الأرض بعمق نحو 10 كيلومترات شرق القناة". رحم الله الرئيس السادات، الذي اغتالته جماعة مظلمة العقول، شهدت الاحتفال بنصر أكتوبر في عهد المعزول .