فكرت كثيرا كيف أستثمر وقتى فيما يفيد الناس ويفيدنى فى نفس الوقت؟ كيف أساعد الآخرين على استبيان طريق النجاح، فقررت أن يكون حديثى عن الاقتصاد، ولكن بأسلوب شيق لمن يريد أن يرتقى بفكره ويطوره، ويستثمر فيما يفيده ويفيد من حوله، فما أحوجنا أن ننفع الآخرين بعلمنا الذى تعلمناه، والذى سيحاسبنا الله عليه يوم القيامة لو بخلنا به على الآخرين، وقد كانت التطورات الاقتصادية الجارية من حولنا وكيفية التفاعل معها هو أهم ما يشغلنى، لذلك قررت أن أعد مجموعة من الحلقات عن الاقتصاد ومفهومه، وأطلقت عليها "ألف باء اقتصاد"؛ لأيسر على القارئ وأجعله يستشعر من الاسم، ونحن نتحدث عن مبادئ العلم ذاته، دون أن يدرى أنه يتعمق فيه بسهولة ويسر، وأول ما أستهل به هذه السلسلة من المقالات هو سؤال مهم لمن يريد أن يتعلم معنى الاقتصاد وبفكر متطور، والسؤال: كيف يكون فكرك متواكبًا مع هذا العصر الذى يشهد تطورات اقتصادية هائلة، ويتطلب منك أن تكون منتبهًا لما يدور فى العالم حولك؟ فنحن اليوم فى عصر العولمة، عصر اتفاقية الجات، والسنين المقبلة ستشهد تغيرات كبيرة جدًّا، ولذا فمهم لك أن تعرف كيف تستثمر مواردك وأموالك بطريقة علمية صحيحة، فكلما تطور الزمان كلما تعقدت الأمور أكثر وأكثر، وصارت الاجتهادات الفردية غير المبنية على أسس علمية أبعد وأبعد عن الحل الأصوب، بل وعن الصواب عموما، ولذلك عليك أن تتعلم ماهية علم الاقتصاد؟ وما هو أصل المشكلة الاقتصادية؟ والسبيل لحلها؟ وأسئلة كثيرة سنذكرها لتفتح لك الطريق فى أن يكون الموضوع شيقًا وجذابًا للقراءة والتنفيذ. علم الاقتصاد هو 'العلم الذى يسعى إلى حل المشكلة الاقتصادية".
فما هى المشكلة الاقتصادية؟ المشكلة الاقتصادية تتلخص فى أن: الحاجات أكبر من الموارد. وما المقصود بالحاجات؟ وما هى الموارد؟ الحاجات: هى تلك الرغبات الملحة لدى الفرد للحصول على سلع أو خدمات، وأهم خصائص هذه الحاجات أنها لا تنتهى أبدا، بل هى متجددة ومتعددة دائما. مثال توضيحى: لو أخذنا مثلا لذلك؛ شخص بسيط له حاجات وطموحات كثيرة جدا فى الحياة؛ فهو يحتاج أن يتزوج ويشترى شقة ويشترى سيارة تعجبه، ويغير هاتفه المحمول، ويحتاج أن يرفه عن نفسه بالذهاب فى رحلة ترفيهية، وهكذا له حاجات متعددة لا تنتهى أبدا، وكلما أشبع حاجة معينة تولدت مكانها حاجات أخرى. وتعتبر الموارد محدودة ونادرة نسبيًّا مقارنة بحاجات الأفراد، والمقصود بالندرة النسبية وجود الشىء مع عدم كفايته. فالفرد: مهما كان غنيًّا فإن موارده محدودة لا يدرى كيف يستثمر أمواله، هل يضعها فى مشروع معمارى أم يضعها فى مصنع، أم يضعها فى البنك أم يشترى بها قطعة أرض؟ والمنظمة: مواردها أيضا محدودة، لا تدرى كيف تتجه الفترة المقبلة، هل تركز التكاليف على رفع الجودة، أم على تسويق المنتجات، أم على فتح فروع جديدة للشركة؟ والمجتمع: موارده أيضا محدودة، هل يركز على قضاء الديون، أم على القضاء على البطالة، أم رفع مستوى الخدمة؟
عملية الاختيار بين البدائل المتاحة: مسألة الاختيار مسألة خطيرة جدا، فحينما تختار أن تصرف مالك لشراء شىء معين، وليكن مثلا سيارة، فمعنى ذلك أنك تخسر شيئا آخر، كشراء شقة مثلا، وحينما تقرر أن تستثمر أموالك فى إنشاء مصنع، فمعنى ذلك أنك خسرت استثمار هذا المال فى العقارات. مثال توضيحى: ولنوضح لك المشكلة ببساطة أكثر، تخيل معى فتاة تقدم إليها شابان للزواج، الشابان يتمتعان بأخلاق عالية وصفات حميدة، فمعنى أنها تختار واحدًا منهما ليتزوجها أنها تخسر الآخر فى الحال، ولذلك هناك مثل إنجليزى يقول when you choose you loose أى حينما تختار فرصة معينة لتستثمرها فأنت تضيع فى ذات الوقت فرصة أخرى، وهذا ما يسمى بالفرصة البديلة.
لذلك نصيحتى للجميع ولنفسى أقولها لكل طموح، لكل من يريد النجاح: "اغتنم حياتك بطريقة اقتصادية، اغتنم وقتك بطريقة اقتصادية، فأنت حين تقضى ساعتين من وقتك فى غير منفعة أنت بذلك تضيع فرصة أخرى، كان يمكنك قراءة كتاب مفيد، كان يمكنك صلة رحمك، كان يمكنك تربية أولادك، وكان يمكنك فعل أشياء أخرى كثيرة أكثر منفعة لك، وصدق رسول الله صلى الله علية وسلم إذ يقول: "نعمتان مغبون فيهما كثير من.. الناس الصحة والفراغ". [email protected]