سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
"زويل".. العالم المصري الذي تفوق على "الأمريكان" يصارع المرض.. صوت الأذان كان متعته في دمنهور.. يقول إن مصر علمته أهمية التعليم والعلم.. ويؤمن بأهمية روح الفريق في الإنجاز العلمي
كان وقع خبر مرض الدكتور أحمد زويل العالم المصري بورم في النخاع أو ما يعرف ب"سرطان النخاع الشوكي" شديدًا على المصريين ، الذين تلقوه بمزيد من الحزن وتزايدت الدعوات له بالشفاء. تعبر حكاية الدكتور "زويل" العالم المصري عن كفاح شاب مصري أراد النجاح ولم يستسلم لظروف الفقر أو الإحباط، فكان له ما أراد، فقد ولد "زويل" في مدينة دمنهور بالبحيرة في 26 فبراير 1946 لأسرة مصرية بسيطة، الأب كان يعمل مراقبًا فنيا بصحة "دسوق"، وهو الابن الوحيد على ثلاث بنات؛ هانم، سهام، ونعمة. حصل على الشهادتين الابتدائية والإعدادية من مدرسة النهضة، وحصل على الثانوية من مدرسة دسوق، التي انتقل إليها والده للعمل، والتحق "زويل" بكلية العلوم جامعة الإسكندرية وحصل على البكالوريوس عام 1967 بتقدير عام امتياز مع مرتبة الشرف. حصل "زويل" على "الماجستير" في علم الأطياف عام 1969، وسافر بعدها للولايات المتحدةالأمريكية، ليبدأ رحلته للحصول على الدكتوراه من جامعة "بنسلفانيا" عام 1974، وعمل خلال تلك الفترة معيدًا وزميلًا وباحثًا بنفس الجامعة. حصل "زويل" على زمالة جامعة "بيركلي" عام 1975، وعمل أستاذا مساعدا للطبيعة الكيميائية بمعهد "كاليفورنيا للتكنولوجيا"، "كالتكCALTECH"، في "باسادينا Pasadena" من عام 1976 حتى عام 1978، ثم أستاذًا بنفس المعهد. استطاع "زويل" أثناء عمله العلمي في الولاياتالمتحدة أن يترقى يوما بعد الآخر حتى أصبح أحد أساطير العلم بها، وكان أهم إنجازاته العلمية في مجال الكيمياء(الفيمتو ثانية)، واستطاع لأول مرة في تاريخ العلم، تصوير عملية التفاعل الكيميائي التي لا تستغرق سوى ثانية من مليون من البليون جزء من الثانية، وغَير بذلك من علم الكيمياء الحديثة، فلم يكن العالم يعرف بالضبط ماذا يحدث أثناء تلك اللحظة، ولا الوقت الذي تستغرقه، وسلم العلماء طيلة السنوات الخمسين الماضية بالصورة التقريبية التي وضعها "ماكس بورن"، و"روبرت أوبنهايم" بما يسمى باللحظة الانتقالية التي تنفك خلالها الروابط الكيميائية للجزيئات وتقترن بجزيئات مادة أخرى ويتولد عنها جزيء جديد لمادة جديدة. صمم "زويل" كاميرا جزيئية لتصوير عملية التفاعل التي تحدث في وقت مثل ثانية واحدة في فيلم يستغرق عرضه 32 مليون سنة!.. وكانت النتيجة أكثر من "30" جائزة دولية.. فقد حصل عام 1981 على جائزة بحوث الكيمياء المتميزة من مؤسسة (N.R.C) ببلجيكا، واختارته الجمعية الأمريكية للطبيعة زميلا لها عام 1982. وخلال عامي 1982 و1984 منحته المؤسسة القومية الأمريكية للعلوم جائزتها، وفي عام 1989 حصل على جائزة الملك فيصل في الطبيعة، وبذلك يكون أول عربي حصل على هذه الجائزة في العلوم، وجائزة "هوكست" 1990، وقد تم اختياره في نفس العام كنموذج للشخصية المصرية الأمريكية، كما حصل على الدكتوراه الفخرية من جامعة "أكسفورد" عام 1991، وفي عام 1993 حصل على جائزة وكالة "ناسا" للفضاء، ووشاح النيل عام 1994، والدكتوراه في العلوم، الأرقى من دكتوراه فلسفة العلوم، عام 1993 من الجامعة الأمريكية. وحصل على جائزة "ماكس بلانك" أرفع الجوائز الألمانية، وجائزة "ويش" وجائزة "بنيامين فرانكلين" الأمريكية، وسام وميدالية ذهبية، في مايو 1998، وهي الجائزة التي سبق وحصل عليها "ألبرت أينشتين" ومدام "كوري" مكتشفة الراديوم، والأخوان "رايت"، وقد تسلمها "زويل" في مدينة "هيوستن" الأمريكية بحضور الرئيس "كارتر" والرئيس "جيرالد فورد" ونحو 1500 مدعو من كبار الشخصيات وصفوة المجتمع الأمريكي. وحصل "زويل" على العديد من شهادات الدكتوراه الفخرية، وعضوية معظم المنتديات والتجمعات العلمية الرئيسة في العالم واختير عام 1988 الشخصية رقم "18" الأكثر تأثيرا في الولاياتالمتحدة، وفي عام 1999 حصل "زويل" على جائزة "نوبل" في الكيمياء الحيوية وبذلك يكون أول عالم مصري وعربي يحصل على هذه الجائزة التي لا يحصل عليها سوى علماء الغرب. يقول "زويل" عن نشأته:" نشأت نشأة دينية وسط عائلة "زويل" التي هي عائلة كبيرة، ومعروفة في دمنهور، وكان يطربني صوت المؤذن في جامع سيدي إبراهيم الدسوقي، حين كنت أسهر وزملائي للمذاكرة حتى أذان الفجر، هذا الصفاء الروحاني وبساطة الحياة، منحاني الثقة والنظرة المتعمقة والشاملة للحياة، والدي لم يكن رجلًا حاصلًا على تعليم عال، لكن الحياة بالنسبة له كانت جميلة وبسيطة، وأهم شيء فيها هو حب الناس ومعرفتهم، أما أمي فكنت أراها تعيش كل حياتها لإسعادي ولكي أصل إلى أحسن المراكز، وكان هدفها أن أكون في يوم من الأيام دكتورًا "طبيبا"، كان هذا يحيطني بشعور وجداني إنساني قوي، يربطني بالأسرة، ويربطني بالمجتمع.. ويعلمني أن الإنسان مهما بلغ أعلى المراكز وحصل على أرفع الجوائز، فالدنيا تظل بسيطة، وأهم ما فيها العنصر الإنساني، وإيماني بأن الدنيا لازالت بخير، هذه هي المبادئ التي حملتها معي هدية لي من مصر في سفري لأمريكا". وحكى أنه "في الإسكندرية، اختلفت الأمور، إذ صرت وحيدًا، استأجرت مع مجموعة من الزملاء "فيلا" صغيرة في "سبورتنج".. وكانت أجمل أيام حياتي.. فلا مسئوليات البتة، اللهم إلا المذاكرة والتحصيل وكان الهم الأوحد هو الحصول على ترتيب متقدم على الدفعة.. أما فسحتنا فكانت في محطة الرمل، وعندما التحقت بالكلية عام 1963 كان الحرم الجامعي من أعظم الأماكن التي عشت فيها في حياتي كلها.. الأساتذة علمونا جيدًا وقابلونا بصدر رحب، وأتذكر حتى الآن أسماء أساتذتي بعد 30 سنة.. الدكتور "الشناوي" كان يدخل المدرج مرتديا البالطو الأبيض وقد أعد المحاضرة جيدا وكنا نخاف من هيبة هذا الأستاذ.. وعندما دخلت الكلية سالت الدموع من عيني، وكانت أمنيتي في يوم من الأيام أن أكون مثل هذا الدكتور". وقال زويل:" سافرت إلى أمريكا، كان هذا في عام 1969 وعمري وقتها 23سنة، لا أعرف شيئًا عن الليزر، ولم أكن قد سمعت به أبدًا، ولا حتى سمعت عن جائزة "نوبل"، لكني لم أخرج من مصر خالي الوفاض، فأنا كنت محملا بما أهدتني إياه مصر، وهو يمثل عوامل أساسية ساعدتني على أن أفعل ما فعلته فيما بعد". وكان يقول: "مصر أعطتني الأساس الصلب الذي ضم الثقة والاحترام والمبادئ والإيمان، وهي القاعدة التي لا تجعل الإنسان يهتز بسهولة.. مصر علمتني أهمية التعليم والعلم، وكلما كنت أحرز نجاحا كان المجتمع الذي ولدت فيه يفرح ويفخر بما حققته من نجاح، وتقدم لي أسرتي الصغيرة الهدايا، وأسمعهم يقولون لي على سبيل المثال: "أنت رفعت رأسنا". وكنت أسعد وأنا أرى صورتي في الصحف المصرية، لأنني جئت الأول في ترتيب الناجحين.. هذا كان يوجد لدي شعورا غامرا بأن العلم شيء له أهميته التي لا تقدر بثمن، وأن من المهم أن يُعلم الإنسان نفسه". وبالرغم من الجوائز التي حصل عليها والجهد الذي قام به لكنه كان يتذكر دائمًا روح الفريق وأهميته في الإنجاز العلمي ويقول:" أنا لا أدعي أنني أنجزت ما أنجزت وحدي، ولكني كنت على رأس فريق عمل مكون من 130 باحثًا من حملة أو دارسي الدكتوراه، فاستطعنا معا أن ننشر 300 بحث ونضع 8 كتب في مجالات مختلفة.. لكن هناك شيئين عالميين أنجزنهما وأعتز بهما كأبنائي، الأول في الليزر، والثاني براءة اختراع في الطاقة الشمسية.. وهذا يوضح أن العالِم مهما كان غزير الإنتاج فإنه في نهاية مشواره العلمي يكفيه شيئان ذوا قيمة.. وكذلك أنا، فلو استطعت في ختام حياتي العلمية أن أحصي ثلاثة أو أربعة أشياء فسأعتبر نفسي محظوظا جدا". وكان الدكتور "زويل" حديث الإعلام في العامين الماضيين بسبب أزمة جامعة "زويل" وجامعة النيل، فقد كان ل"زويل" حلم أن يكون صرحا علميا ينشر العلم في ربوع مصر وتخرج منه الأبحاث التي تفيد البشرية، والعلماء الذين يؤكدون على مكانة مصر العلمية في المرحلة القادمة.