يبدو أن مبدأ الوطنية عند بعض اليمينيين الشعبويين في أوروبا يقف عند المال. فضيحة زعيم حزب الحرية النمساوي هاينتس-كريستيان شتراخه، كشفت النقاب عن مصادر تمويل الأحزاب الشعبوية اليمينية وطرحت تساؤلات عديدة. من مركز الأبحاث CORRECTIV، تحدث ماركوس بنسمان عن طبيعة التمويلات، التي تحصل عليها الأحزاب الشعبوية: "قد تكون الحالة النمساوية خطًا تسير عليه باقي الأحزاب الشعبوية الأخرى". وأضاف: "التمويل هو عبارة عن تبرعات مواطنين أثرياء ويكون مقابلها وعود". بنسمان يعرف جيدًا عن ماذا يتحدث، إذ ساهمت تحقيقاته في فرض إدارة البوندستاغ عقوبة مالية ضخمة على حزب البديل من أجل ألمانيا بمبلغ 402.900 يورو في أبريل من العام الجاري، والسبب يعود وفقًا لإدارة البوندستاج إلى أن الحزب قبل مساعدة مالية غير قانونية في الحملة الانتخابية مصدرها من سويسرا. سياسة الحزب "غير الربحية" يرى بنسمان أن حصول حزب معين على تمويل من جهات أخرى، هو "أمر شائع للغاية في الحملة الانتخابية الأمريكية". ولكن بعد فضيحة الفيديو لزعيم الحزب اليميني الشعبوي، هاينتس-كريستيان شتراخه، فإن السؤال، الذي يطرح نفسه هنا، هو : "إلى أي مدى قد يكون حزب البديل من أجل ألمانيا على استعداد لبيع بلاده كما أقدم على ذلك بالفعل شتراخه؟" لا يقتصر التورط في فضائح مالية على حزب البديل من أجل ألمانيا وحزب الحرية النمساوي، بل هناك أسماء عديدة تنتمي لليمين الشعبوي من مختلف البلدان الأوروبية متورطة في التمويل غير القانوني ومن بينها نايجل فاراج، مارين لوبان، ماتيو سالفيني، ياروساو كاتسينسكي، يورغ موثن وفيكتور أوربان. والقائمة لا تزال طويلة، إذ تحقق لجنة من داخل البرلمان الأوروبي حاليًا في الاشتباه بتورط مرشح بريطانيا المفضل خلال الانتخابات الأوروبية، نايجل فاراج في الحصول على تبرع غير قانوني. بعد استفتاء خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي في عام 2016 في بريطانيا، يشتبه في أن رئيس حزب الاستقلال آنذاك، والمعادي للاتحاد الأوروبي، قد حصل بشكل غير قانوني على أكثر من نصف مليون يورو من رجل الأعمال آرون بانكس. تمويل سري للانتخابات في ألمانيا، تحدثت منظمة "لوبي كونترول" في مارس من هذا العام عن الاشتباه في استفادة سياسيي حزب البديل من أجل ألمانيا، غيدو رايل ويورغ مويثن من التمويل السري. رئيس الحزب مويثن هو المرشح الرئيسي لحزب البديل من أجل ألمانيا في الانتخابات الأوروبية، ويليه رايل في المرتبة الثانية. في إيطاليا، حُكم على مؤسس حزب ليغا الحاكم، أومبرتو بوسي، في نوفمبر عام 2018 بتهمة اختلاس أموال الحزب لمدة سنة وعشرة أشهر، كما فرض على حزب ليغا تسديد مبلغ 49 مليون يورو للدولة. مصدر التمويل "أبراج كاتشينسكي" في بولندا، كشفت الصحيفة الليبرالية " جازيتا ويبوركزا " في بداية العام عن تعاملات تجارية في قطاع العقارات لرئيس حزب القانون والعدالة البولندي، ياروسلاف كاتشينسكي تذهب لصالح حزبه. وبعد ذلك تم التوصل إلى أن إيرادات الإيجار من "أبراج كاتشينسكي" في وسط وارسو كانت تصب مباشرة داخل خزينة حزب القانون والعدالة البولندي. في فرنسا، في نهاية عام 2018، قضت محكمة الاستئناف في باريس بحق إساءة حزب التجمع الوطني (حزب الجبهة الوطنية سابقًا) باستخدامه مليون يورو من الأموال العامة في الانتخابات. ويُفترض إن حزب مارين لوبان اختلس عن طريق وظائف وهمية في البرلمان الأوروبي ما مجموعه سبعة ملايين يورو. وبحسب تحقيقات وسائل الإعلام الفرنسية، تلقى حزب التجمع الوطني أيضًا تسعة ملايين يورو من مصرف "First Czech-Russian Bank" لتمويل الحملة الانتخابية للاتحاد الأوروبي لعام 2014. في الوقت، الذي كانت تطالب فيه لوبان البرلمان الأوروبي باستمرار، برفع عقوبات الاتحاد الأوروبي ضد روسيا. تمويل "غير منظم" بحسب مراقبين، فإن تمويل الأحزاب السياسية في المجر "غير منظم" بشكل تام. ويرى بولتشي هونيادي، المحلل السياسي من مركزThink Tank Political Capital: "على الرغم من أنه يتعين على الأحزاب تقديم تقرير مالي كل عام، إلا أنه لا يتم فحص هذه التقارير بجدية من قبل السلطات المختصة". يرى هونيادي أنه ليس من المفاجئ أن يساوي اليمينيون الشعبويون المصالح الوطنية بمصالحهم السياسية بشكل مثير للسخرية. فإلى جانب التمويل الحكومي للأحزاب، هناك طرق أخرى للتمويل السري على سبيل المثال عن طريق التبرعات للمنظمات الرياضية والتي يمكن خصمها من ضريبة الشركات. ثغرات قانونية عديدة يلقي الخبير ماركوس بنسمان من مركز الأبحاث CORRECTIV باللوم على الثغرات في التشريعات الوطنية الخاصة بالتبرعات للأحزاب وقال بنسمان: "لدى العديد من الأحزاب في البوندستاغ مصلحة في الإبقاء على قانون الأحزاب متساهلًا لأنه يعمل لصالحها. هناك حاجة ماسة إلى التغيير". في ألمانيا، على سبيل المثال، يجب على المنظمات أو الأفراد الذين يروجون أو يتبرعون للأحزاب أن يعلنوا عن تبرعهم فقط في حالة كان الحزب على علم بذلك وكان هناك صلة بين المتبرع والحزب أيضًا. في إيطاليا، ساعد الإلغاء المؤقت للتمويل الحكومي للأحزاب في ديسمبر عام 2013 على تنشيط جهات مانحة جديدة من الخارج والتي لا تخضع لقوانين صارمة، على عكس التبرعات المحلية. ولكن ليست إيطاليا المثال الوحيد، الذي يظهر أن القوميين يعبرون حدود بلدانهم عند البحث عن المال، وبهذا الخصوص قال بنسمان: "يظهر شريط فيديو شتراخه أن الحركات الشعبوية اليمينية الكلاسيكية، عندما يتعلق الأمر بالوطنية، لا تخاف من خيانة الوطن. وهذا يضرب جوهر العلامة التجارية للحركة اليمينية". هذا المحتوى من موقع دوتش فيل اضغط هنا لعرض الموضوع بالكامل