«الديمقراطية.. الحرية.. والثورة»، وإن كانت الكلمات الثلاث يمكن أن تصبح «هدفا واحدا»، إلا أن عاملًا مشتركًا آخر يربط بين المصطلحات الثلاثة، ألا وهو «تاء التأنيث»، ولهذا لم يكن غريبًا أن يكون العالم – وليس السودان – فقط على موعد مع «أنثى» تقلب الموازين، تجعل الجميع يعيدون الحسابات الثورية، يتحسسون مواضعهم بعدما أصبحت «العورة» ثورة..! مطلع الأسبوع الماضي، ضجت مواقع التواصل الاجتماعي بمقطع فيديو لفتاة سودانية، تقف على سقف سيارة في العاصمة السودانية الخرطوم، ترتدي الثوب السوداني المميز، تلقى شعرًا وتدندن بأغانٍ تبعتها بهتاف «ثورة»، رافعةً شعار «حبوبتي كنداكة»، حبوبتي تعني الجدة، وال«كنداكة» وصف خاص بالملكات النوبيات في السودان قديما، نساء حاربن بقوة دفاعا عن بلدهن وحقوقهن، وخلفوا من ورائهن تاريخًا طويلًا من النضال والانتصار. ولأننا نعيش في «عصر السرعة».. فما هي إلا ساعات قليلة، وتحولت الفتاة السودانية «آلاء صلاح»، صاحبة ال 22 ربيعا، إلى أيقونة ثورة السودان التي نجحت في إسقاط حكم الرئيس السودانى عمر البشير، بعد بقائه على سدة الحكم فترة وصلت إلى 30 عاما. «آلاء» طالبة في السنة الرابعة بكلية الهندسة المعمارية جامعة السودان العالمية، ومقيمة بقرية الحاج يوسف شرق النيل، وتنتمي لأسرة سودانية بسيطة مكونة من 6 أشقاء (3 إخوة و3 أخوات) إلى جانب الأب والأم. «فيتو» حاورت الفتاة السودانية التي تحولت لأيقونة ثورية للوقوف على الدور الذي تلعبه المرأة في الحياة هناك، إلى جانب التعرف على موقف الثوار من القرارات الأخيرة سواء تلك المتعلقة ب«محاكمة رموز نظام البشير» أو الفترة الانتقالية التي أعلن عنها المجلس الانتقالي العسكري السوداني، إلى جانب رسائلها للمرأة العربية.. وإلى نص الحوار. بداية.. ما مطالبكم في الشارع السوداني؟ أولا المحاسبة الفورية العاجلة لرموز النظام السابق الذين سفكوا دماء أبناء الشعب السوداني، وأجهضوا كل فرص التغيير طوال الثلاثين عاما الماضية، ومحاسبة المفسدين الذي حطموا الاقتصاد وانتفعوا لصالح أنفسهم، الذين أراقوا الدماء وتسببوا في حالة التأخر الشديد الذي شهدته البلاد، كما نطالب بحل المؤسسات الأمنية التابعة للنظام السابق حتى لا تنتج الأزمة مرة أخرى ولا نحظى بسيناريو يمكن أن يكون خديعة للثورة الشعبية وسرقتها واختطافها، فضلا عن ضرورة نزع السلاح من كل القوات غير النظامية. لماذا وقع اختيارك على اللون الأبيض ليكون رداءك؟ هذا الزي الرسمي للمرأة السودانية العاملة في الهيئات الحكومية، وهو يرمز للمرأة السودانية القوية في سابق عهدها، كانت قوية وشجاعة ومناضلة وصامدة فهو يمثل رمزية للمرأة القائدة. برأيك ومن واقع تجربتك.. هل تعاني المرأة السودانية من الظلم والتهميش؟ لا يمكن القول إن المرأة السودانية تعاني من التهميش، فهي حاضرة طوال الوقت في تكوين المجتمع السوداني، إذ إنها موجودة على مر التاريخ ولم تغب عن المشهد في كل المناسبات الاجتماعية أو السياسية في الحقب التاريخية كافة. صراحة.. هل توقعتِ هذا الاهتمام العالمي بكِ والاحتفاء من العالم أجمع وأن تتحولي إلى أيقونة للثورة السودانية؟ حقيقة.. لم أتوقع كل ذلك الاهتمام، فأنا واحدة من عديدات شاركن في الثورة السودانية من أجل الدفاع عن حقوقهن ومطالبهن، وكنت آمل من العالم الالتفات إلى القضية السودانية والثورة منذ بدايتها، ولا أدعي أنني أيقونة للثورة السودانية، فكل النساء أيقونات للثورة ولست الوحيدة التي شاركت في اعتصام القيادة العامة. هل مشاركتك في الأحداث الأخيرة تعتبر الأولى أم أن لكِ مشاركات أخرى سواء داخل الجامعة أو في أحزاب؟ لا يمكن القول إنها مشاركة سياسية، فقد خرجت حبا للوطن ودفاعا عن حقوقنا المهدرة من قبل نظام عمر البشير، وبشكل عام وقاطع إنني لا أنتمى لأي حزب أو حركة سياسية بل أرفع شعار "السودان أولا" فوق كل حزب أو طائفة. صراحة.. هل كنتِ تتوقعين نجاح الثورة السودانية؟ نعم.. خرجنا وكلنا أمل وإيمان بالله، وإن إرادة الشعب سوف تنتصر وينجلي حكم الطاغية. ما رأيك في القرارات الأخيرة من جانب المجلس العسكري وعزل البشير؟ القرارات الأخيرة كانت بمثابة الصدمة ولم تكن مُرضِية بل كانت مُحبِطة، إذ تمثل التفافًا على مطالب الشعب السوداني، ومن جانبنا نحن باقون في الشارع لحين تحقيق مطالبنا، وأريد التأكيد أن الثورة قائمة لحين تحقيق مطالبنا، وسنكسر قانون الطوارئ مثلما كسرناه في وجود الرئيس السابق عمر البشير. هل تعيين الفريق عبدالفتاح البرهان كان مفاجأة لكم؟ كان مفاجأة كبيرة في أعقاب تنحي عوض بن عوف بعد يوم واحد فقط من توليه منصب رئاسة المجلس العسكري الانتقالي، وتعيين عبد الفتاح كان في البداية خبرًا سارًّا، غير أنه سرعان ما تحول إلى سخط لكون المجلس العسكري يضم بين أعضائه الكثير ممن يحسبون على الإسلاميين، هذا إلى جانب بطء استجابة المجلس لمطالب الثورة والتي يأتي على رأسها تسليم السلطة للمدنيين مع تمثيل عسكري، لأن المدنيين هم من خرجوا إلى الشارع منذ 4 أشهر وطالبوا بحقوقهم بحكومة ديمقراطية منتخبة ليتسنى لنا تأسيس دولة السودان التي نطمح بها منذ فجر الاستقلال. حديثك هذا يدفعني للسؤال الصعب.. هل يمكن أن تتعرض الثورة السودانية للسرقة؟ بالطبع لدينا مخاوفنا الكبيرة من الالتفاف عليه وسرقتها وذلك لم يأت من فراغ بل من تاريخ شاهد على سرقة الثورات من بين أيدي الشعوب، فإننا أول دولة أفريقية وعربية تخلصت من نظام ديكتاتوري مستبد بثورة شعبية ناجحة ورائدة في عامي 1964 و1985 ولدينا رصيد نضالي كبير منذ الاستعمار التركي ومن بعده الاستعمار الإنجليزي، لذا مخاوفنا من سرقة الثورة مشروعة جدا، خاصة أننا لم نحظ بالدولة السودانية الحقيقية التي نريدها منذ عقود ونرى أنها فرصة كبيرة لتأسيس الدولة التي نحلم بها، مع الأخذ في الاعتبار أن هذه الثورة تعد الثالثة منذ منتصف القرن الماضي التي نقوم بها لكننا لم ننجح لعدة عوامل كثيرة بداية من تأسيس المواطنة ودولة الحقوق والحريات والتقدم، ونرى أننا كجيل من الشباب لدينا مسئولية كبيرة تجاه بلادنا، وتضحية كبيرة حتى تحظى الأجيال القادمة بحياة أفضل وواقع أفضل وسودان أفضل ومنعا من تكرار سيناريوهات سرقة الثورات. هل هناك رسالة ترغبين في توجيهها إلى المرأة العربية؟ أتمنى أن تدرك دورها العظيم على مر التاريخ، وأن تعي أنها قادرة على قيادة الأمم، وأن تفتخر بتاريخها الطويل من النضال الدائم والمستمر إلى يومنا هذا لتنال حقوقها وعدم الرضوخ لتنميطها في المجتمع ووضعها في قالب ينبع من صميم العقلية الشرقية الذكورية، وعليها المشاركة وعدم الاكتفاء بالأدوار الصغيرة التي تضعها لها المجتمعات.