"اتفاق" جارية سوداء عشقها واقترن بها أسماء ثلاثة ملوك إخوة من أسرة قلاوون، علاوة على وزير ختمت به أيامها الحافلة، كانت نشأتها فى مدينة بلبيس عند امرأة من أهل الغناء، وقد اشترتها امرأة قاهرية من سيدتها بأقل من أربعمائة درهم، لتصير من أهل المغانى. تعلمت اتفاق الغناء، والألحان، والعزف، وبذلك أصبحت الأعلى ثمنا فى سوق الجوارى، بعد أن أرسلتها سيدتها القاهرية إلى موسيقى مشهور هو عيد على العجمى ليعلمها الأصوات والألحان، لتظهر حسن الاستعداد، فتعلمت ومهرت فى الموسيقى والغناء، وحينئذ رأت سيدتها أن تقدمها للبيت السلطانى ليكون النفع من وراءها أكثر. ذهبت «اتفاق» إلى البيت السلطانى، وكان فيه الملك الصالح إسماعيل (حكم فى الفترة من 743 إلى 746 ه) ابن السلطان الملك الناصر ناصر الدين محمد بن السلطان الملك المنصور قلاوون، وكان هذا السلطان شغوفا باللهو والطرب، محبا لأصحاب الملاهى، وكان الخدم والطواشية فى أيامه يتصرفون فى شئون المملكة، وإلى جانب ذلك كان يهوى الجوارى السود، فلما دخلت قصره لاءمت مشاربه، وناسبت ذوقه فى حب السود، وبخاصة عندما سمعها، وأظهر إعجابه بها بإعطائها وإسرافه فى العطاء، واتخذها محظية له (أى ذات حظوة عنده) وأقامت بالقلعة، ومكنت لها الأيام، ووطدت قدمها، وذلك عندما أنجبت ولدا ذكرا، وقد قابل السلطان هذا الحادث السعيد بالبشر والفرح، وأقام الحفلات الحافلة بقاعة الدهيشة، وأشعر المصريين أن مليكهم أنجب ولى العهد، وبذلك صارت «اتفاق» أم ولد لا تباع ولا تهدى، وتصير بعد وفاة زوجها حرة، وكثير من أبناء الجوارى تولوا الحكم فى الإسلام، ولا شك أنها غدت كوكبا لبيت القلاوونى. مرض الملك الصالح إسماعيل ومات، وخلفه فى الحكم أخوه السلطان الملك الكامل سيف الدين شعبان (حكم فى الفترة من 746- 747 ه حوالى سنة وشهرين) كان شغوفا باتفاق العوادة زوجة أخيه، فما إن مات أخوه حتى اقترن بها، وعمل على إسعادها. وكان الملك الكامل شعبان متزوجا ببنت الأمير بكتمر الساقى، فطلقها وتزوج بأختها، وأنجب منها ولدا ذكرا سرعان ما أدركه الردى، ثم ولدت له اتفاق ولدا ذكرا أسماه شاهنشاه، وسر به سرورا زائدا، وأقام له الأفراح سبعة أيام. أما اتفاق فقد أقبلت عليها الدنيا، وجدد السرور نفسها، وأغدق عليها السلطان ، فكان لها أربعون بذلة ثياب مرصعة بالجواهر، وستة عشر مقعد زركش، وثمانون مقنعة فيها ما قيمته عشرون ألف درهم، وأشياء غير ذلك. وهكذا أفاض الملك الكامل على اتفاق سرورا ورضا، وجعل أيامها جميلة مستطابة، وكان يمكن أن ترفل فى ملابسها الموشاة بالحجر الكريم والذهب الثمين زمنا أطول، إلا أن السلطان الكامل كان ظالما قاسيا غبيا سفاكا للدماء، مما أثار عليه أمراء المماليك، وحكام الأقاليم، وبعد قتال مرير بين الجانبين تمكن الثائرون من القبض على الملك، والزج به فى السجن، تم بعد ذلك قتله، وتولى السلطنة من بعده أخوه الملك المظفر زين الدين حاجى المعروف بأمير حاج فى مستهل جمادى الآخرة 747 ه، وظل فى الحكم حتى شهر رمضان 748 ه أى سنة وثلاثة أشهر. وقد أمر المظفر بإنزال أم الملك الكامل وحريمه من القلعة، ومعهن «اتفاق»، وصودرت ممتلكاتهن، إلا أنه عاد بعد ذلك وأمر بإرجاعها إلى أربابها.