بين السطور

فى الوقت الذى كان يتم فيه عسكرة المجتمع منذ عام 1952 بهدف إخضاعه لهيمنة النظام الحاكم، تم استخدام جهاز الشرطة لتفعيل ذلك المنهج الاستبدادى ودعمه، فأسندت إليه مهام تبعد عن دوره الأمنى الأساسى مثل إدارة الهجرة والجوازات والدفاع المدنى والأحوال المدنية وإداريات المرور وإدارة وتنظيم الانتخابات وتصاريح العمل وتنظيم الحج والعمرة والتصديق على الشهادات الإدارية قبل تقديمها للخارجية، وحتى رعاية الأحداث والهيمنة على تعيينات الأفراد بأجهزة الدولة بالموافقات أو الرفض للتضييق على خصوم النظام السياسيين، والسيطرة على إدارة الجامعات من خلال الحرس الجامعى..
وتضخم جهاز أمن الدولة حتى تصور الكيان الشرطى أن دوره ينحصر فى حماية الحاكم ونظامه، مع أن مهامه كما نص عليها الدستور تنحصر فى حفظ الأمن والقانون والآداب، وليس من ضمن مهامه الدستورية تقديم أى من الخدمات السابقة أو توظيفه فى أى دور سياسى.
ولم يكن الهدف من هذا التغول الشرطى فى المجتمع هو دعم الخدمة المدنية والإدارية، فالشرطة غير متخصصة فى ذلك ولا فاعلة فيه، بل كان الهدف هو بسط مفهوم الهيمنة الأمنية الصارمة على كل تلك الإدارات المدنية وصبغها بصبغة شرطية آمرة حتى يتم إضفاء جو من رهبة النظام الحاكم عليها، وترسيخ هيبته المستبدة ممثلةً فى رجل الشرطة الذى يهيمن على ذا الإجراء الإدارى ويتحكم فى منحه أو منعه، وأدى ذلك إلى تضخم الكيان الأدبى وهيبة رجل الشرطة وترسيخ سطوته النفسية القاهرة فى الشارع المصرى، مما أسهم ودفع المجتمع ليسقط فى هاوية العبودية للحاكم السيد، حيث كانت يد الشرطة الباطشة أهم أدواته على الإطلاق لترسيخ استبداده وفساده.
وما كان اختيار الثوار لبدء فاعليات الثورة فى يوم عيد الشرطة فى 25 يناير إلا ليكون ذلك رمزاً للانتفاضة ضد دورها السياسى وحمايتها للحاكم المستبد، ودورها فى تعبيد المجتمع وإخضاعه، فهل آن لها أن تعود لحماية أمن شعبها، وأن يسن لها ميثاقٌ يحصن كيانها ويضمن استقلالها، بعيداً عن سيطرة الحاكم المستبد.. وأمره !.