«مسافر ليل» تحيى الذكرى ال37 لرحيل صلاح عبد الصبور في مجلة روز اليوسف عام 1960 كتب الشاعر صلاح عبد الصبور (رحل في أغسطس 1981) يحكى ذكرياته مع مطربة الجبل اللبنانية "فيروز" فكتب يقول: أنا من عشاق فيروز، إن صوتها من أخصب الأصوات، ميزته أنك حين تسمعه تحس أن كل كلمة من كلمات الأغنية التي تغنيها تحمل معانيها كاملة. وحين كانت الطائرة تحلق بى متجهة إلى دمشق كنت أستعجل الزمن لأنى كنت أعلم أن فيروز ستغنى لآخر ليلة على مسرح معرض دمشق، لكن تأخرت طائرتى في الوصول فطارت فيروز إلى لبنان. وفى المساء كان الزميل صلاح جاهين والنائب اللبنانى أمين الحافظ وزوجته ليلى عسيران وأنا في الطريق إلى بيت فيروز في بكفيا. بعد ساعة من رعب الطريق المنحدر الذي يخلع القلب وقفنا أمام بيت فيروز، واستقبلنا الإخوان منصور وعاصى الرحبانى، وصافحتنا فيلاوز وهى تتمتم. إن فيروز ليست جميلة، إن جسمها صغير نحيل مثل جسم نجاة الصغيرة لكن وجه نجاة أجمل. فعيناها حلوتان هادئتان، وعين فيروز قاسيتان كأنهما محلقتان دائما وانفها معكوف ووجهها شاحب لكن الفن وحده جمال ليس بعده جمال. قلت لفيروز: لقد كنت أتمتم طول الطريق بقصيدة شوقى (وأغن أكحل من مها بكفيه) قالت فيروز باستغراب: شوقى؟ ونظرت إلى عاصى الرحبانى الذي بادرها قائلا: أيوة شوقى لقد كان يعشق لبنان ويزورها كل عام، وقامت فيروز تحتفى بالضيوف بيدها ترص الأطباق والشوك ولكن لا تجلس على المائدة. ثلاث ساعات في بيت فيروز وهى لم تنطق إلا بثلاث كلمات ونحن جميعا أنا وصلاح والإخوان رحبانى نتحدث عن الموسيقى والغناء ونتناقش في موسيقى عبد الوهاب وسيد درويش وصوت وديع الصافى وصوت عبد الحليم حافظ..وهى لا تتكلم خرجنا إلى الطريق وصورة فيروز في وجدانى شاحبة، وكان الافضل لى ولخيالى أن أظل أحس بها نغما طائرا، وان اتخيلها حديثا عذبا وظلا رقيقا. عدت وسألت نفسى لماذا لا نكتفى من الفنان بفنه فقط ونحاول أن نستمتع بشخصيته أيضا، وهل لابد أن يكون الشاعر العظيم متحدثا عظيما ؟أن الفنان الكبير يشق طريقه في الحياة بفنه فلماذا نطالبه أيضا أن يشق طريقه بخفة ظله وجمال وقع شخصيته على النفس كنت عندئذ أفكر في عبد الوهاب الذي لا يشبع الإنسان من حديثه وأن كلثوم التي كانت شخصيتها سياج فنها المعجز. وأنصاف الفنانين وأرباعهم هؤلاء المتسكعين على طريق الفن الذين تستهويك شخصياتهم وما فيها من بريق ويعيشون حياة فنية يتحدثون ويناقشون وينقدون ويسهرون حتى الصباح وكل شيء فيهم باهر إلا قطرات ضئيلة من الفن. صور مختلفة لفنانين وانصاف فنانين تختلف شخصياتهم وكلهم يدفعونك إلى التساؤل: أيهما أجمل الإنسان أم الفنان ؟ وأنا أميل إلى الإنسان. خفت أن أكون قد ظلمت فيروز وملت على صلاح جاهين نسأله: ما رأيك في شخصية فيروز ؟ فقال:والله ما أنا عارف.