«الشيطان».. أعظم مؤلف موسيقي لا يخطر ببال العامة عندما يستمعون إلى الموسيقى بجماليتها، أن لها بعدا آخر "شيطاني" إلى حد ما، لكن يختلف مصطلح الشيطانية في الموسيقى عما هو سائد بين عامة الناس وأصحاب الديانات، فبعض الموسيقى عبرت عن الشيطان كتَجسيد، وبعضها استخدم الصور الرمزية له في التمرد والعصيان، وهناك أساطير عدة تشير إلى عقد بعض الموسيقيين القدامى لصفقات مع الشيطان نفسه. وبحسب ما ذكرته مجلة "معازف" المتخصصة في الموسيقى في عدة دراسات لها، أن الموسيقى تنوعت في تناول الشيطان إلى ثلاثة أنواع: تشخيص الشيطان فهناك أعمال تعبر عن الشيطان شخصيًا ودراميًا، يظهر فيها شخص الشيطان، ونواجه في هذا المجال طابورًا طويلًا من المؤلفين وأعمالهم، كفالسات مفيستو الأربعة لفرانز ليست، حيث مفيستوفيليس هو اسم شيطان فاوست، أو أوبرا لعنة فاوست لبرليوز (وهو أقرب إلى عمل درامي للأوركسترا والأصوات المنفردة والكورال من كونه أوبرا)، أو وداع لوسيفر لشتوكهاوزن 15، هذه الأعمال تعالج موضوع الشيطان كشخص لا كرمز. الترميز فيما تأتي في النوع الثاني، أعمال بروجرامية أخرى تصور جوًا شيطانيًا، يتميز بالعبث، والشهوانية، والضحكات الشريرة، أشهرها العمل الكورالي كارمينا بورانا لكارل أورف، ورقصة المقابر لشارل-كامي سان صانص، أو ليلة على الجبل الأجرد لموسورسكي، أو سْكرتسو السيمفونية السادسة لتشايكوفسكي (وهي شبه بروجرامية لكن برنامجها لم يصرح به المؤلف)، أو الحركة الرابعة (العاصفة) من سيمفونية بيتهوفن السادسة. الأعمال غير بروجرامية التي تصور الشر أو التمرد بشكل عام، دون تشخيص للشيطان أو الشر: مثل السيمفونية الخامسة كلها لبيتهوفن، وسيمفونية تشايكوفسكي السادسة إذا اعتبرناها غير بروجرامية لأن برنامجها غامض، وأعمال كثيرة أخرى لعدد كبير من المؤلفين. أما شوستاكوفيتش فله في هذا المقام مكانة خاصة؛ ربما لأنه جسد الشيطان في أصوات الآلات التي حاول أن يعيد إنتاجها عن طريق الأوركسترا، وهذه الفئة من الأعمال لا تتعامل مع الشيطان كشخص أو كرمز، بل هي تتعلم من الشيطان معاني التمرد والثورة وتأليه الفرد، وتسير في مساره، وتكسر التابوهات الفنية، وربما تمجّد التناقض والتنافر واللا-نغمية، أي إنها أقرب إلى الشيطانية الرومانسية، أو الهيومانية، كما عرضناها أعلاه. صفقات الشيطان الأساطير التي تناولت أساطير الصفقات التي عقدها الموسيقيون مع الشيطان، كثيرة ومتعددة، يأتي في مقدمتهم الموسيقى روبرت جونسون، حيث يعتبر من أوائل عازفي موسيقى البلوز، أسلوبه المميز في العزف على الجيتار، أضاف الكثير لعالم الموسيقى، حيث لا يزال يصنف حتى الآن في المرتبة الخامسة بقائمة مجلة (Rolling Stone) لأعظم مائة عازف جيتار على الإطلاق. وبدأ بالعزف والغناء في الأزقة والشوارع، ورغم كونه أيقونة في موسيقى البلوز حاليًا، فإنه لم يحظَ بهذا النجاح الباهر في حياته، فكانت حياته كما موسيقاه كئيبة وتعيسة جدًا فقد لقي حتفه مسمومًا في ظروف غامضة، حتى إنه لا يعلم حتى الآن أين دُفن. وعن عقده صفقة مع الشيطان، هناك أسطورة قديمة تؤكد ذلك، فكانت لديه رغبة جامحة في أن يصبح مشهورًا، وكان يحلم أن يتقن العزف والغناء، وفي يوم أتاه الأمر أن يأخذ آلة الجيتار الخاصة به، ويذهب إلى ملتقى الطرق بولاية المسيسيبي عند منتصف الليل، حيث كانت هذه المنطقة آنذاك ساحة عالمية لإجراء الصفقات مع الشياطين، وبالفعل ذهب وهناك التقى بشخص ضخم أسود، إنه الشيطان الذي علّمه وجعله بارعًا في العزف على الجيتار. جوسبي تارتيني عازف كمان ملحن إيطالي، من كبار المؤلفين الموسيقيين في القرن الثامن عشر، له أكثر من 400 عمل موسيقي، وعلى عكس معاصريه لم يهتم تارتيني بالموسيقى الكنسية، فقد كانت معظم أعماله عزف منفرد على آلة الكمان وسوناتات، من أشهرها معزوفة الشيطان التي يزعم تارتيني أن الشيطان وراء هذه المعزوفة الخرافية. وحلم جوسبي تارتيني أنه أقام عهدًا مع الشيطان، وباع نفسه للشيطان الذي عرف كل أمنياته، وبعد انتهائه من الحديث مع الشيطان أعطاه آلة الكمان ليرى إن كان بإمكانه العزف، حينها أبهره ببراعته التي فاقت الوصف وحبست أنفاس تارتيني - على حد قوله. وعندما استيقظ تارتيني قام بتدوين ما تذكره من السوناتا التي عزفها الشيطان، وعلى الرغم من انهبار جمهوره بها، فإلنه عبر عن أسفه قائلًا إن ما عزفه بعيدًا تمامًا عما كان في الحلم، كما كتب في مذكراته.