اكتوى البيت الأبيض بنار السخرية من جميع أنحاء العالم بسبب تنصل الرئيس أوباما وتجاهله للأسلحة الكيميائية فى سوريا والخط الأحمر، وذلك بعد تسريبات من البيت الأبيض لصحيفة نيويورك تايمز تفيد بأن تصريحات أوباما لم يتم الإعداد لها وكانت مرتجلة وبالتالى غير جدية. فى اليوم التالى، خرج جاى كارنى المتحدث باسم البيت الأبيض بكلام عكس ما قيل ليؤكد أن تصريحات "الخط الأحمر" كانت مقصود ومتعمدة. ربما أوباما استخدم هذا المصطلح فى أغسطس الماضى ليظهر قويا ويبدو كقائد للعالم الحقيقى، فهو لم يتوقع أن تقوم سوريا بمثل هذا العمل المجنون، لذا فهو أراد أن يبدو حاسما دون فعل شىء ربما كان يعتقد أن سوريا قد تستخدم حقا الأسلحة الكيميائية فى يوم من الأيام، وعند حدوث هذا يفكر فى شىء ما. ولكن اللافت أنه وضع نفسه فى مأزق، وأصبح أمامه إما أن يضطر إلى الدخول فى حرب هو عاقد العزم على تجنبها، أو أن تفقد البلاد مصداقيتها، كقوة عظمى يعتمد عليها حلفاؤها فى تحقيق الأمان فالأمر ليس محرجا فقط بل خطيرا. وفى مؤتمره الصحفى الأخير، قال أوباما إنه يحتاج إلى دليل على تجاوز الخط الأحمر لضمان دعم المجتمع الدولى له. هذا أمر سخيف، فالمجتمع الدولى مجرد خيال، خاصة عندما يتعلق الأمر بسوريا، فروسيا وإيران وحزب الله بدأت الضرب بالفعل. وحتى بعد تأكده، فهو لن يتصرف حتى يمكنه التأكد من كل شىء وصولا إلى مصير غاز السارين فى سوريا. بعض الدول لديها خطوط حمراء حقيقية. إسرائيل ليس لديها أصدقاء على جانبى هذا الصراع بين السنة والشيعة فى المنطقة، لكنها لن تسمح بتغيير التوازن العسكرى الاستراتيجى مع حزب الله، الذى يمتلك بالفعل 60 ألف صاروخ موجه إلى إسرائيل. الجميع فى المنطقة يعرف أن نقل أسلحة كيميائية إلى حزب الله وامتلاكه صواريخ فتح -110 التى تستطيع بدقة الوصول إلى قلب تل أبيب، هو خط أحمر. ومن هنا جاءت الغارات الجوية الإسرائيلية حول دمشق على أسلحة متطورة فى طريقها إلى حزب الله. قلق إسرائيل ليس من هجمة مرتدة من دمشق بل من هجوم حزب الله. ولكن حزب الله قد ورط نفسه بالفعل فى الحرب السورية عن طريق إرسال مقاتلين إلى سوريا لإنقاذ حكم الأسد، وهو يعرف أن الحرب مع رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو ستكون أكثر شراسة من الحرب 2006 مع المتساهل إيهود أولمرت. الأكثر أهمية من ذلك إيران، التى تريد الحفاظ على ترسانة الصواريخ التى يمتلكها حسن نصر الله، تلك الترسانة التى تحتفظ بها إيران احتياطيا لردع أى هجوم إسرائيلى محتمل على البرنامج النووى. إن هذه الحسابات معقدة وتنطوى على بعض المخاطر. لكن فى ظل هذه الظروف، فإن إسرائيل ليس لديها خيار، ويجب أن تتصرف. لكن أمريكا لديها خيار. يمكنها أن تظل بعيدة، وهذا الخيار المحتمل. اليوم يبدو أملنا الوحيد فى دعم وتسليح سالم إدريس، القائد المتمرد الوحيد الذى يتحدث باعتدال وبنغمات التسامح. لكنه يمكن أن يتحول بسهولة، أو يمكن أن يسيطر عليه الجهاديون. فكما يقولون فى الشرق الأوسط: "أنت لا تشترى حلفاء بل تؤجرهم". الغارات الإسرائيلية الناجحة فى دمشق أوضحت أن فرض منطقة حظر جوى من قبل الغرب لن يتطلب حملة موسعة النطاق على غرار ليبيا لهزيمة الدفاع الجوى السورى. فالمروحيات والطائرات السورية يمكن دكها بسهولة فى حال شن هجمات على مدارج ومستودعات الطائرات ويمكن تنفيذ هذه العمليات، إن لم يكن بواسطة مقاتلين، فتكون بصواريخ كروز وغيرها من الأسلحة. لكن حتى هذا قد يكون أكبر من قدرات الرئيس الذى أكد أن موجة الحرب فى بلاده ستنحسر. إنها محاولة لتبرئة الذات بطريق عكسى عن طريق الانتظار لفترة كافية، فتختفى جميع الخيارات الأخرى، تماما كما اختفت الخطوط الحمراء. نقلا عن واشنطن بوست