فى أول أيام العام الجديد فضلّت أن آخذ قسطاً من الراحة بعد يوم شاق وبعد مباراة كرة قدم صعبة انتهت بالفوز، فأنا من عاشقى هذه الرياضة ممارسةً ومتابعةً، جلست فى غرفتى أرتشفُ بعضاً من مشروب الكاكاو وبجانبى جهاز الجرامافون أستمع إلى افتتاحية 1812 التى ألفها الموسيقار الروسى تشايكوفسكى، وقد سميت بهذا الاسم نسبة لسنة وقوع معركة بورودينو التى دارت رحاها ما بين جيش نابليون بونابرت والجيش الإمبراطورى الروسى بقيادة الجنرال ميخائيل كوتوزوف، فقد نجح الموسيقار العظيم تشايكوفسكى فى تصوير لوحة المعركة فتستطيع أن ترى ملامح الجيش الروسى وخيبة الفرنسيين من خلال هذه الافتتاحية البديعة. ودون الدخول فى تفاصيل تأليف الافتتاحية أو تحليلها موسيقياً فأنا من المؤمنين بنظرية دورة التاريخ فما حدث لنابليون بونابرت من هزيمة كبيرة فى هذه المعركة ما كان إلا بداية لانهيار الإمبراطوية الفرنسية وحلم التوسع الذى دفع نابليون للسيطرة على أوربا، ففى عام 1942 فى نفس المكان وبنفس الملابسات والدوافع، هاجم أدولف هتلر روسيا وكان مصيره نفس مصير نابليون وكانت النتائج مُتشابهة إلى حد كبير، كانت معركة ستالين جراد بداية نهاية انتصارات هتلر الخاطفة، بل إنه لولا غزو روسيا لاستطاع هتلر السيطرة على أوربا بالكامل، فدورة التاريخ واضحة لا نسطتيع أن نُغفل كثيرا من الأحداث التاريخية التى من الممكن أن تتكرر بكل تفاصيلها بل ونتائجها. بعيداً عن ثلوج روسيا وأحلام هتلر ونابليون فى التوسع فبالعودة للشرق الأوسط المشتعل والنظر إلى الواقع السورى الكارثى نجد أن المشكلة تزداد تعقيداً وأنا لا أتصور حلها دبلوماسياً أو عسكرياً فالمسألة معقدة بشكل لا يدعو للتفاؤل، فالشعب السورى يُقتل كل يوم بدم بارد ولا توجد مؤشرات على هدنة أو مبادرة لحقن الدماء، ومن جانب آخر هناك دول تبحث عن دور- وهذا حق سياسى مشروع- لتضخ أموالاً وتؤيد الحل العسكرى بل وتدعو لتدخل حلف الناتو كما حدث فى ليبيا، ففى ظل غياب الدور المصرى الذى كان فعالاً فى خمسينيات وستينيات القرن الماضى عندما كانت مصر لها الريادة والصدارة فى كثير من المجالات والذى كان ينعكس ذلك على صورة مصر الخارجية، فالموقف الرسمى المصرى الآن ضد النظام السورى "حزب البعث" وضد المجازر اليومية التى لا نرضى عنها ولا نقبلها ونتألم كثيراً لما يحدث لأشقائنا فى سوريا، لكن هل كان هذا الموقف سيكون مختلفاً إذا كانت جماعة الإخوان المسلمين السورية على رأس النظام؟ بالتأكيد المجازر اليومية وتدمير سوريا قلب العروبة النابض إلى جانب تطلعات بعض الدول الباحثة عن دور إقليمى من خلال المتاجرة بدماء الشهداء أمر لا يرضى عنه أحد، أيضاً التدخل العسكرى الخارجى سوف يزيد الوضع احتقاناً وسوءاً، وفى النهاية، فبالنظر إلى التاريخ نجد أنه فى عام 1913 حلّقت طائرة شراعية لأول مرة فى سماء سوريا وكانت طائرة تابعة للإمبراطورية العثمانية، فهل يشهد عام 2013 ونحن فى أول أيامه تحليق طائرات مقاتلة أجنبية فى سماء الشام؟!