* كل من يظن أن مصر من الممكن أن تنجح بها مثل هذه الدعاوى مخطئ * الإسكندر الأكبر ترك ديانته واعتنق ديانة قدماء المصريين قبل تتويجه * الفكرة صهيونية وهدفها تجريد الديانات من خصوصياتها * جينات المصرى مشبعة بالهوية المصرية ولا يمكن المساس بها * الغرب عجز عن تديين التصوف واستغلاله * الإنجليز حاولوا نشر مذهب يدعى القاديانية في الهند للتقريب بين الديانات الثلاثة * نسبوا دينهم الجديد إلى إبراهيم عليه السلام لمنزلته عند اليهود والمسيحيين والمسلمين "إنَّهم يدعونَ لدينٍ جديدٍ".. هذهِ ليستْ مزحة، بل واقعًا لا تخطئهُ العينُ المبصرة، مراكزُ أمريكية وصهيونية تعملُ بجهدٍ ودأبٍ، منْ أجلِ صناعةِ دينٍ رابعٍ، يفرِّغُ الأديانَ السماوية الثلاثةَ منْ مضامينِها، وينزعُ عنْ كتبِها المُقدَّسة قدسيتَها، يلعبُ على وترِ الخلافاتِ التي اصطنعها البشرُ في كلِّ دينٍ. الدينُ الجديدُ يحملُ أهدافًا سياسية بحتة، إذ يسعى لتمكينِ الولاياتِالمتحدةِ وإسرائيلَ منْ بسطِ سيطرتِهما وتحقيقِ أطماعمِها في العربِ والمسلمينَ الذين تحوَّلوا بإرادتِهم إلى فريسةٍ سهلةٍ لا حولَ لها ولا قوة. واللافتُ أنَّ رسلَ الدينِ العالمىِّ الجديدِ نسبوه زورًا وبُهتانًا، إلى نبىِّ اللهِ إبراهيمَ، عليهِ السلامُ، لإدراكهم منزلةِ الخليل بينَ اليهودِ والمسيحيينَ والمسلمينَ.. عنْ الدينِ الرابعِ، والجهاتِ والمنظماتِ والمراكزِ التي تعملُ منْ أجلِ ترويجِهِ والتمكينِ لهم، والدورِ الغائبِ للأزهرِ الشريفِ والكنيسةِ المصرية في التصدى له.. حاورت "فيتو" الدكتور عبد الراضى عبد المحسن، عميد كلية دار العلوم بجامعة القاهرة، وأستاذ الفلسفة الإسلامية ومقارنة الأديان، للحديث عما يعرف ب "الدين الإبراهيمي" المزعوم، ومصير الكتاب المقدس الذي يسعى أصحاب هذا الدين إلى طرحه، ومدى نجاح هذا المخطط في اختراق المنطقة.. وإلى نص الحوار: باختصار، ما تعريف ما يسمى بالدين الإبراهيمي؟ - الفكرة ببساطة تقوم على جمع الناس تحت راية لا يختلف عليها اثنان، من خلال جمع أهم التعاليم المشتركة بين الديانات السماوية الثلاثة، ونبذ مواطن الاختلاف بينها، ووضعها في قالب جديد يسمى بالدين الإبراهيمي، بهدف تجريد الديانات من خصوصياتها وحدودها. وما سبب تسميته نسبة إلى إبراهيم عليه السلام دون غيره من الأنبياء؟ - عندما يذكر إبراهيم، عليه السلام، لا يختلف عليه اليهودى أو المسيحى أو المسلم، نظرًا لقيمته العظيمة في كل ديانة على حدة، وبالتالى مثل هذا الأمر يمكن أن يكون مقُنعًا لأى شخص، عندما يتم توجيه الخطاب إليه تحت هذا الفكر.. ففى اليهودية هو أصل الديانة وأبو إسحاق، كما أن إبراهيم هو الذي حصل– بمفهوم العهد القديم - على الوعد الإلهى بامتلاك الأرض من النهر إلى البحر، أما عن المسيحية فيمثل إبراهيم الأصل العرقى لبنى إسرائيل الذين خرج من بينهم المسيح عيسى، عليه السلام، من جهة أمه مريم، كذلك بالنسبة للإسلام يمثل إبراهيم قاعدة التوحيد والديانة الحنيفية، كما هو مذكور في قوله تعالى: "ما كان إبراهيم يهوديًّا ولا نصرانيًّا ولكن كان حنيفًا مسلمًا"، وكذلك الإسلام يتبع الملة الحنيفية "ملَّة أبيكم إبراهيم". مَن وراء الدين الإبراهيمى وما أهدافهم؟ - مثل هذه الدعوات دائمًا ما تروجها مؤسسات منظمة، وبعد أن انتقل المحور السياسي إلى منطقة الشرق الأوسط، وأصبح الملف في يد أمريكا من الطبيعى أن تتبناه المؤسسات والمنظمات الأمريكية؛ بهدف السيطرة على منطقة الشرق الأوسط وإخضاعها لإسرائيل، لتحقيق مكاسب على الأرض من خلال إعادة بناء الوعى الدينى عند شعوب المنطقة في الاتجاه الذي يصب في الصالح الإسرائيلي، وهذا ليس بجديد فمنذ نحو ثلاثين عاما أشار الكاتب الفرنسى رجاء جارودي، في كتاب "فلسطين أرض الرسالات الإلهية"، إلى وجود هذه الدعوة وانتشارها في الاتجاه الذي يهدف إلى تمكين الوجود الإسرائيلى على أرض فلسطين. أعلنت مراكز "الدبلوماسية الروحية" التي تروج لهذا الدين عن إطلاق كتاب مقدس، فهل تنجح مساعيهم ويخرج هذا الكتاب إلى العلن؟ - ربما، ولكن يجب أن نعلم أن هذا ليس شيئًا فريدًا في التاريخ، فقد حاول الإنجليز نشر مذهب يدعى القاديانية في الهند، للتقريب بين الديانات الثلاثة، ثم ظهرت منذ عدة سنوات فرقة البهائية، وأصدروا كتابًا دينيا خاصا بهم، يتضمن مجموعة من التعاليم المشتركة بين الديانات السماوية الثلاثة أيضًا، ورغم الدعم المقدم لهم من قبل إسرائيل وأمريكا، ووجود أهم محفلين للبهائيين بحيفا وأمريكا فإن نسبة انتشارهم لا تذكر، فرغم بقائهم فإن أتباعهم ما زالوا أقلية لا تأثير لهم، ذلك أن مثل هذه الدعوات وطرح كتاب دينى ليس بالجديد، فعندما يفشل أي نموذج يحاولون طرح نموذج آخر بعد تطويره. برأيك ما مصير تلك الدعوة في مصر؟ - كل من يظن أن مصر من الممكن أن تنجح بها مثل هذه الدعاوى فهو مخطئ، فمصر طوال تاريخها جوهرة تشع أنوارها على كل من يجاورها أو يأتى إليها، تعطيه ولا تأخذ منه، بداية من الإسكندر الأكبر الذي ترك ديانته التي شبَّ عليها، واعتنق ديانة قدماء المصريين، قبل تتويجه، مرورًا بالاحتلال الفرنسى والإنجليزي، وفى اعتقادى أن التسامح، والتعايش الدينى الفريد الذي تنعم به مصر، والتفاف المسلمين والمسيحيين حول هدف مشترك وهو حماية الوطن، أفضل رد على هذه الدعوات، ففى ظل هذا التعايش يستطيع كل منا الاحتفاظ بخصوصية عقيدته، وفى نفس الوقت تزول أسباب الاختلاف والشقاق، التي يعتمد عليها مروجو ما يعرف الدين الإبراهيمي، فلو تم تعميم هذا النموذج المصرى بطلت أسباب ترويج هذا الفكر الذي يسعى لإلغاء خصوصية الأديان السماوية. تحت عنوان "الدبلوماسية الروحية"، وبشعارات رنانة كالتسامح ونبذ الاختلافات، تسعى المراكز المروجة للدين الإبراهيمى لاستغلال التيار الصوفى واختراق المجتمع العربى والإسلامي.. فهل تنجح؟ - للفكر الصوفى في مصر منزلة وطنية عظيمة، ولم يحدث أبدا أن استطاع الغرب في حملاته على مصر تديين التصوف واستغلاله، لأن جينات المصرى مشبعة بالهوية المصرية، ولا يمكن المساس بها، لو كانت إحدى الطرق انحرفت عن الطريق فهذا لا يشكل تهديدا لأن من بين عشرات الطرق هي نقطة في بحر لا تستطيع أن تترك أثرًا كبيرًا، خاصة أن باقى الطرق لم تتقبل هذا الفكر، فأن يخرج شخص أو طريقة أو مذهب أو حتى تيار، يتبنى فكرة فلن يستطيع أن يفرضها على باقى شعوب المنطقة، وخير مثال على ذلك، الأفكار التكفيرية التي انتشرت مؤخرا في العديد من دول المنطقة ودعم بعض الدول لها إلا أنها ما زالت مرفوضة من قبل عامة الشعوب. الحوار منقول بتصرف عن النسخة الورقية ل "فيتو"..