"تشريعية النواب" تعقد اجتماعًا لمناقشة مشروع قانون مجلس النواب.. غدًا    السيسي يصدق على ربط الحساب الختامي لموازنة صندوق التنمية الحضرية 2023-2024    رابط تحميل كراسة شروط حجز شقق سكن لكل المصريين 7    وزير الخارجية: حريصون على تنفيذ المحاور الستة للشراكة الاستراتيجية والشاملة بين مصر والاتحاد الأوروبى    إيطاليا تستدعي السفير الإسرائيلي بعد استهداف الوفد الدبلوماسي في جنين    روسيا: نعمل على تنفيذ الاتفاق مع أوكرانيا على تبادل ألف أسير من الجانبين    باكستان تتهم الهند بالوقوف وراء هجوم على حافلة مدرسية    أخبار الإمارات اليوم.. عبدالله بن زايد يبحث تعزيز العلاقات مع وزير خارجية أرمينيا    عكاظ السعودية: لا يوجد عرض رسمي من نيوم السعودي للتعاقد مع إمام عاشور    اعتماد نظام غير مسبوق لتصفيات بطولة يورو 2028    وزير الرياضة يستقبل بعثة الرياضيين العائدين من ليبيا    المشدد 10 سنوات للمتهم بتهديد فتاة بصور خادشة للحياء بالقليوبية    قصور الثقافة بالوادي الجديد تناقش تغير المناخ وتأثيره على البيئة    5 مسكنات طبيعية أثبتت فعاليتها في مواجهة الألم.. أشهرها الكركم    بعثة "الداخلية" تتوج خدماتها لحجاج القرعة بزيارة الروضة الشريفة.. فيديو    استمرار الجدل حول تشكيل جهاز ريفيرو.. والنحاس وشوقي مرشحان لمناصب إدارية بالأهلي    تحقيقات موسعة داخل لجنة الحكام لهذا السبب    واشنطن تعين سفيرها لدى تركيا مبعوثًا خاصا إلى سوريا    ضبط 7 أطنان دقيق مدعم قبل تهريبها للسوق السوداء بالشرقية    استعداداً ل«الأضحى».. محافظ الفيوم يوجه برفع درجة الاستعداد القصوى    البورصة توافق على قيد أسهم شركة يو للتمويل الاستهلاكى    جودي فوستر تتألق في جلسة تصوير فيلم "Vie Privée" بمهرجان كان    «بالتوفيق لأم ولادي».. منشور طلاق أحمد السقا ومها الصغير يثير الجدل وتفاعل من المشاهير    وزارة الأوقاف تنشر نص خطبة الجمعة بعنوان "فتتراحموا"    حكم طهارة المريض المحجوز بالعناية المركزة؟ دار الإفتاء تجيب    غدا.. انطلاق امتحانات الصف الأول الإعدادي 2025 الترم الثاني في القليوبية    صحة الدقهلية: ختام الدورة التدريبية النصف سنوية للعاملين بالمبادرات الرئاسية    محافظ أسوان يشارك فى إحتفالية فرع الهيئة العامة للإعتماد والرقابة الصحية    تقارير: جنابري يقترب من العودة لمنتخب ألمانيا    أسعار العملات العربية والأجنبية مقابل الجنيه بختام تعاملات اليوم 21 مايو 2025    قرار جديد من القضاء بشأن معارضة نجل الفنان محمد رمضان على إيداعه بدار رعاية    ولي عهد الفجيرة: مقتنيات دار الكتب المصرية ركيزة أساسية لفهم التطور التاريخي    المشاط: مباحثات حول انعقاد المؤتمر الدولي ال4 لتمويل التنمية بإسبانيا    مصرع محامي إثر حادث تصادم بين موتوسيكلين في الشرقية    قد يكون صيف عكس التوقعات.. جوارديولا يلمح بالرحيل عن مانشستر سيتي بسبب الصفقات    قومى المرأة بالبحر الأحمر تطلق مبادرة معا بالوعي نحميها بمشاركة نائب المحافظ    بعد ارتفاع الأسمنت إلى 4 آلاف جنيه للطن.. حماية المنافسة يعلق قرار خفض إنتاج الشركات لماذا؟    العثور على جثة حارس عقار داخل وحدة سكنية في قنا    إزالة 12 مخالفة بناء بمدينة الطود ضمن أعمال الموجة 26    363 شخصا فقط شاهدوه في أسبوع.. إيرادات صادمة ل فيلم استنساخ (بالأرقام)    تحرير 151 محضرًا للمحال المخالفة لمواعيد الغلق الرسمية    الرئيس السيسى ل الحكومة: ليه ميتعملش مصنع لإنتاج لبن الأطفال في مصر؟    لمواليد برج الحمل.. اعرف حظك في الأسبوع الأخير من مايو 2025    «بنسبة 100%».. شوبير يكشف مفاوضات الأهلي مع مدافع سوبر    قوات الحماية المدنية بالفيوم تنجح فى إنقاذ "قطتين" محتجزتين بأحد العقارات    بالأسماء.. «تعليم الإسكندرية» تحصد المركز الأول في المسابقة الثقافية المسيحية    زيارة ميدانية لطلاب جامعة بني سويف الأهلية إلى محطة كهرباء الكريمات    رئيس إذاعة القرآن الكريم الأسبق: أيام الحج فرصة عظيمة لتجديد أرواح المسلمين.. فيديو    ضبط شركة سياحية غير مرخصة بتهمة النصب والاحتيال على المواطنين    تثبيت دعائم الاستقرار    توفير فرص عمل لذوي الهمم في القطاع الخاص بالشرقية    استخراج جسم معدني خطير من جمجمة طفل دون مضاعفات بمستشفى الفيوم الجامعي    بالصور- محافظ أسيوط ينقل مريضة بسيارته الخاصة لاستكمال علاجها    هل يجوز سفر المرأة للحج بدون مَحْرَم؟..الأزهر للفتوى يجيب    بوتين: نخوض حرباً ضد النازيين الجدد    موعد وقفة عرفات وأول أيام عيد الأضحى المبارك 2025    الإيجار القديم.. محمود فوزي: الملاك استردوا استثماراتهم.. الشقة كانت تُباع بألف وتُؤجر ب15 جنيهًا    تفسير حلم أكل اللحم مع شخص أعرفه    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ساعة الصفر

قادة الجيوش ورؤساء الأفرع أكدوا قدرة القوات المسلحة على الهجوم فى اجتماع القناطر
القيادة المصرية أدخلت تعديلات على خطة الحرب التى شارك فى وضعها خبراء سوفييت
تقارير المخابرات الحربية أكدت وجود احتمالات كبيرة بأن يعرف العدو الاستعداد لعملية هجومية جديدة
اتفاق مصرى - سورى على تفاصيل المعركة فى اجتماع الإسكندرية و«طلاس» نقله ل «الأسد»
كانت التحركات المتكررة لوحدات القوات البرية وسلاح المهندسين المختلفة تشكل لغزاً‮ ‬للعدو، الذى لم يفهم الدافع وراء معظم تلك التحركات، فكان سلاح المهندسين يدفع فى النهار بمعدات العبور وببعض الجسور والكبارى فى اتجاه قناة السويس عند مواقع الجيشين الثانى والثالث الميدانيين ، ثم يعيد سحبها ليلاً،‮ ‬وكثيراً‮ ‬ما تحركت كتائب وألوية بالكامل شمالاً‮ ‬وجنوباً‮ ، ‬ومن الغرب إلى الشرق، وبالعكس دون أن يكون لذلك سبب مفهوم‮.‬. ووقع العدو فى الفخ،‮ ‬وظن لعدة مرات أن هناك استعدادات حقيقية للعبور،‮ ‬وأعلن حالة الطوارئ أكثر من مرة ليكتشف أنه تحمل الكثير من الأعباء الإدارية والمالية والعسكرية دون جدوي‮.
ترسخ فى وجدان القيادة الإسرائيلية أن هذه التحركات مجرد لعبة مصرية من ألعاب الاستنزاف،‮ ‬استناداً‮ ‬إلى اعتماد القوات الإسرائيلية على نسبة عالية من أفراد الاحتياط، ، وأن استدعاء الاحتياط يمثل عبئاً‮ ‬مزدوجاً‮ ‬على القيادات العسكرية فى إسرائيل، وعلى القطاعات المدنية التى يقوم عليها أفراد الاحتياط ‮، وساعد ذلك على تبرير التحركات العسكرية المصرية قبل أيام من معركة العبور، وساهم فى إساءة تفسيرها من قبل القادة الإسرائيليين‮.. ‬والواقع أن هذه التحركات المصرية التى ظلت‮ ‬غامضة فى نظر العدو، كانت تمثل حلقة فى سلسلة المشروعات التدريبية للوحدات المختلفة، والتى توجتها مناورات خريف 3791 التى عرفت بأنها مشروع تدريبى تعبوى، وأصبحت ظهر يوم السادس من أكتوبر خطة الهجوم التى مكنت أكثر من‮ 04 ألف مقاتل من عبور قناة السويس‮ ‬فى أقل من ست ساعات‮، وربما كان ذلك هو المطلوب بالنسبة للموقف المصرى، بعد أن بدأت عجلة الحرب فى الدوران، طبقا لخطة الهجوم التى تم وضعها دون علم الاتحاد السوفييتي،‮ ‬والذى ظل يعتقد أن الخطة المصرية هى مجرد تعديل فى الخطة التى شارك فى وضعها خبراء سوفييت‮.‬‬‬‬
وبدأ إدخال التعديلات الجديدة على الخطة مع أوائل عام‮ ‬1972‮ ‬، وعلى ضوء تدعيم القوات المختلفة،‮ ‬خاصة القوات الجوية،‮ ‬لكن جوهر الخطة لم يتغير، وإنما تغير اسم الخطة الممكنة القابلة للتنفيذ فى ظل الإمكانيات المتوفرة،‮ ‬خاصة مع عدم توافر العدد الكافى من صواريخ أرض جو‮ «‬طراز سام‮» ‬التى يمكن أن تنتقل إلى شرق القناة، لتوفير الحماية للقوات التى ستتقدم شرق القناة، بعد أن تخرج من نطاق حائط الصواريخ، الذى يعمل من قواعده الثابتة‮ ‬غرب القناة‮، وأهم ما حققته القوات الجوية فى هذه المرحلة هو حسن استخدامها للإمكانيات المتاحة للتصوير الجوى وتفسير هذه الصور، وسرعة تسليمها فى وقت يتيح لسائر القوات الاستفادة منها‮.‬‬
وأصبح الرأى الراسخ لدى قادة الجيوش ورؤساء الأفرع ، هو أن قواتنا قادرة على القيام بالعملية الهجومية ، وتمت مناقشة ذلك فى الاجتماع الذى تم فى استراحة رئيس الجمهورية بالقناطر الخيرية، وفى وجود وزير الحربية الجديد أحمد إسماعيل ‮. ‬وفى هذا الاجتماع الذى عقد فى ربيع العام‮ ‬1973‮ ‬هو الموعد المحتمل للهجوم بصورة‮ ‬مبدئية،‮ ‬وقد تم تعديله بعد ذلك‮، وكانت هناك بعض الأمور المشجعة ومن أهمها ما حققته القوات الجوية من تطور ملموس، بالإضافة إلى ارتفاع مستوى الطيارين المصريين الذين تفاعلوا مع خطط التدريب المكثف، بما فى ذلك التحليق على ارتفاعات منخفضة جدا، يتيح للطائرات مفاجأة العدو بضرب الأهداف المحددة لها، وتنفيذ خطط العودة إلى قواعدها‮. ‬لكن الذى كان يدعو للقلق هو قدرة العدو على القيام بهجوم مضاد‮.. ‬وكان السؤال المطروح هو كيف سيقوم بهذا الهجوم المضاد،‮ ‬والأهم هو متى سيقوم به؟‬
العد التنازلى
وكان المجتمعون فى استراحة القناطر الخيرية يتوقعون أن العدو سيكتشف بالتأكيد نية القيام بعملية هجومية ضد قواته قبل موعدها بثلاثة أيام،‮ ‬فى حين كانت هناك تقارير أعدتها المخابرات الحربية تتضمن أن هناك احتمالات كبيرة بأن يعرف العدو استعدادنا لعملية هجومية بمجرد بداية العد التنازلى والمقرر له‮ ‬15‮ ‬يوما، أى أنه سيبدأ فى الإعداد لعمليات إجهاضية أو استباقية فى اليوم‮ «ي ناقص‮ ‬41‮» ‬أى قبل ساعة الصفر بأسبوعين‮.‬. لكن ذلك لم يتحقق وانتصرت النظرة التفاؤلية‮.. ‬بل وأكثر من ذلك‮.‬‬
وبدأ وضع اللمسات الأخيرة مع استبعاد شهر سبتمبر ليكون اليوم‮ «ي‮» ‬هو السادس من أكتوبر وساعة الصفر‮ »‬س‮« ‬هى الساعة‮ (‬0041‮) ‬أى الثانية بعد الظهر،‮ ‬وهو ما كان موضع خلاف مع القادة السوريين فى اجتماع المجلس الأعلى للقوات المسلحة المصرية السورية الذى تم فى قصر رأس التين بالإسكندرية على مدى ست أيام متصلة، لم يغادر خلالها أحد من المجتمعين القصر، اعتبارا من بداية الاجتماع بعد ظهر الثلاثاء‮ ‬12‮ ‬أغسطس‮ ‬3791‬، وكان لهذا الخلاف صلة مباشرة بخطة الضربة الجوية التى ستبدأ بها العمليات الهجومية ظهر السبت السادس من أكتوبر،‮ ‬رغم ان مبارك أعلن فى هذا الاجتماع ان قواته مستعدة للقيام بمهمتها فى أي‮ ‬من التوقيتات المقترحة‮، واعتمدت الخطة على قيام قواتنا الجوية بضربة مركزة على جميع الأهداف المعادية، التى قد تؤثر على عملية العبور، وتشمل مطارات العدو وبطاريات المدفعية وقواعد الصواريخ المعادية‮ «هوك‮» ‬ومراكز السيطرة والإعاقة،‮ ‬وأهمها مراكز التشويش الإلكترونى التى أقامها العدو فى سيناء بعد احتلالها‮.‬‬‬
وكانت هناك أدوار أخرى مهمة للقوات الجوية‮ ‬غير تحقيق الضربة الجوية،‮ ‬وهى المشاركة فى عمليات إنزال جوى وبحرى، لعرقلة تقدم العدو فى مواجهة قواتنا،‮ ‬وتأخير أى هجمات مضادة يقوم بها‮.‬. وهكذا تمكنت مصر من أن تعكس الآية ، وأن‮ ‬تقلب السحر على الساحر،‮ ‬وفى الوقت نفسه كان هناك حرص على سلامة الطيارين المصريين، وعدم الدفع بهم فى مغامرات جوية‮. ‬وظلت الخطة المصرية تعتمد على قواتنا الجوية فى التصدى لأى هجمات جوية معادية على الدفاعات الأرضية القوية، وما كان معروفا فى ذلك الوقت باسم‮ «حائط الصواريخ‮» ‬الذى شكل رعبا متزايدا لطيارى العدو، بالإضافة إلى سرب الطائرات المقاتلة‮ «الميج 21» المتمركز فى قاعدة أبوصوير، والمستعد للتصدى لأى هجوم جوى معاد‮.‬‬‬
وهناك إجماع على أن الصواريخ المصرية المضادة للطائرات‮ «طراز إس إيه إم sam» أثبتت كفاءة بالغة خلال حرب الاستنزاف بين عامي‮ 8691و3791‮ ‬وكان لها مواقف مشهودة خلال الاشتباكات مع الطيران المعادى، عقب وقف إطلاق النار فى أغسطس‮ 07‮91‬ ، حيث لم يحترم الطيران الإسرائيلى وقف إطلاق النار، وحاول لمرات عديدة اختراق المجال الجوى المصرى، مع حرصه على تجنب المناطق التى تدخل فى نطاق صواريخ‮ «‬سام‮» ‬التى ظلت تشكل رعبا للطيارين الإسرائيليين،‮ ‬ويفسر ذلك الأوامر المشددة التى تلقاها الطيارون الإسرائيليون بعدم الاقتراب من ضفة القناة لأقل من 51 كيلومترا‮.‬‬‬‬
وكان لابد أن تضع القيادة المصرية ذلك فى حساباتها عند التخطيط للمعركة الهجومية، وأن تحرص على أن تكون حركة القوات البرية تحت مظلة الدفاعات الجوية،‮ ‬وهذا ما أدى إلى الإجراءات التى قامت بها القيادة المصرية، منذ آخر ضوء يوم السادس من أكتوبر73‮ ‬، لتوفير دفاع جوى لقواتنا شرق القناة، ولمسافات تتراوح بين‮ (01و11) ‬كيلومترا من الضفة الشرقية لقناة السويس، معتمدة على صواريخ أرض جو‮ «طراز سام ‮6‬» خفيفة الحركة‮.. ‬وكانت الدروس المستفادة من حرب الاستنزاف تؤكد أن أى هجوم جوى معاد يفقد تأثيره بالنسبة للقوات المحمية داخل الخنادق،‮ ‬فى حين أن تأثيره يكون كبيرا على القوات الأرضية ،إذا قام العدو بمهاجمتها جوا، وهى فى أرض مكشوفة‮.‬‬
تجدد الإشارة إلى أن استجابة الاتحاد السوفييتى لمتطلبات مصر من الطائرات لم تكن مشجعة، رغم أنها تستند إلى خطة هجومية تم إشراك الخبراء السوفييت فيها، ويتطلب تنفيذها شراء‮ ‬100‮ ‬طائرة طراز‮ «ميج‮ ‬21‮ ‬إف إم‮» ، وكانت القاهرة تعلم أن السوفييت ليس لديهم استعداد لقبول ذلك رغم أن الخطة كانت موضوعة تحت سمع وبصر الخبراء السوفييت،‮ ‬لكنهم كانوا يتهمون مصر دائما بالمغالاة فى مطالبها.‬‬‬
خطة هجومية
ولم يكن السوفييت يعلمون أن القيادة العسكرية فى مصر قد وضعت خطة هجومية أخرى، تعتمد على ما يمكن توفيره من المعدات والطائرات وأن لها اسماً‮ ‬كودياً‮ ‬آخر وهى تختلف كثيرا عن الخطة التى يعرفها السوفييت‮.‬. وفى الاجتماع الذى عقد فى استراحة رئيس الجمهورية فى القناطر الخيرية وشهده وزير الحربية الفريق أحمد إسماعيل بعد إعفاء الفريق محمد صادق من منصبه نفى قائد القوات الجوية اللواء محمد حسنى مبارك من جديد ما كان يتردد من قبل على لسان بعض القادة المستبعدين ، عن قلة الإمكانيات والتفوق النوعى للعدو بالنسبة لقواته الجوية، وكانت كلمات قائد القوات الجوية مختصرة وحاسمة عندما أعلن استعداد القوات الجوية للقيام بما هى مكلفة به من مهام‮، وكان ذلك يوافق ما تهدف إليه خطة تعتمد على ما يتوافر من إمكانيات قبل أن تعتمد على ما يجب توفيره،‮ ‬مع العمل على سد النواقص ودعم الأسلحة المختلفة بكل ما يمكن توفيره لها قبل ساعة الصفر‮، ولم يشارك فى اجتماع القناطر أحد ممن يبالغون فى سرد الصعوبات التى تواجه الخطة الهجومية ، وعدم قدرة الطيران المصرى على القيام بالتمهيد النيرانى للهجوم، وقصف الأهداف المطلوبة فى سيناء ، بدعوى أن مثل هذه العملية ستسفر عن خسائر قد تصل إلي‮ 08٪‮ ‬من طائراتنا،‮ ‬والأكثر خطورة هو ما كان يقوله وزير الحربية السابق محمد صادق عن خسائرنا فى الطيارين الذين لن نستطيع تعويضهم قبل سنوات طويلة‮.‬‬‬‬‬
وكان مبارك‮ ‬يرفض أفكار محمد صادق، كما‮ ‬يرفض منطق الذين‮ ‬يشككون فى قدرات القوات المسلحة المصرية وتركيزهم فى ذلك على القوات الجوية‮.‬
لم يكن اختيار ساعة الصفر له علاقة مباشرة بالموعد المقرر لتوجيه الضربة الجوية،‮ ‬وإنما كان الاختيار يرجع إلى حسابات كثيرة ومعقدة انتهت إلى تحديد اليوم والساعة‮. ‬وأصبح على القوات الجوية أن تنفذ مهامها طبقا لذلك‮. ‬وربما كانت هناك نقطة ايجابية يستفيد منها الطيارون المصريون ، وهى وجود قرص الشمس خلفهم وهم متجهون إلى قصف الأهداف المعادية ،‮ ‬وعليهم أن يتعاملوا مع العكس فى رحلة عودتهم إلى قواعدهم بعد أداء المهمة‮.‬
وقصة هذا الاختيار بدأت قبل ذلك بشهور طويلة ، عندما عكفت مجموعة من ضباط هيئة العمليات على دراسة أنسب الأيام وأفضل الساعات للقيام بالعملية الهجومية التى تبدأ بالضربة الجوية التى ستفتح الطريق أمام العبور البرى باتساع الجبهة كلها‮.‬
ولاكتمال عنصر المفاجأة ، امتدت الدراسة إلى البحث فى العطلات الرسمية فى إسرائيل بخلاف يوم العطلة الأسبوعية ، وهو السبت‮.‬
وبدأ شهر أكتوبر 73 يبرز من وسط كل الاحتمالات التى تجرى دراستها،‮ ‬باعتباره داخل الإطار الزمنى الذى حددته القيادة السياسية للعبور،‮ ‬ومن الشهور التى تجرى فيها مناورات الخريف المعتادة ، مما يجعل التحركات العسكرية تتم تحت ستار المناورات والمشروعات التدريبية ، وفيه تكثر الإجازات فى إسرائيل،‮ ‬ويوجد ثمانية أعياد يحتفل بها الإسرائيليون ومنها الغفران المعروف باسم يوم كيبور والمظلات والتوراة .
وتطرقت الدراسة إلى طريقة الاحتفال بكل عيد من هذه الأعياد ومدى تأثيره على إجراءات التعبئة فى إسرائيل ، ففى عيد الغفران وهو يوم السبت ستتوقف الإذاعة والتليفزيون فى إسرائيل عن العمل ، وهو يوم صيام يتصف بسكون كامل،‮ ‬وهذا يعنى استحالة استخدام أجهزة الإذاعة والتليفزيون فى استدعاء قوات الاحتياط،‮ ‬وحتى إذا تم تشغيلها فإن أحداً‮ ‬لن يستمع إليها لأن الناس تعرف أنها لا تبث شيئاً‮ ‬فى هذا اليوم،‮ ‬وستضطر القيادة الإسرائيلية إلى استخدام وسائل أخرى تستغرق وقتاً‮ ‬طويلاً‮ ‬حتى يتم تعبئة الاحتياط ، وهذا الوقت الطويل هو المطلوب بالنسبة لقوات العبور .
كما انه فى هذا اليوم سيكون ضوء القمر ظاهراً‮ ‬فى النصف الأول من الليل لأنه يوم العاشر من الشهر القمرى ، بينما يظلم نصفه الثانى ،‮ ‬وهذا يناسب تماماً‮ ‬خطة العبور بحيث تنتهى وحدات المهندسين من إنشاء وتركيب الكبارى فى ضوء القمر ليستمر تدفق العبور بالأفراد والأسلحة والمعدات تحت جنح الظلام‮.‬
فضلا عن أن اليوم ذاته يصادف العاشر من شهر رمضان وهو شهر الصيام فى مصر وسوريا مما يساعد على خداع العدو ويتيح الفرصة لتمثيل وافتعال احتفالات مع إبراز الإنشغال بها واصطناع التكاسل والاسترخاء‮.‬
وغير كل ما سبق سينشغل الرأى العام فى إسرائيل كثيراً‮ ‬مع بداية شهر أكتوبر بالحملات الانتخابية التى ستكون على أشدها استعداداً‮ ‬ليوم التصويت فى الانتخابات البرلمانية للكنيسيت والمحدد لها 28 أكتوبر 1973.
نفس اليوم كان مناسبا للجبهة السورية ،‮ ‬ولا يجوز تأخيره عن بدايات أكتوبر حتى نتجنب موسم البرد الشديد وبدء تساقط الجليد‮.‬
جدول العمليات
واكتملت العناصر الملائمة فى يوم السبت السادس من اكتوبر وانطلاقاً‮ ‬من ذلك بدأ التنسيق مع القيادة السورية ، وتقرر عقد الاجتماع المشترك لأعضاء المجلس الأعلى للقوات المسلحة فى كل من مصر وسوريا للاتفاق على جداول العمليات وتوقيتها والتنسيق الكامل بين الجبهتين مع التحديد النهائى لليوم‮ (‬ي‮) ‬وساعة الصفر‮ (‬س‮).‬
وتفرعت المناقشات بين الجانبين لتتناول تفاصيل كثيرة اختلفت حولها وجهات النظر مما ترتب عليه مد الاجتماعات وتكثيفها حتى استمرت لمدة ستة أيام متواصلة،‮ ‬وتم تحديد فترة العد التنازلى للهجوم بعشرين يوماً‮ ‬، تبدأ باليوم‮ (‬ي‮ ‬ناقص 20) أى قبل يوم الهجوم‮ (‬ي‮) ‬بعشرين يوماً،‮ ‬ورأى الجانب السورى أن الأمر يقتضى خمسة أيام لتفريغ‮ ‬معامل تكرير البترول فى حمص؛ حتى لا تتعرض للقصف المعادى وهى مليئة بالبترول‮.‬
وحول ساعة الصفر‮ (‬س‮) ‬اقترح الجانب المصرى أن تكون بعد الظهر ، حيث يكون قرص الشمس قد مال نحو الغرب ، وأصبحت أشعتها خلف المدفعية المصرية ووراء القوات وفى مواجهة العدو الذى سيكون قرص الشمس أمامه ، مما يمثل مصدر تفوق للجانب المصرى ويدعم حركة الطائرات المصرية فى اندفاعها شرقا لتدمير الأهداف المقرر تدميرها،‮ ‬لكن الأمر كان مختلفاً‮ ‬بالنسبة للجبهة السورية لأن القوات السورية تتجه فى عملياتها نحو الجنوب الغربي،‮ ‬ولذلك يفضل الجانب السوري‮ ‬الهجوم صباحاً‮ ‬لتكون‮ (‬س‮) ‬أى ساعة الصفر مع أول ضوء‮.‬
واقترح الجانب المصرى تعديل الخطة لتبدأ القوات السورية هجومها مع الفجر وتنطلق القوات المصرية بعد الظهر،‮ ‬واعترض الجانب السورى على ذلك حتى لا يواجه وحده النشاط الجوى الإسرائيلى لعدة ساعات مع احتمال قيام العدو بهجوم مضاد على الجبهة السورية قبل أن يتجه إلى الجبهة المصرية،‮ ‬كما أن اختلاف‮ (‬س‮) ‬سيفقد الخطة مزايا الهجوم المفاجيء على جبهتين‮.‬
ودرس المجتمعون أقتراحا‮ ‬يقضى بقيام القوات المصرية بالهجوم بعد ظهر اليوم‮ (‬ي‮) ‬وتأجيل الهجوم من الجبهة السورية إلى فجر اليوم التالي،‮ (‬ى زائد واحد‮)‬ ، لكن هذا الاقتراح تم استبعاده لاعتبارات سياسية ، باعتباره سيجعل الصورة تبدو كأنها حرب مصرية بدأتها مصر ولحقت بها سوريا ، فضلاً‮ ‬عن فقدان عنصر العمليات الهجومية المفاجئة من جبهتين‮.‬
وقبل أن يتم حسم نقاط الخلاف ، كان الرئيس‮ »‬أنور السادات‮« ‬قد بدأ جولة فى عدة بلاد عربية ، لتشكل فى حد ذاتها آخر حلقات الخداع الاستراتيجى وبداية مراحل أخرى من الخداع‮. ‬
زار السادات أولاً‮ ‬المملكة العربية السعودية ليجتمع مع الملك فيصل ، وترك انطباعاً‮ ‬بأنه يبحث فى الزيارة عن دعم سياسى سعودى فى مجال الحل السلمي،‮ ‬بالإضافة إلي‮ ‬تمويل صفقة طائرات بريطانية طراز‮ »‬جاجوار‮« ‬وهو ما كان الإنجليز يرفضونه ويعلنون عدم موافقتهم على تزويد مصر بهذه الطائرات المتقدمة‮.‬
وتكاملت الجهود الدبلوماسية مع النشاط الإعلامى فى أوروبا وفى دوائر الأمم المتحدة بنيويورك ، بقصد تحريك الجهود الدبلوماسية فى اتجاه الحل السلمي،‮ ‬وحرص مصر على إعادة‮ ‬إحياء المبادرات السياسية،‮ ‬وهذا ما كان مستشار الأمن القومى المصري‮ »‬حافظ إسماعيل‮« ‬قد ناقشه مع كيسنجر خلال الاجتماع السرى الذى عقد بينهما بمزرعة دونالد كندال رئيس مجلس إدارة شركة بيبسى كولا‮ ‬فى كونيتيكت‮.‬
وفى قطر بحث الرئيس‮ »‬السادات‮« ‬مجالات التعاون المشترك ، بصورة تسمح بتسريب معلومات عن تفاقم الأزمة المالية فى مصر ، وعدم استطاعتها الحصول على سلاح وقطع‮ ‬غيار نتيجة نقص احتياطيات العملة الصعبة وتوتر العلاقات المصرية السوفيتية‮.‬
السادات اختتم جولته بالاجتماع مع الرئيس‮ »‬حافظ الأسد‮« ‬فى دمشق،‮ ‬وتم تسريب معلومات وتحليلات إلى صحف عربية خليجية ولبنانية ، حول طلب السادات وساطة الأسد فى تحسين العلاقات المصرية السوفيتية،‮ ‬وهو ما نشرته بالفعل هذه الصحف دون أن يعى أحد أن عجلة الحرب مستمرة فى الدوران على الجبهتين،‮ ‬وأن المجلس الأعلى للقوات المصرية السورية يضع فى الإسكندرية اللمسات النهائية للخطة الهجومية‮.‬
وعندما انتهت اجتماعات الإسكندرية السرية يوم الإثنين 27 أغسطس 1973 ، عاد اللواء مصطفى طلاس وزير الدفاع السورى إلى دمشق ليجتمع بالرئيس‮ »‬حافظ الأسد‮« ‬، ويطلعه على تفاصيل ما تم الاتفاق عليه فى الإسكندرية فى وجود الرئيس‮ »‬السادات‮«‬،‮ ‬واستبعد الرئيسان كل التوقيتات التى تجعل يوم‮ (‬ي‮) ‬أحد أيام شهر سبتمبر واتفقا على أن يبدأ الهجوم بين يومي‮ (‬5 و 10) أكتوبر مع ترجيح اليوم السادس من أكتوبر أو قبله بيوم واحد وتخفيض فترة العد التنازلى من‮ (‬20 إلى 15) يوماً‮ ‬فقط ، باعتبارها كافية لكل خطوات العمليات قبل‮ ‬ساعة الصفر،‮ ‬وتم الاتفاق على ذلك‮. ‬وقدم الرئيس حافظ الأسد تفويضاً‮ ‬كاملاً‮ ‬للرئيس السادات باعتباره القائد الأعلى للقيادة الموحدة للدولتين مصر وسوريا ليقوم بتحديد التوقيتات وإطلاق شرارة الهجوم،‮ ‬وبذلك أصبح اليوم‮ (‬ي‮) ‬هو السادس من أكتوبر بصفة نهائية وأن يبدأ العد التنازلى قبله ب 15 يوماً‮ ‬أى يكون‮ (‬ى 15) هو الجمعة 21 سبتمبر 1973 وأن تكون ساعة الصفر هى الثانية بعد الظهر من اليوم‮ (‬ي‮) ‬وتبدأ بضربة جوية مركزة يقوم بها الطيران المصرى بقيادة اللواء محمد حسنى مبارك‮.‬
ولم‮ ‬يكن العدو‮ ‬يتوقع ما قام به الطيران المصرى بعد ظهر السادس من أكتوبر ، ولم‮ ‬يكن أحد‮ ‬يدرى حجم التطور السريع الذى حققه رجال القوات الجوية فى زمن قياسي‮.‬
نماذج الأهداف
وكانت آخر مراحل التدريب على أداء الضربة الجوية قد انتهت على النماذج المجسدة للأهداف التى سيتم ضربها،‮ ‬بعد ان قام المهندسون ورجال العمليات الجوية ببناء نماذج للأهداف المعادية التى يجرى الاستعداد لقصفها جوا عندما تحين ساعة الصفر، ولم يعد سرا أن هذه النماذج قد تم بناؤها فى منطقة تشبه أماكن وجودها الفعلي،‮ ‬وذلك حتى يقوم الطيارون بالتدريب على الدخول إليها بالارتفاعات المحددة قبل الاقتراب وعند الاقتراب ولحظة تدميرها‮. ‬وكان ذلك يستدعى تحديد الطائرات التى ستقوم بالضربة الجوية واختيار الطيارين الذين سيتدربون على هذه المهمة‮.‬
وخلال تلك المرحلة تم اختيار أنواع الطائرات التى ستشارك فى الضربة الجوية،‮ ‬وكانت تحديدا طائرات مقاتلة‮ «‬ميج 15» و«ميج 17» مزودة بكامل تسليحها من الصواريخ،‮ ‬بالإضافة إلى المقاتلات القاذفة طراز‮ »‬سخوى ‮7‬« وبمجموع كلى قدره ‮ ‬220 طائرة وهو العدد الفعلى الذى قام بعمليات الهجوم الجوى ظهر يوم السادس من أكتوبر‮.‬
وكان التدريب على ضرب نماذج الأهداف المعادية يجرى عادة بدون استخدام الذخيرة الحية ،ويعتمد بالدرجة الأولى على ممارسة التحليق على الارتفاعات المحددة وزاوية الدخول إلى الهدف ولحظة الارتفاع المفاجئ المناسب لإطلاق القنابل والصواريخ ، وخلال التدريب كانت الطائرات تقوم باستخدام كاميراتها فى تصوير الضرب ، ويجرى تحليل هذه الصور وإعادة التوجيه عند الحاجة إلى تصحيح توقيتات الارتفاع واتجاهات الضربات‮.‬
وكانت مراحل التدريب تتطلب حسابات دقيقة للزمن ، وكان المطلوب هو تحقيق أهداف الضربة الجوية بأفضل نتائج وفى أقل وقت،‮ ‬وهذا ما تحقق فعلا ظهر يوم السادس من أكتوبر‮. ‬وهذا ما يحسب لأبطال الضربة الجوية بقيادة مبارك ، حيث أن الدقيقة فى عالم الطيران الحربى تعنى الكثير .
وهناك اعتبارات أخرى لأهمية الوقت ترجع إلى تزويد بعض الطائرات بكامل تسليحها،‮ ‬وهذا يعنى عدم استخدام خزانات وقود إضافية أو احتياطية لأن مثل تلك الخزانات تكون على حساب حمولة الطائرة من الصواريخ التى ستنطلق إلى الأهداف المعادية ، وكان ذلك يعنى ان هذه الطائرات ستقوم باستخدام الوقود من خزاناتها الأصلية ولن تعتمد فى بداية طيرانها على وقود تستهلكه من خزانات إضافية سرعان ما تتخلص منها فى مرحلة العمليات ، وتستخدم وقود الخزانات الأصلية عند العودة‮، والاعتماد على وقود الخزانات الأصلية فى الذهاب ولحظة الهجوم وفى العودة يوفر للطائرات تسليحا كاملا ، لكنه يتطلب اختصار.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.