مساحة لشخصيات من لحم ودم، فيهم الصالح والطالح، من يستحق التقدير والتعظيم ومن يستحق النقد والتقويم ، هنا نوزع السخرية باليمنى وباليسرى على السادة المحترمين وغيرهم. «آهِ يا مِصرُ كمْ تُعانينَ منهم .. والكبيرُ الكبيرُ دومًا يُعاني « يرحمك الله يا نزار ! عندما أطلقَ نزار قبّاني هذا البيت القاتل في ثنايا مرثيته البديعة لعميد الأدب العربي طه حسين ( رحل في 28 أكتوبر 1973م ) ، كان يقصدُ الدول العربيّة الجاحدة التي أنكرت كل ما فعلته مصر وما ضحّت به من أجلهم ، لم يخطر ببال نزار ولا أيٍّ من أباليس الإنس والجنّ أن يأتي يومٌ أغبر ليردد الناسُ هذا البيت متحسّرين على ما يفعله بمصر نفرٌ من أبنائها الذين لم يكونوا يستحقّون شرف الانتماء إلى اسمها ، ولا حتى أن يمشوا على ترابها أو يروا وجه نيلها ! وكما قلنا مرارًا ، نحن الآن في أزهى عصور الفوضى والرقص على الرمال المتحركة في مهرجان اللعب بالنار ، وزمان .. كان الأبرياء يقولون إن « الذي يلعب بالنار تحرق يديه « ، ولكن اللاعب العصري الجاهل لا يدفع الثمن بحرق يده وحده ، ولكنّه يحرق الوطن بأكمله ... والكارثة الكبرى هي هذه القسوة وهذا العمى .. عندما تنظر في كلّ اتجاهٍ فلا تجد أحدًا قلبه على مصر .. أفواه الجميع تتمضمض بالحبّ الكاذب الموروث من الأغاني التي سكبها المارون على اسم مصرنا ، بينما القلوب تغلي بالحقد والطمع والأنانيّة ، وتكتمل السخريّة وتصل إلى أعلى ذراها وتجلياتها عندما يقع مصير الأمة في أيدي جماعة لم تتعوّد العمل تحت الشمس ، فجاءت لإضفاء الظلام والسواد على كلّ ما في وجودنا بعد أن نجحت في تشفير آلاف العقول وحوّلتها إلى أحجار تسد طريق المستقبل بدلا من أن تبني وتدفع إلى الأمام . المأساة الكبرى التي يراها العالم أجمع عدا الجماعة وعشّاق نهضتها الخفيّة العجيبة ، ما يحدث من مؤسسة الرئاسة ، عشرة شهور قضيناها في الصراخ والتحذير من العشوائية والأنانية وعمليات التجريب والتجريف وسرقة الوطن وهتك عرض ثورته ، ولا أحد يسمع ، ظلّت كل الأصوات الوطنية العاقلة ترتفع في كل اتجاه من أجل إيقاف هذا الاستنزاف ، وكان الردّ الجاهز من الأبواق الإخوانجيّة : عمالة ، فلول ، خونة ، أعداء الثورة ....إلى آخر ما في معجم الرّدح وفرد الملاية ، وعندما بدأت رياح الاستقالات تضرب جدران مؤسسة الرئاسة الهشّة ليتم تجريدها شيئًا فشيئًا من أوراق التوت الوهميّة التي لم تكن تستر شيئًا ( فالنهضة تتحدّث عن نفسها ) ، مرّت موجات الاستقالات مرور الطيفِ في ليلةٍ عاصفةٍ شاتية ، فقد كانت المناصب وهمية أيضا مثل النهضة ومثل الذين أدمنوا تعاطي هذه الأوهام ، إلى أن جاءت استقالتان موجعتان لم أصدّقهما إلى الآن ، فلو كانتا صادقتين لكان من الواجب أن تتبعهما وتبتلعهما استقالةٌ ثالثة ، وهي استقالة السيد رئيس الجمهورية وعودته إلى صفوف الجماهير ، فبعد استقالة السيد أحمد مكي ، وزير العدل ، والسيد محمد فؤاد جاد الله ، المستشار القانوني لرئاسة الجمهوريّة ، وما ورد بخطّ كلّ منهما في نص استقالته .. لم يبق شيء لنقوله نحن معسكر المخربين والمعارضين والبطّالين وناتفي ريش طائر النهضة الجربان !! وإذا كان وزير العدل المستقيل قد أخذ طريحته من الانتقاد والتقطيع وما يستحقه وما يليق به لتذكيره بكلّ ما فعله بالعدل وبالقضاء وبمصر الثورة ، فإنني أتوقّف عند استقالة المستشار القانوني للرئاسة ، فقد أورد فيها المذكور كلّ المانشيتات التي تحمل عصارة ما صرخت به الأصوات الصادقة التي لا ترى إلا الله والوطن والمستقبل ومصلحة كلّ المصريين ،فوقفت ضد انتهاكات الجماعة لكلّ حقوقنا وأحلامنا المشروعة ، والجماعة على إصرارها ماضيةٌ في تخريب كلّ شيء ، وإطفاء أية بادرة نور ، ولتظل فاتريناتها مجرد واجهات على الشارع العام ، بينما أصابعها وأذرعها الخفية تواصلُ التخطيط واللغوصة والتخبيط وتمارس كلّ عاداتها السريّة في الإيقاع والإيهام والتغييب ، وهي تعلم أنّ الشعب لن يظلّ مضحوكا عليه إلى الأبد ، وأن التصرفات العشوائية المفضوحة لم تعد خافية على عقول أطفال التعليم الأساسي ، وأن الدستور المسلوق ، ومجلس الشورى الباطل ، وكل الاعتداءات والانتهاكات الموجهة ضد مؤسسات الدولة المحترمة لن تمرّ كما يتخيّل صنّاع الخراب ،ولن يسكت عليها أصحاب الوطن ، والرغم ذلك ، وباستماتة غير مسبوقة ، تتواصل غارات الجماعة وطلعاتها التي أجهضت كلّ الأحلام التي كانت في اليد أو على مرمى حجر ! وكما لم ييأس الثائرون وأصحاب المبادئ القابضين على الأحلام.. لم تيأس الجماعة ، بأصابعها الظاهرة والخفيّة وبأبواقها المزعجة المبرمجة على إثارة الغبار والضجيج ، وواصلت تنفيذ بروتوكولاتها من أجل إتمام التكويش والتمكين وأخونة كل شيءٍ على الخريطة ، مع تهميش كل القوى الفاعلة في المجتمع ، ومحاربة رؤوس الحربة في كل فصيل ، بالتشنيع عليهم ، وباتهامات التخوين والعمالة للغرب واختلاق الحكايات الفضائحية التي تزيد من مساحات الدخان على الساحة ، وهذا هو المطلوب ، فخلف ستار الدخان والضجيج يصبح في وسع الجماعة ( حسب تفكيرها المحدود ورؤيتها القاصرة ) أن تنجح في تنفيذ بروتوكولات حكمائها الذين يديرون الفوضى من قاعدة المقطّم !! محمد فؤاد جاد الله ، الذي حمل وحده الجزء الأكبر من البُغض والكراهية ، على اعتبار أنّه طبّاخ كل الانتهاكات التي شنتها مؤسسة الرئاسة ضد دولة القانون ، وضد الثورة ، وضد كل ما هو جميلٌ في بلادنا ، اتضح أنه بريءٌ براءة الذئب من دم ابن يعقوب ، وأنه بذل كلّ ما يستطيع من أجل مصلحة الوطن ، غير أنّ السيد الرئيس طبقًا لنص الاستقالة لم يكن يسمع لأحد من مستشاريه ، يقول جاد الله مثلا : «بالنسبة للإعلان الدستورى الصادر فى 21 نوفمبر والذي أحدث انقساماً كبيراً في الشارع، قلت صراحة للسيد الرئيس إن المادتين (2، 4) سيتم الاعتراض عليهما، وأنا بصفتي مستشارك واجب عليَّ أن أقول لك إن تحصين القرارات وتحصين الجمعية ومجلس الشورى سيؤدي إلى اعتراضات وانقسامات... إلخ « ، كما كانت هناك أشياء تحدث ولا يسمعون عنها إلا بعد صدورها ، مثلا طبقًا للاستقالة : « بخصوص موضوع القوانين الثلاثة التي صدرت، ثم قام الرئيس بتجميدها والخاصة بالضرائب على العقارات وعلى المبيعات وعلى السلع لم تعرض عليَّ ولم أعرف عنها أيَّ شيء « كما يشير جاد الله إلى أنه مثلنا جميعًا كان يعي قسوة ما تحمله بعض مواد الإعلان الدستوري 21 نوفمبر 2013م وأنه حذّر من تداعيات هذا التغوّل و ..» بالنسبة للإعلان الدستوري الصادر في 21 نوفمبر والذي أحدث انقساماً كبيراً في الشارع، قلت صراحة للسيد الرئيس إن المادتين (2، 4) سيتم الاعتراض عليهما، وأنا بصفتي مستشارك واجب عليَّ أن أقول لك إن تحصين القرارات وتحصين الجمعية ومجلس الشورى سيؤدي إلى اعتراضات وانقسامات .. إلخ « ( جاد الله ) ، هذا يعني باختصار شديد أن نطالب كل السادة المستشارين والمستشارات أن يردوا إلى خزانة الدولة كلّ ما أخذوه مقابل نومهم في قصر الرئاسة وعلى ذمة اللاشيء!! مستشارون لا يُستشارون فإذا ما استشيروا تُلقى استشاراتهم في سلال القمامة ولا يُعمل بها !! حد فاهم حاجة ؟ وتعالوا معي إلى صراخ الرجل جاد الله وانظروا عندما يتحدّث رجل القانون بما يمليه عليه ضميره ( الوطني ) وما يليق باحترام الذين علّموه وزملائه الذين يعملون في كلّ حقول القانون ، يقول : « وبخصوص تعديل قانون انتخابات مجلس النواب وقانون مباشرة الحقوق السياسية بالقانون رقم (2) لسنة 2013 قلت مراراً وتكراراً للسيد الرئيس بضرورة أن يتم إرسال كامل القوانين وليس التعديلات فقط إلى المحكمة الدستورية، كما قلت يجب إعمال كامل مقتضى قرار الدستورية، ورفضت إجراء الانتخابات قبل عمل ذلك، إلا أن مجلس الشورى قام بإرسال التعديلات فقط ، وعندما صدر قرار الدستورية لم يقم مجلس الشورى بإعمال كامل مقتضى قراراها، ولم يعاود العرض عليها، وعند صدور حكم القضاء الإداري بوقف قرار الرئيس الجمهورية بدعوة الناخبين لانتخاب أعضاء مجلس النواب، أعلنت أن هذا الحكم أنقذ مصر وأنه حكم واجب النفاذ وأكدت على ذلك « ، وقد صفّقت له في تعبيره الصادق عندما قال : « أعلنت أن هذا الحكم أنقذ مصر .... « ، و.... ضع تحت « أنقذ مصر « مليون خطّ ، فهذا هو المطلوب منّا جميعًا ، أن نقاتل من أجل إنقاذ مصر لا من أجل تمكين جماعة الإخوان المحظورة بكل أذرعها وأصابعها وحناجرها وذيولها ، عبارة « أنقذَ مصر « لا تخرج إلا من ضمير مضيء بالفعل ، وأدعو الله أن يكون الرجل كذلك فأنا أشكّ في كلّ مَن تعامل مع تلك الجماعة المنقضّة على مصر انقضاض العدو المتربّص !! وهذا معناه أن الرجل كان صابرًا « على أمل « ، ولما خاب أمله لم يسمح له ضميره بمواصلة الصمت ، أو تقمّص الصبر ، فالصمت والصبر هنا يتحوّلان إلى مذلّة أو نقيصة ، وكلما مرّ يوم اتسع الخرقُ وزادت الوطأة ، وإذا ما انطفأت البقية الباقية في الضمير ، فظلامُ القبر أهون من هذه الحياة البائسة الذليلة . ثم تعالوا إلى مسك الختام في الاستقالة ، يقول جادالله : « وقد تقدمت بالاستقالة من أجل إلقاء الضوء على كل هذه الأسباب، من أجل أن يتحمل الجميع مسئولياته، ويعيد تقييم مواقفه، ويصحح أخطاءه، ويعتذر للشعب، وللوطن وللآخرين « !! هل قال أهل المعارضة الوحشين اللي ح يروحوا النار شيئًا أخطر من ذلك ؟ لقد قرأت الاستقالة عشرات المرّات فلم أصدّق أن كاتبها هو واحد ممن عملوا معهم ! بل شككت أنها مدسوسة عليه من أحد أعداء الهيئة الإخوانجية للتكويش والتمكين ، وهي الاستقالة في مجملها ومعها ما ورد باستقالة وزير العدل إيّاه ، تستوجبان استقالة السيّد الرئيس شخصيًّا فقد كشفا لنا أعني الوزير والمستشار أن السيّد الرئيس بريءٌ من كل التهم التي تُكالُ له ، وأن الجماعة هي المسؤولة عن كل هذه البلاوي والمآسي ، يعني الجماعة تدلق لا مؤاخذة طبيخها الحمضان على موائد القصر الجمهوري ، ثم يأتي الرئيس البريء ويدفع الثمن وحده !! دا حرااااااااااااام يا شعب ، ويا معارضة !! ولذلك أرجو موافاتي بأسماء الذين انتخبوا السيّد الرئيس وتليفوناتهم لأعرف إلى أين وصلت حالتهم النفسية الآن ، ولن أطالبهم بالطبع بالاعتذار عمّا سببوه للوطن وللشعب ف... كفاهم ما هم فيه !!