مع بدايات القرن ال20 كانت الإسكندرية تعج بالجاليات الأجنبية التى عملت على نقل أنماط الحياة الغربية الحديثة إلى أحيائهم الخاصة والتى قاموا بإنشائها بالإسكندرية، حيث ظهرت أحياء متميزة قطنها الأجانب ومنها منطقة «الحى اللاتينى» الذى أقيم مجاورًا للحى الوطنى بمنطقة «كوم الدكة»، فقد كانت الإسكندرية من الدول الحاضنة للجاليات الأجنبية المهاجرة إليها. وأصبحت الإسكندرية من المدن التى كرمت وافديها، وذابت فيها الثقافات المختلفة وتحولت الجاليات إلى عاشقة لهذه المدينة الحاضنة، وجمعت مبانيها بين الفخامة والأحكام» هكذا وصف ابن بطوطة مدينة الإسكندرية» فكانت الإسكندرية تضم الجنسيات من هؤلاء الوافدين الأجانب. وبدأت الجاليات الأجنبية تتوافد على أرض الاسكندرية مبكرًا، منذ عام 1811، م، كما شارك بعض أفراد الجاليات الأوربية فى الانضمام إلى جيش محمد على، وكانت الجالية اليونانية من أهم الجاليات التى عاشت فى الإسكندرية، وكانت تعد من أقوى الجاليات فى المدينة، وكان لها 32 فرعًا فى العديد من المدن المصرية، وبذلك أصبحت الجالية اليونانية أكبر الجاليات الأجنبية بالإسكندرية، لتبلغ نسبة اليونانيين بها 09 ٪ من عدد الأجانب، حسبما يذكر أستاذ الأنثروبولوجيا بكلية آداب الإسكندرية الدكتور محمد عباس. وكما اندمج أبناء الجالية اليونانية ثقافيًا واجتماعيًا فقد اندمجوا أيضًا فى المهن والحرف مع أبناء الإسكندرية، وكان اليونانيون أول من أدخلوا نشاط البقالة ليس في الاسكندرية فحسب بل فى القرى المصرية، وتجسد نشاطهم الثقافى فى مجالات الصحافة والفنون والآداب، فأصدروا فى الفترة من 2681- 2791 نحو 253 جريدة ومجلة باللغتين اليونانية والعربية. ويعد «جراسيموس بنداكس» والمولود بالاسكندرية عام 1838 من أشهر المثقفين اليونانيين الذين أثروا الحياة الثقافية بالإسكندرية، وله أبحاث مصرية باليونانية، وله معجم باللغتين العربية واليونانية، كما أن له ترجمة للقرآن الكريم إلى اليونانية فى 3 طبعات، وأسس اليونانيون بالإسكندرية أيضا معهد الدراسات الشرقية، ومن خلاله تغلغلوا فى شتى مناحى البحث والمعرفة. كما كان اللورد كرومر المندوب السامى البريطانى يقول: «أينما حركت حجرًاً فى مصر وجدت تحته يونانياً»، وذلك ما يؤكد أن اليونانيين عاشوا حالة من الاندماج والتكيف والامتزاج الثقافى فى المجتمع السكندرى. كما عاش بالإسكندرية أيضًا أبناء الجالية الإيطالية، الذين وفدوا إليها مع بداية الثلاثينيات من القرن ال20، وكانوا يعملون بالتجارة والصناعة والحرف التحويلية، ونظرًاً لتزايد أعدادهم فقد أسسوا لأنفسهم مدارس وصحفاً وبنوكاً كما كان لهم غرفتهم التجارية، وكان هناك مستشفى خاص بهم فى منطقة الحضرة، وأسهم أفراد هذه الجالية فى التخطيط العمرانى الممتد إلى قلب المدينة التجارى خاصة فى شارع صفية زغلول والسلطان حسين وأجزاء من شارع فؤاد بمنطقة باب شرقى. أما الفرنسيون فمنذ أن وفدوا على الإسكندرية اندمجوا فى الحياة الثقافية والفنية والصناعية بالمدينة، حتى أنهم فى وقت قصير كان لهم ما يقرب من 30 مؤسسة تعليمية ضمت 11 ألف طالب من مختلف الجنسيات، ومن أهم مؤسساتهم التعليمية الليسيه والفرير، وسان مارك وكلية سانت كاترين فى باكوس ومحرم بك، كما أن الفرنسيين أدخلوا التعليم العالى فى مصر، بتأسيسهم مدرسة الحقوق الفرنسية. أما الجالية البريطانية فى مدينة الاسكندرية فكان لها طابع ووجود خاص، وكانوا يعملون بالأنشطة الحرفية التحويلية والتجارة والصناعة، وحرصوا على تأسيس مدرسة «كلية فيكتوريا» بمنطقة الأزاريطة في البداية ثم انتقلت عام 1901 إلى مقرها الحالى بشرق الإسكندرية. وقد قام برنامج هذه الكلية على قبول جميع التلاميذ دون تمييز لأحد، وتخرج في هذه الكلية العديد من مشاهير الفن والسياسة والاقتصاد المصريين وغير المصريين ومنهم الملكة صوفيا ملكة إسبانيا والممثل العالمى عمر الشريف وأحمد رمزى والمخرج يوسف شاهين. وقد أسهمت الجالية البريطانية فى مجال التعليم فانشأت أندية رياضية ذات شأن الآن فى مدينة الإسكندرية مثل نادى الاتحاد السكندرى ونادى سبورتنج ونادى اليخت والعديد من الجمعيات الخيرية وجمعيات الرفق بالحيوان، كما أنشأت الجالية البريطانية مساكن إيواء لكبار السن. كما توافد اليهود بكثرة على مدينة الاسكندرية منذ أوائل الثلاثينيات من القرن الماضى، بعد أن سيطرت على العالم حالة خاصة من الركود الاقتصادى، وبلغ عدد أفراد الجالية اليهودية فى الاسكندرية نحو ألف 30 يهودى الغالبية منهم كانوا يحملون الجنسية المصرية، وقد عاش اليهود بالاسكندرية فى ظل ثقافة دينية خاصة بهم، فاليهودى يهتم بدينه قبل جنسيته، وكان ذلك يظهر فى أعيادهم وعطلاتهم الدينية المقدسة ولهم مدارسهم ومعابدهم الخاصة، كما عاشوا فى أماكن خاصة بهم، وكانوا يعملون فى أعمال متنوعة وخاصة الاقتصادية الإنتاجية والخدمية. وضمت الإسكندرية الأرمن الذين ارتبط وجودهم ب محمد على باشا، حيث عمل على تقريبهم إليه فزاد نشاطهم التجارى والعسكرى.