إنشاء مراكز ثقافية جديدة وتطوير قرية حسن فتحي في الوادي الجديد لم تغب شمسها يوما من الأيام، فكلما اشتد القيظ زاد بهاؤها وجمالها، ظلت ملامحها عصية على التوهان، بعد حصارها بمبانِ خرسانية قبيحة الوجه وتصدع لأبنيتها التراثية التي تمثل الهوية المعمارية المصرية. «قرية القرنة» لم تكن ترنيمة للفقراء فقط - التي سجلها المهندس حسن فتحي كتراث إنساني عالمي ببصمة مصرية- بل أيقونة فنية حيّة يستلهم منها الفنانون التشكيليون أعمالهم. ويحكي الفنان التشكيلي وائل نور، سر تعلقه ب«قرية القرنة» قائلا: قرأت عن القرية الكثير والكثير، لكن لم أكن أعلم أني أمر أسبوعيا بالقرب من أهم الكنوز التراثية المصرية، التي أهداها لنا المبدع الراحل حسن فتحي مهندس عمارة الفقراء، شيخ المعماريين، ومع نهاية عام 2016، لفت نظري منشور على موقع التواصل الاجتماعي –فيس بوك- لإحدى الصديقات تدعى انجريد ليلى، بلجيكية ومقيمة بالبر الغربي بالأقصر، وكانت ليلى تناشد أي شخص يمكنه أن ينقذ ما تبقى من قرية حسن فتحي، وبالفعل تواصلت معها وطلبت منها تحديد موعد للذهاب ورؤية المكان لعلنا نستطيع فعل شيء، وبالفعل كنا هناك بعد ثلاثة أيام بصحبة صديقة بلجيكية أخرى تدعى ليندا. ويضيف نور، كانت صدمتي الأولى، عندما اكتشفت أنني أمر على القرية كثيرا دون أن أعرفها، فلا توجد أي لافتة تدل على هويتها، وبجوار القرية التقينا بأحد أبنائها، الذي أكد لنا أن والده كان المساعد الشخصي للمعماري حسن فتحي. مشيرا إلى أن المفاجأة كانت أننا وجدنا في منزله العديد من الأدوات والكتب والصور والمقتنيات التي تخص المهندس حسن فتحي، مؤكدا لنا أنه يستطيع البناء والترميم بنفس الأسلوب والطريقة لإعادة القرية للحياة من جديد، لكن الأزمة تتلخص في انعدام الرغبة عند أصحاب البيوت بترميم القرية، بالإضافة إلى عدم توافر الإمكانات المادية لديهم. ويضيف نور، أنه وجد نفسه أسيرا لجمال وسحر القرية، التي تذوب بين جدران الإهمال والتهام المياه الجوفية لها، مؤكدا أنه انتابه شعور بالراحة والسكينة داخل القرية لم يشعر بهما من قبل في أي مبنى آخر، وبعد عدة أيام تجولت وتحدثت وصافحت عددا من أبناء القرية، وبدأت أخذ الصور الفوتوغرافية للمسجد، وقصر الثقافة، وما تبقى من السوق ومنزل حسن فتحي الذي كان يقطنه. وأوضح نور، أنه بعد عودتي من الأقصر، كنت خاضع تحت تأثير سحر القرية، وصممت على توثيقها فنيا، خوفا من أن يأتي يوما وتطوى في الذاكرة، مضيفا أن "لوحة المنزل" شاركت في بينالي فبريانو الدولي للألوان المائية بإيطاليا، وتم عرض اللوحتين بمعرض «البر التالت» الشهر الماضي. جدير بالذكر أن الجهاز القومي للتنسيق الحضاري برئاسة المهندس محمد أبو سعدة، احتفل الأسبوع الماضي، بإطلاق مشروع إعادة إحياء قرية القرنة الجديدة - بمحافظة الأقصر- وذلك بعد أن تعرضت للإهمال الشديد في السنوات الأخيرة، بالتعاون مع منظمة اليونسكو والجامعة الأمريكية.