أتاحت الانتفاضات العربية ظهور الحركات السلفية في المشهد السياسي، وهو ما يبدو جلياً في مصر وتونس، مثلما يبدو جلياً أيضًا في المشهد السياسي السوري، ففي داخل المعارضة السورية، هناك صورة معاذ الخطيب، الإسلامي المعتدل الذي تحرص الحكومات الغربية على التعامل معه كممثل للمعارضة السورية، وهناك أيضاً صورة الشيخ السلفي عدنان العرعور صاحب الخطاب المؤثر في العديد من المقاتلين ضد النظام في سوريا إلى درجة اختياره عضوا في قيادة بعض مجالسهم العسكرية. لقد نمت هذه الحركات السلفية، على اختلاف توجهاهتها وتشابهاتها، في مختلف بلدان المنطقة من سوريا إلى مصر وتونس وليبيا والمغرب وغيرها من البلدان، حيث تتخذ هذه النماذج المختلفة طيفا واسعا من الاستجابات لتحقيق أهدافها بفرض تطبيق الشريعة الإسلامية، بداية من استخدام القوة كما هي الحال لدى سلفيي جبهة النصرة في سوريا أو الجماعة السلفية الليبية التي اتهمت بالهجوم على القنصلية الأمريكية في بنغازي وتدمير عدد من الأضرحة والمقامات الصوفية، وانتهاءً بالجماعة السلفية المصرية التي تحاول أن تستعير بعض تكتيكات الإخوان المسلمين في التركيز على العمل داخل المجتمع المصري. نمو الحركات الإسلامية السلفية دفع بالعلمانيين لأن يروا في المد السلفي أكبر تهديد لعملية بناء الديمقراطية في المنطقة، وخاصة في إضرارها بالحقوق المدنية للمرأة، كما أن تصاعد مدهم مثل عامل ضغط على الإسلاميين المعتدلين كالإخوان المسلمين لاتخاذ خط أكثر تشددا. وتزايدت الانتقادات والضغوطات التي يواجهها السلفيون في هذه البلدان أيضا، حيث هاجم الليبيون جماعة أنصار الشريعة بعد حادثة القنصلية الأمريكية، وتصاعدت الضغوط على الحكومة المؤقتة التي يقودها حزب النهضة الإسلامي المعتدل في تونس لاتخاذ إجراءات صارمة ضد السلفيين في تونس، كما تعرض أنور البلكيمي، النائب السلفي السابق في مجلس الشعب المصري المنحل، إلى انتقادات لاذعة بعد إجرائه عملية تجميلية لأنفه، في حين حاول النائب السلفي السابق أيضاً علي ونيس غواية فتاة شابة مقابل إعطائها وظيفة، فضلا عن الانتقادات المتزايدة للسلفيين واتهامهم من بعض المعارضين السوريين بتشويه صورة انتفاضتهم ضد نظام الرئيس السوري بشار الأسد. تلك الظاهرة يعلق عليها راشد الغنوشي زعيم حركة النهضة الإسلامية في تونس بأنه لا ينبغي إلغاء التيار السلفي حتى لو كانت وجهات نظره الدينية خاطئة التوجه، ويرى عمر عاشور الباحث في جامعة إكسيتر أن أي محاولة لمنعهم أو قمعهم ستؤدي إلى ضرر كبير على المدى الطويل؛ لأنهم سيتحولون إلى العنف، وسترى مزيدا من التجذر لإحساس أنهم ضحايا. وفي الوقت نفسه فإن أي تساهل مع محاولتهم الاعتداء على حقوق المرأة والأقليات ستؤدي أيضا إلى ضرر كبير على المدى الطويل. نقلاً عن صحيفة الفايننشيال تايمز البريطانية