"ما دخلَ اليهودُ من حدودِنا وإنما تسرّبوا كالنمل من عيوبنا".. بتلك الكلمات لخص الشاعر السورى الكبير نزار قبانى أحوال الأمة العربية في قصيدته "هوامش على دفتر النكسة" التي فتحت عليه أبواب جهنم، ما قاله قبانى في قصيدته ما زال واقعا ملموسا حتى اليوم، فعيوب العرب القاتلة منحت الصهاينة فرصة التجرؤ على أولى القبلتين، وقتل الأطفال والشيوخ في وقت يكتفى فيه العرب ببيانات الشجب والإدانة ! استنكار الجرائم الصهيونية بحق الشعب الإسرائيلى الأعزل أصبح الطريقة العربية الوحيدة للتعامل مع جرائم الصهاينة سواء داخل فلسطين أو خارجها، فلم نشهد منذ أعوام طويلة تحركًا موحدًا قويًا ضد جريمة نفذها الإسرائيليون بحق العرب أو المسلمين، ولكن بيانات الشجب كادت تخرق أسماعنا من كثرة تكرارها بذات الأسلوب بارد الدم عديم الشعور بأى أنواع الغيرة على الوطن والدين والأرض والعرض. الانتهاكات البشعة التي ارتكبتها قوات الاحتلال تعديًا على القدس والمسجد الأقصى خلال الأيام السابقة، لم تكن الأولى من نوعها طوال أعوام طويلة لاحتلال الصهاينة للأراضى الفلسطينية، وعلى الرغم من مرارة اللقطات القادمة من فلسطين لكل الدول العربية برائحة دماء الشهداء ظل العرب كما عهدهم مكتوفى الأيدى أيضًا لا ينطق لسانهم إلا ببيانات الشجب والإدانة التي اعتادوا عليها. أدانت الكويت والأردن الممارسات الإسرائيلية المتصاعدة بحق الفلسطينيين في القدس الشريف والمسجد الأقصى المبارك، داعية السلطات الإسرائيلية إلى فتح المسجد الأقصى وبشكل كامل ورفع كل القيود التي تحول دون أداء المصلين شعائرهم بيسر وطمأنينة وممارسة حقهم المشروع في أداء تلك الصلاة واحترام الوضع القائم وكل الأعراف والمواثيق التي تحكم ذلك الوضع والكف عن استفزاز مشاعر المسلمين حول العالم. الرئيس الفلسطينى محمود عباس أبومازن نفسه لم يتخط تحركه حاجز الاعتراض الهاتفى خلال حديث مع بنيامين نتنياهو، رئيس وزراء حكومة الاحتلال، مبديا رفضه لأى أحداث عنف خاصة في دور العبادة ومطالبا قوات الاحتلال بإلغاء إجراءات إغلاق المسجد الأقصى أمام المصلين محذرًا من تداعيات هذه الإجراءات أو استغلالها من أي جهة كانت لتغيير الوضع الدينى والتاريخى للأماكن المقدسة ولم يكن من نتنياهو إلا الرد بأن الوضع الحالى لن يتغير وأن على الطرف الآخر أن يهدئ من حدة النزاع. العيب الأكبر في ردود الأفعال على الانتهاكات الصهيونية تتحمله الجامعة العربية التي تمثل تكتلا لجميع الدول العربية ويمكنها من خلاله اتخاذ رد فعل قوى ذى أثر يجبر الإسرائيليين على التوقف عن اعتداءاتهم، ولكنها في كل مرة لا تتعدى معارضتها نفس بيانات الشجب والإدانة مع التحذيرات مرة من صراع دينى وأخرى من زيادة عدد القتلى والضحايا. خلال الاعتداءات السافرة على الأقصى في الأيام الأخيرة حذرت الجامعة العربية من اشتعال صراع دينى في القدس محملة الإسرائيليين المسئولية لما يجرى هناك، وعقدت جلسة طارئة للخروج في نهايتها ببيان يدين ويرفض ويستنكر ويشجب أي تغيير لتاريخ ووضع المسجد الأقصى، مشددا على ضرورة وقف وإلغاء جميع الإجراءات الإسرائيلية وإعادة الأوضاع إلى ما كانت عليه، بما يشمل إزالة البوابات الإلكترونية التي وضعتها سلطات الاحتلال على بوابات المسجد واحترام حرية العبادة. لم يختلف بيان الجامعة كثيرا عن البيانات ذاتها التي أصدرتها في سبتمبر 2016 مدينة إغلاق إسرائيل عدة قرى فلسطينيةجنوب مدينة نابلس باستخدام السواتر الترابية والمكعبات الأسمنتية متهمة سلطات الاحتلال بمحاولة تحويل تلك القرى إلى سجون كبيرة وضرب مقومات الحياة الاقتصادية، وكذلك البيان الصادر في مطلع يناير العام الجارى والذي أدان قرار مجلس النواب الأمريكى المندد بقرار مجلس الأمن لمنع الأنشطة الاستيطانية الإسرائيلية في الأراضى الفلسطينيةالمحتلة، وشبيهه الصادر في 16 نوفمبر 2016 لإدانة مشروع إسرائيلى لمنع رفع الأذان في القدس، واصفة تلك الخطوة بالمستفزة والخطيرة التي تتضمن تصعيدًا غير مقبول وذلك بعد أن صادقت اللجنة الوزارية للتشريعات في الحكومة الإسرائيلية على مشروع قانون بمنع الأذان عبر مكبرات الصوت بالمساجد في مدينة القدسالمحتلة. من المعروف أن العديد من الملفات المهمة ليست في أيدى الجامعة العربية، حيث إن الأزمة السورية في أياد غير عربية، ولكن بعد تولى أحمد أبو الغيط مهامه في الجامعة العربية كأمين عام لها يسعى كثيرا للتأكيد، بجميع المحافل الدولية، أن الجامعة العربية جزء في حل الأزمة الفلسطينية ولكن الواقع يكذبه. ولكن يأتى التساؤل كيف يتم ذلك ولا يوجد ممثل للدولة السورية في الجامعة العربية بعد تجميد عضويتها منذ عام 2011، كما أن أزمة الدول العربية مع قطر تجعل الجامعة العربية تقف مكتوفة الأيدى ولم تسمح لها الدول العربية بالتوسط لإنهاء الخلاف أو معاقبة قطر على أفعالها التي توصف بالإجرامية ودعمها لجماعات إرهابية ساهمت في سفك دماء المئات من أبناء الشعب العربى ويظل مندوب الدوحة الدائم يرتع داخل الجامعة العربية ويروج لسياسات بلاده ويدافع عن منبرها الإعلامي الداعم للإرهاب وسط اعتراض وتلاسن بين أعضاء الجامعة والمندوب، كما أن الوضع الليبى لم تستطع الجامعة العربية أن تحقق تقارب وجهات النظر بين الليبيين لتتدخل فرنسا وتفعلها. ملفات عديدة مازالت عالقة داخل الجامعة العربية حتى طموحات الشعوب العربية بإنشاء قوى عربية مشتركة أو تنفيذ اتفاقية السوق العربية المشتركة وغيرها من الملفات عالقة منذ عشرات السنين ولم يبق للجامعة العربية الكائنة بميدان التحرير في القاهرة سوى أرشيف ضخم من بيانات الإدانة والشجب والاستنكار والمطالبات وآخرها كانت الوقفات الاحتجاجية والتضامن.