لا نعرف نوايا السياسة الأمريكية، ولكننا نقيسها على منجزاتها، وخاصة ما يربطنا بها من علاقات تُبنى على المشاركة والمصالح المتعددة، ونعرف يقينا ألا عواطف بهذه الروابط طالما أن مَوازين القوى ترجح كفة الدولة الأعظم والأقوى، وأمريكا متشابكة العلاقة فى منطقتنا سواء أمنيًا، أو عسكريًا، أو اقتصاديًا. فقد خاضت عدة حروب معنا رأت -من وجهة نظرها- أنها مشروعة، ونراها العكس، وبايعت إسرائيل منذ إنشائها، أنها الحليف الأهم من كل دول المساحة الأكبر والسكان الأكثر، وهذا أمر أثر علينا، ولكنه يأتى لصالحها، ومشكلتنا مع هذه الدولة ليس فقط العلاقة غير الحميمة والمنصفة، وإنما الانحياز إلى حد التجنى فى العديد من المواقف. فهى لا ترى لنا دورًا يميزنا أكثر من التبعية لها، ومع ذلك تشجع الحرية والديمقراطية، وحق الإنسان العربى، لكنها تضع الحواجز أمام أى تطور سياسى أو اجتماعى يبعد هيمنتها على هذه الدول ونظمها، وهذ التعامل خلق عداءً مكشوفًا ومبطنًا، حتى أن الانخراط فى الشيوعية، واليسار العربى، والتبعية للمنظومة الاشتراكية والقيام بأدوار تخدم أيديولوجيتها اليسارية بالانقلابات، والتفجير، وخطف الطائرات، ثم انحسارها وبروز ظاهرة الإرهاب الحديث الذى ينتهج خطًا إسلاميًا متطرفًا، هو نتاج السياسة الأمريكية فى المنطقة وفق قناعات العديد من المواطنين والساسة العرب.. الشأن الفلسطينى، هو القضية التى لا تجد العدل فى التعامل من قبل أمريكا وقد عرفنا كيف تعطلت فرص الحلول منذ «فوستر دالس» وحتى «هيلارى كلينتون» ومن سياسة حافة الهاوية، مرورًا بالخطوة خطوة، وانتهاء بوعود الدولتين الفلسطينية والإسرائيلية والتى لا تزال مجرد وعد ترفضه إسرائيل، ولا تباركه، بشكل عملى أمريكا. «جون كيرى» وزير الخارجية الأمريكية الجديد، رجل مؤهل لمنصبه، ويقال إنه شخصية يريد -مع الرئيس أوباما- سد مختلف الثغرات السياسية الملتهبة فى منطقتنا وغيرها، وقد توقع سلامًا إسرائيليًا فلسطينيًا خلال عامين، وهى الفترة الأخيرة لرئاسة أوباما، لكن النوايا والوعود لا تكفى بل العمل الجاد، فقد طرح العرب مشروعًا متكاملًا كان يصلح أن يكون قاعدة للحل، وأعطوا تنازلات عديدة، لكن لم يقابلها أى نوع من الإيجابيات مع إسرائيل، وأمريكا لا نقول مع أصحاب الأمانى أنها تملك 99٪ من الحلول بالضغط على إسرائيل والتى تدرك أن الحليف الأكبر ما زال لا يتعارض بأفكاره وفعله معها. المنطقة تشهد الآن تطورات متسارعة، بعضها يأتى لصالح إسرائيل وخاصة جوارها مع سوريا التى صار وضعها يحتاج عشرات السنين لبناء ما هدمه الأسد، وبقية الدول ليس بينها وبينهم تلك التقاطعات الصعبة، إلا إذا برز نظام متطرف يأخذ اتجاهًا إسلاميًا أو وطنيًا، وهذا من حيث التأثير قد يكون مضرًا، ولكنه سهل الاحتواء، وتبقى أمريكا هى من يدرك كيف تُدار المصالح وتعطى الحلول التى تخدم الجميع. نقلا عن جريدة الرياض