البنك المركزي: 17.7 مليار دولار تراجعًا في عجز صافي الأصول الأجنبية    رئيس موازنة النواب: 575 مليار جنيه بمشروع الموازنة الجديدة زيادة لمخصصات الأجور    الرئاسة الفلسطينية: لولا دعم واشنطن لما تجرأ نتنياهو على الإبادة الجماعية    وزير الخارجية الإسرائيلي: إذا لم ينسحب حزب الله من الحدود فإننا نقترب من حرب شاملة    تشكيل باريس سان جيرمان ضد بوروسيا دورتموند في نصف نهائي دوري أبطال أوروبا    المقاولون العرب يضمن بقاءه في الدوري الممتاز لكرة القدم النسائية بعد فوزه على سموحة بثلاثية    حبس عاطل لحيازته 10 قطع من مخدر الحشيش في الوراق    إصابة أب ونجله سقطا داخل بالوعة صرف صحي بالعياط    تعليم المنطقة الشرقية يُعلن تعليق الدراسة غدًا    رئيس وزراء بيلاروسيا يزور المتحف القومي للحضارة والأهرامات    لن تشرق الشمس.. جوائز مسابقة الطلبة بالإسكندرية للفيلم القصير    هل يوجد رابط علمي بين زيادة نسب الأمراض المناعية ولقاحات كورونا؟.. متحدث الصحة يحسم الجدل    نصائح عند أكل الفسيخ والملوحة.. أهمها التخزين بشكل سليم    سبب غياب طارق مصطفى عن مران البنك الأهلي قبل مواجهة الزمالك    ضرب موعدا مع الأهلي.. الاتحاد يهزم الزمالك ويتأهل لنهائي كأس مصر (فيديو)    شيحة: مصر قادرة على دفع الأطراف في غزة واسرائيل للوصول إلى هدنة    حالة وحيدة تقرب محمد صلاح من الدوري السعودي    سفيرة مصر بكمبوديا تقدم أوراق اعتمادها للملك نوردوم سيهانوم    الاتحاد الأوروبي يحيي الذكرى ال20 للتوسع شرقا مع استمرار حرب أوكرانيا    أمين عام الجامعة العربية ينوه بالتكامل الاقتصادي والتاريخي بين المنطقة العربية ودول آسيا الوسطى وأذربيجان    رئيس الوزراء يهنيء السيسي بمناسبة الاحتفال بعيد العمال    صحة الشيوخ توصي بتلبية احتياجات المستشفيات الجامعية من المستهلكات والمستلزمات الطبية    الخميس..عرض الفيلم الوثائقي الجديد «في صحبة نجيب» بمعرض أبو ظبي للكتاب    ختام عروض الموسم المسرحي في بني سويف بعرض أحداث لا تمت للواقع بصلة    فيلم المتنافسون يزيح حرب أهلية من صدارة إيرادات السينما العالمية    «تحيا مصر» يوضح تفاصيل إطلاق القافلة الخامسة لدعم الأشقاء الفلسطينيين في غزة    رئيس جهاز الشروق يقود حملة مكبرة ويحرر 12 محضر إشغالات    وزير الرياضة يتابع مستجدات سير الأعمال الجارية لإنشاء استاد بورسعيد الجديد    بالفيديو.. خالد الجندي: القرآن الكريم لا تنتهي عجائبه ولا أنواره الساطعات على القلب    النائب العام يقرر إضافة اختصاص حماية المسنين لمكتب حماية الطفل وذوي الإعاقة    دعاء ياسين: أحمد السقا ممثل محترف وطموحاتي في التمثيل لا حدود لها    الآن داخل المملكة العربية السعودية.. سيارة شانجان (الأسعار والأنواع والمميزات)    مصرع طفل وإصابة آخر سقطا من أعلى شجرة التوت بالسنطة    "بتكلفة بسيطة".. أماكن رائعة للاحتفال بشم النسيم 2024 مع العائلة    وفد سياحي ألماني يزور منطقة آثار بني حسن بالمنيا    هيئة الرقابة النووية والإشعاعية تجتاز المراجعة السنوية الخارجية لشهادة الايزو 9001    القوات المسلحة تحتفل بتخريج الدفعة 165 من كلية الضباط الاحتياط    جامعة طنطا تُناقش أعداد الطلاب المقبولين بالكليات النظرية    رئيس غرفة مقدمي الرعاية الصحية: القطاع الخاص لعب دورا فعالا في أزمة كورونا    وزير الأوقاف : 17 سيدة على رأس العمل ما بين وكيل وزارة ومدير عام بالوزارة منهن 4 حاصلات على الدكتوراة    «التنمية المحلية»: فتح باب التصالح في مخالفات البناء الثلاثاء المقبل    تقرير حقوقي يرصد الانتهاكات بحق العمال منذ بداية 2023 وحتى فبراير 2024    رموه من سطح بناية..الجيش الإسرائيلي يقتل شابا فلسطينيا في الخليل    مجهولون يلقون حقيبة فئران داخل اعتصام دعم غزة بجامعة كاليفورنيا (فيديو)    حملات مكثفة بأحياء الإسكندرية لضبط السلع الفاسدة وإزالة الإشغالات    «الداخلية»: تحرير 495 مخالفة لعدم ارتداء الخوذة وسحب 1433 رخصة خلال 24 ساعة    "بحبها مش عايزة ترجعلي".. رجل يطعن زوجته أمام طفلتهما    الصحة: الانتهاء من مراجعة المناهج الخاصة بمدارس التمريض بعد تطويرها    استشاري طب وقائي: الصحة العالمية تشيد بإنجازات مصر في اللقاحات    إلغاء رحلات البالون الطائر بالأقصر لسوء الأحوال الجوية    حمد الله يتحدى ميتروفيتش في التشكيل المتوقع لكلاسيكو الاتحاد والهلال    دعاء آخر أسبوع من شوال.. 9 أدعية تجعل لك من كل هم فرجا    مفتي الجمهورية مُهنِّئًا العمال بعيدهم: بجهودكم وسواعدكم نَبنِي بلادنا ونحقق التنمية والتقدم    ثوران بركان جبل روانج في إندونيسيا مجددا وصدور أوامر بالإخلاء    حزب الله يستهدف مستوطنة أفيفيم بالأسلحة المناسبة    هل ذهب الأم المتوفاة من حق بناتها فقط؟ الإفتاء تجيب    نجم الزمالك السابق: جوميز مدرب سيء.. وتبديلاته خاطئة    برج القوس.. حظك اليوم الثلاثاء 30 أبريل: يوم رائع    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



..ملاذ اليتامى والرحمة المهداة

لامارتين:من ذا الذى يجرؤ أن يقارن عظماء التاريخ بالنبى محمد صلى الله عليه وسلم
مايكل هارت: الرسول الوحيد الذى نجح فى إكمال رسالته
كانت الدنيا ظلامًا، فأشرقت بنوره، كانت القلوب ميتة، فأحياها بنور الإسلام ، كانت الغشاوة تعمى العيون عن نور الحق فأزالها، كان منهم عبيد فحررهم، وأسياد فأكرمهم، وكان التفكك شعارهم فوحدهم برباط الدين، إنه محمد «صلى الله عليه وسلم»أشرف الخلق والمرسلين، الذى سرعان ما صار يتيم الأبوين، فزاده اليتم قوة.
تبدلت الأرض غير الأرض حينما استقبلت النبي محمد صلى الله عليه وسلم، الذى قال عنه المولى عز وجل «وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين» ، ولحكمة إلهية ولد أشرف المرسلين وسيد العالمين ليجد والده فى رحاب الله، وبعد أن أكمل السادسة توفيت أمه، فتربى يتيما ليكون أبا لأمة بأكملها، ستظل سيرته حافذًا لكل من ولد يتيما، حيث وصفه المولى عز وجل فى أكرم الكتب بقوله تعالى «لقد كان لكم فى رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرًا»، ليجمع العالم كله مسلمين وغير مسلمين على أنه أعظم الشخصيات التى أثرت فى تاريخ الإنسانية كلها، فقال عنه مهاتما غاندى» أردت أن أعرف صفات الرجل الذى يملك دون نزاع قلوب ملايين البشر.. لقد أصبحت مقتنعًا كل الاقتناع أن السيف لم يكن الوسيلة التى من خلالها اكتسب الإسلام مكانته، بل كان ذلك من خلال بساطة الرسول مع دقته وصدقه فى الوعود، وتفانيه وإخلاصه لأصدقائه وأتباعه، وشجاعته مع ثقته المطلقة فى ربه وفى رسالته.. هذه الصفات هى التى مهدت الطريق، وتخطت المصاعب وليس السيف، بعد انتهائى من قراءة الجزء الثانى من حياة الرسول وجدت نفسى أسفا لعدم وجود المزيد للتعرف أكثر على حياته العظيمة»، وقد جمع القرآن الكريم تلك الخصال فى قوله تعالى «وَإنكَ لعَلى خُلقٍ عَظيم».
قبل ما يزيد على 1500 عام فى مكة المكرمة، تزوج عبدالله بن عبدالمطلب من آمنة بنت وهب، ثم حملت فى رسول الله، وكانت «آمنة» تحدث أنها حين حملت به أتيت فقيل لها «إنك حملت بسيد هذه الأمة فإذا وقع على الأرض فقولى أعيذه بالواحد من شر كل حاسد ثم سميه محمد» .
«وفاة والده»
خرج «عبدالله» إلى الشام للتجارة فمر بالمدينة فأقام عندهم مريضًا شهرًا ثم توفى عن عمر يناهز 25 عامًا ودفن فى دار النابغة، تاركا زوجته حاملاً فى شهرين، ليكمل رسول الله 7 أشهر فى بطن أمه وهو يتيم،
وهى الشهور التى تحدثت عنها «آمنة» بأنها لم تجد حين حملت ما تجده الحوامل من ثقل ولا وحم، حتى حان موعد الولادة.
كانت شبه الجزيرة العربية مفككة، لا توحدها دولة ولا يديرها سلطان، بل كانت تدار من قبل الملأ فى دار الندوة، أما المدينة المنورة فكانت فى حالة صراع سياسى دائم بين الأوس والخزرج، كانوا يعبدون الأصنام ويملأ حياتهم السكر والعربدة ويعيشون بلا هدف سوى الملذات حتى تنقضى فترة حياتهم، لا يعلموا أن أشرف المرسلين سيولد فى ديارهم ليكون رحمة للعالمين.
وفى صباح يوم «الاثنين» الموافق 12 ربيع أول وفى شعب أبى طالب جاء الموعد وكانت فى استقباله «الشفاء» – أم عبدالرحمن بن عوف- لتتولى الولادة، لترى أمامها نورا، طفل كالبدر يوم تمامه مختونا مسرورًا، لم تشعر «آمنه» بألم، بل كما روى أنها قالت إنها رأت حين ولدته كأنه خرج منها نور أضاءت له قصور الشام، وقالت أم عثمان بن أبى العاص حضرتُ ولادة رسول الله عليه الصلاة والسلام، فرأيت البيت حين وضع قد امتلأ نورا، ورأيت النجوم تدنو حتى ظننت أنها ستقعَ على، وبعدما ولدته أرسلت إلى عبدالمطلب تبشره بحفيده، ففرح به فرحا شديدا، ودخل به الكعبة شاكرا الله، وقال ليكونن لابنى هذا شأن».
وقد علمت اليهود آنذاك بولادة محمد، ويقول حسان بن ثابت: والله إنى لغلام يفعة، ابن سبع سنين أو ثمان، أعقل كل ما سمعت، إذ سمعت يهوديًا يصرخ بأعلى صوته على أطمة بيثرب: يا معشر يهود، حتى إذا اجتمعوا إليه، قالوا له: ويلك ما لك؟ قال: طلع الليلة نجم أحمد الذى ولد به.
وُلِد الُهدى، فالكائنات ضياء .... وفم الزمان تَبَسُّمٌ وثناءُ
الروح والملأ الملائك حوله .... للدين والدنيا به بُشراء
والعيش يزهو، والحظيرة تزدهى .... والمنتهى والسِّدرة العصماء
والوحى يقطر سلًساً من سَلْسَلٍ .... واللوح والقلم البديع رُواء
يا خير من جاء الوجود تحية .... من مرسلين إلى الهدى بك جاءوا
ليخرج من «بنى هاشم» خير الخلق وهو البيت الذى تحدث عنه الرسول عليه الصلاة والسلام وقال: «خرجتُ من نكاح ولم أخرج من سفاح من لدن آدم إلى أن ولدنى أبى وأمّى».
وقال أيضًا: «إنَّ الله اصطفى كنانة من ولد إسماعيل، واصطفى قريشًا من كنانة، واصطفى من قريش بنى هاشم، واصطفانى من بنى هاشم» وفى حديث آخر قال عليه الصلاة والسلام: نحن بنو النضر بن كنانة لا نقفو أمنا ولا ننتفى من أبينا.. وقال «إنَّ الله تعالى خلق الخلق، فجعلنى فى خير فِرَقِهم، وخير الفرقتين، ثم تخيَّر القبائل فجعلنى فى خير قبيلة، ثم تخيَّر البيوت فجعلنى فى خير بيوتهم، فأنا خيرُهم نفسًا، وخيرُهم بيتًا»، وكانت مكة على موعد بعد مولده بنحو 50 يومًا، كما جاء فى أغلب الرويات بعام الفيل حينما حاول أبرهة هدم الكعبة، وحفظها الله بجنود من عنده «وأرسل عليهم طيرًا أبابيل».
ولما كان من عادة العرب أن يلتمسوا المراضع لمواليدهم فى البوادي، فجاءت نسوة من بنى سعد بن بكر يطلبن أطفالا يرضعنهم فكان محمد من نصيب حليمة بنت أبى ذؤيب لترضعه مع ابنها «عبد الله» فى بادية بنى سعد، وزوجها هو «الحارث بن عبدالعزى»، وكان لهما ابنتان «أنيسة» و«حذافة» ولقبها الشيماء والتى كانت تحضن محمدا مع أمها إذا كان عندهم.
«فى بيت السيدة حليمة»
وأجمع رواة السير أن بادية بنى سعد كانت تعانى إذ ذاك سنة مجدبة، فلما جاء محمد إلى باديتهم عادت منازل حليمة مخضرة وأغنامها ممتلئة الضرع، وعاش رسول الله معها سنتين حتى الفطام وقد كانت حليمة تذهب به لأمه كل بضعة أشهر لزيارتها، فلما انتهت السنتان عادت به حليمة إلى أمه لتقنعها بتمديد حضانته خوفا من وباء بمكة وقتها ولبركة رأتها منه، فوافقت آمنة، وعندما بلغ سن الرابعة، وقع للرسول حادثة شق الصدر وهى كما رواها صحيح مسلم رضى الله عنه: إن رسول الله عليه الصلاة والسلام أتاه جبريل وهو يلعب مع الغلمان، فأخذه فصرعه فشق عن قلبه فاستخرج القلب، فاستخرج منه علقة، فقال: هذا حظ الشيطان منك.. ثم غسله فى طست من ذهب بماء زمزم، ثم لأمه جمعه وضم بعضه إلى بعض ثم أعاده فى مكانه، وجاء الغلمان يسعون إلى أمه مرضعته فقالوا: إن محمدا قد قتل، فاستقبلوه وهو منتقع اللون.. قال أنس: وقد كنت أرى أثر ذلك المخيط فى صدره، فأعادته حليمة إلى أمه.
«وفاة والدته»
توفيت أمه وهو فى السادسة من عمره أثناء عودة من زيارة لأخواله من بنى عدى بن النجار بمكان يسمى «الأبواء»، فحضنته أم أيمن، وحملته إلى جده عبدالمطلب ليكفله بعد ذلك ليعيش معه بين أولاده، وهو فى الثامنة توفى جده بعد أن اختار عمه أبو طالب ليكون كفيلًا له.
ولأن أبوطالب لم يكن ذا مال وفير، عمل رسول الله صلى الله عليه وسلم برعى الغنم، فروى عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال « ما بعث الله نبيا إلا رعى الغنم. فقال أصحابه: وأنت؟ فقال: نعم، كنت أرعاها على قراريط - أجزاء من الدراهم والدنانير- لأهل مكة.
سافر وهو فى ال12 من عمره، مع عمه أبى طالب إلى الشام للتجارة، فلما نزلوا «بصرى» فى الشام مروا على راهب اسمه «بحيرى»، وكان عالما بالإنجيل، فجعل ينظر إلى محمد ويتأمله، ثم قال لأبى طالب»: ارجع بابن أخيك إلى بلدك واحذر عليه اليهود فوالله إن رأوه أو عرفوا منه الذى أعرف ليبغنه عنتًا، فإنه كائن لابن أخيك شأن عظيم نجده فى كتبنا وما ورثنا من آبائنا».
يا خير من جاء الوجود تحية .... من مرسلين إلى الهدى
بك جاءوا يومٌ يتيه على الزمان صباحُه .... ومساؤه بمحمد وضاءُ
ذُعِرت عروش الظالمين فزُلزلت .... وعلت على تيجانهم أصداء
لُقب صلوات ربى وسلامه عليه فى مكة «بالأمين»، فكان الناس يودعون أماناتهم عنده، ولم يشارك شبابهم فى لهوهم ولعبهم، وإنما كان يشارك كبرائهم فى حربهم ومساعدتهم بعضهم بعضا، ففى الرابعة عشرة من عمره، وقيل فى العشرين من عمره، حدثت حرب الفجار بين كنانة وقيس عيلان، وشارك صلى الله عليه وسلم مع قريش ضمن بنى كنانة لكون قريش من كنانة، كما شارك قريشا فى «حلف الفضول» وهو ميثاق عقدته قريش فى دار عبدالله بن جدعان بمكة، وتعاهدت فيه أن تحمى الضعفاء والمظلومين.
«زواجه من خديجة»
وكانت خديجة بنت خويلد امرأة تاجرةً ذات شرف ومال، فبلغها عن محمد ما بلغها من أمانته، فعرضت عليه أن يخرج بمالها إلى الشام متاجرا وتعطيه أفضل ما كانت تعطى غيره من التجار، فقبل وخرج ومعه غلامها «ميسرة»، فقدما الشام فنزلا فى سوق بصرى فى ظل شجرة قريبة من صومعة راهب يقال له «نسطورا» فاطلع الراهب إلى ميسرة وقال له «ما نزل تحت هذه الشجرة قطّ إلا نبى».
وكان ميسرة إذا اشتد الحر يرى ملكين يظلانه من الشمس وهو على بعيره، فلما أقبل عائدًا إلى مكة قدم على خديجة بمالها وقد ربحت ضعف ما كانت تربح بعد ذلك عرضت خديجة عليه الزواج بواسطة صديقتها «نفيسة بنت منيّة» فقبل الرسول وتزوجها.
ومما ورد فى قصة إسلام سلمان الفارسى أنه قال له أحد الرهبان «قد أظلّ زمان نبى، مبعوث بدين إبراهيم يخرج بأرض العرب، مهاجره إلى الأرض بين حرّتين بينهما نخل، به علامات لا تخفى، يأكل الهديّة ولا يأكل الصّدقة، بين كتفيه خاتم النبوة، فإن استطعت أن تلحق بتلك البلاد فافعل.
وعن عامر بن ربيعة أنه قال: «سمعت زيد بن عمرو بن نفيل يقول أنا أنتظر نبيًا من ولد إسماعيل ثم من بنى عبدالمطلب ولا أرانى أدركه، وأنا أؤمن به وأصدّقه وأشهد أنه نبى، فإن طالت بك مدة فرأيته فأقرئه منى السّلام، وسأخبرك ما نعته حتى لا يخفى عليك. قلت: هلمّ.. قال: هو رجل ليس بالقصير ولا بالطويل ولا بكثير الشعر ولا بقليله وليست تفارق عينيه حمرة وخاتم النبوة بين كتفيه، واسمه أحمد، وهذا البلد مولده ومبعثه، ثم يخرجه قومه منها، ويكرهون ما جاء به حتى يهاجر إلى يثرب فيظهر أمره، فإيّاك أن تخدع عنه فإنى طفت البلاد كلها أطلب دين إبراهيم، فكل من أسأل من اليهود والنصارى والمجوس يقولون «هذا الدين وراءك» وينعتونه مثل ما نعته لك ويقولون «لم يبق نبى غيره».
«غار حراء»
وكان رسول الله اعتاد أن يخرج إلى غار حراء، ويأخذ معه الطعام والماء ليقيم فيه شهر رمضان يتعبد، وحينما وصل لسن الأربعين نزل عليه الوحى فى ذلك العام، أولى أيات الذكر الحكيم « اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِى خَلَقَ..»، ليستمر الرسول صلى الله عليه وسلم بعده لمدة ثلاثة وعشرين عاما، ينقل لنا فيها الوحى ويضئ الدنيا بنور الإيمان ويشهد الفتوحات وإعلاء راية الإسلام حتى فاضت روحه إلى بارئها، «الروح والملأ الملائك حوله.. للدين والدنيا به بُشراء».
«آراء المستشرقين»
ولأنه أعظم البشر اهتم المستشرقون بدراسة شخصية الرسول وتوصلوا لحقيقة أجمعوا عليها أنها سيد البشر فيقول البروفيسور راما كريشنا راو فى كتابه «محمد النبى»: «لا يمكن معرفة شخصية محمد بكل جوانبها، ولكن كل ما فى استطاعتى أن أقدمه هو نبذة عن حياته من صور متتابعة جميلة، فهناك محمد النبى، ومحمد المحارب، ومحمد رجل الأعمال، ومحمد رجل السياسة، ومحمد الخطيب، ومحمد المصلح، ومحمد ملاذ اليتامى، وحامى العبيد، ومحمد محرر النساء، ومحمد القاضى كل هذه الأدوار الرائعة فى كل دروب الحياة الإنسانية تؤهله لأن يكون بطلاً.
وقال المفكر الفرنسى لامارتين فى كتاب «تاريخ تركيا»: إذا كانت الضوابط التى نقيس بها عبقرية الإنسان هى سمو الغاية والنتائج المذهلة لذلك رغم قلة الوسيلة، فمن ذا الذى يجرؤ أن يقارن أيا من عظماء التاريخ الحديث بالنبى محمد صلى الله عليه وسلم فى عبقريته؟ فهؤلاء المشاهير قد صنعوا الأسلحة وسنوا القوانين وأقاموا الإمبراطوريات.. فلم يجنوا إلا أمجادا بالية لم تلبث أن تحطمت بين ظهرانَيْهم، لكن هذا الرجل محمدا صلى الله عليه وسلم لم يقد الجيوش ويسن التشريعات ويقم الإمبراطوريات ويحكم الشعوب ويروض الحكام فقط، وإنما قاد الملايين من الناس فيما كان يعد ثلث العالم حينئذ.. ليس هذا فقط، بل إنه قضى على الأنصاب والأزلام والأديان والأفكار والمعتقدات الباطلة.
لقد صبر النبى وتجلد حتى نال النصر من الله ، كان طموح النبى صلى الله عليه وسلم موجها بالكلية إلى هدف واحد، فلم يطمح إلى تكوين إمبراطورية أو ما إلى ذلك، حتى صلاة النبى الدائمة ومناجاته لربه ووفاته صلى الله عليه وسلم وانتصاره حتى بعد موته، كل ذلك لا يدل على الغش والخداع بل يدل على اليقين الصادق الذى أعطى النبى الطاقة والقوة لإرساء عقيدة ذات شقين: الإيمان بوحدانية الله، والإيمان بمخالفته تعالى للحوادث.
فالشق الأول يبين صفة الله ألا وهى الوحدانية، بينما الآخر يوضح ما لا يتصف به الله تعالى وهو المادية والمماثلة للحوادث , ولتحقيق الأول كان لا بد من القضاء على الآلهة المدعاة من دون الله بالسيف، أما الثانى فقد تطلّب ترسيخ العقيدة بالكلمة وبالحكمة والموعظة الحسنة، هذا هو محمد صلى الله عليه وسلم الفيلسوف، الخطيب، النبى، المشرع، المحارب، قاهر الأهواء، مؤسس المذاهب الفكرية التى تدعو إلى عبادة حقة، بلا أنصاب ولا أزلام. هو المؤسس لعشرين إمبراطورية فى الأرض، وإمبراطورية روحانية واحدة. هذا هو محمد صلى الله عليه وسلم، وتساءل المفكر الفرنسى: بالنظر لكل مقاييس العظمة البشرية، أود أن أتساءل: هل هناك من هو أعظم من النبى محمد صلى الله عليه وسلم ؟ .
وقال مايكل هارت العالم الأمريكى فى كتابه مائة رجل من التاريخ إن اختيارى محمدًا، ليكون الأول فى أهم وأعظم رجال التاريخ، قد يدهش القراء، ولكنه الرجل الوحيد فى التاريخ كله الذى نجح أعلى نجاح على المستويين: الدينى والدنيوى.
فهناك رُسل وأنبياء وحكماء بدأوا رسالات عظيمة، ولكنهم ماتوا دون إتمامها، كالمسيح فى المسيحية، أو شاركهم فيها غيرهم، أو سبقهم إليهم سواهم، كموسى فى اليهودية، ولكن محمداً هو الوحيد الذى أتم رسالته الدينية، وتحددت أحكامها، وآمنت بها شعوب بأسرها فى حياته. ولأنه أقام جانب الدين دولة جديدة، فإنه فى هذا المجال الدنيوى أيضًا، وحّد القبائل فى شعب، والشعوب فى أمة، ووضع لها كل أسس حياتها، ورسم أمور دنياها، ووضعها فى موضع الانطلاق إلى العالم، أيضاً فى حياته، فهو الذى بدأ الرسالة الدينية والدنيوية، وأتمها.
ولم يكونوا هؤلاء وحدهم الذين تحدثوا عن عظمة سيد الخلق وإنما كما قال كارل ماركس: جدير بكل ذى عقل أن يعترف بنبوته وأنه رسول من السماء إلى الأرض، هذا النبى افتتح برسالته عصرًا للعلم والنور والمعرفة، حرى أن تدون أقواله وأفعاله بطريقة علمية خاصة، وبما أن هذه التعاليم التى قام بها هى وحى فقد كان عليه أن يمحو ما كان متراكمًا من الرسالات السابقة من التبديل والتحوير.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.