غرفة واحدة مع أربعة أشقاء في إحدى عقارات مدينة نصر.. كانت تعيش فيها "مريم" بريئة الملامح صافية الروح لأب يعمل حارس عقار وأم بسيطة أفنت حياتها في تربية أبنائها.. مرت السنوات عليها وهى تعيش في تلك البساطة وبداخلها حلم يكبر معها عام بعد عام.. حلم بأن يسبق اسمها لقب "الدكتورة".. وهو ما كان يراه الكثيرون ممن حولها حلمًا بعيدًا أو مستحيلًا، أما هي فكانت تراه قريبًا بإذن الله مع بذل المزيد من الجهد والتعب.. فهى لا تزال تؤمن بأن من طلب العلا سهر الليالي.. لا من طلب العلا يحصل على المزيد والمزيد من الدروس الخصوصية. وبالفعل آمنت بحلمها وتحدت أصعب الظروف، وواجهت القيود المادية فضربت بأسطورة عوامل النجاح التقليدية عرض الحائط وتمكنت من أن تكون بعلمها وأخلاقها خير نموذج وقدوة لطلاب الثانوية العامة، فحصلت على مجموع 99% في الثانوية العامة وحصدت المركز الأول على قطاع شرق القاهرة وحققت حلمها بالالتحاق بكلية الطب. " فخورة بوالدى ولا أخجل من مهنته".. هكذا أكدت مريم مرارًا وتكرارًا في أكثر من منبر.. وهو أمر متوقع من فتاة يتضح اختلافها عن غيرها من بنات جيلها، فهى لا تهتم كثيرًا بالمظاهر ولا تلقى بالًا لما تهتم به غيرها من الفتيات كما أنها لا تملك حسابات على مواقع التواصل الاجتماعي ولا تهتم بها " مش عندي فيس بوك ولا إنستجرام ولا تويتر.. ماليش في الحاجات دى". وما اعتبره الكثيرون أمرًا غريبًا حاليًا هو عدم اعتمادها على الدروس الخصوصية فهى اكتفت بالاعتماد على نفسها في المذاكرة وصنعت لها مناخًا ملائمًا بالمذاكرة في محل مغلق وكأنه معسكر، شهد ملحمة في الاستذكار استعدادًا للامتحانات. لفت إنجاز مريم الأنظار، فكيف لفتاة تواجه ظروفًا تمثل عائقًا أمام أي طالب أن تصل إلى ما حققته، لذا فقد كان طبيعيًا أن تتسارع القنوات الفضائية للاستفسار عن سر هذا النجاح، بل ودفع نجاحها هذا أحد محال المجوهرات أن يمنح مريم هدية تتناسب وحجم ما أنجزته. ومن جانبها لم تنس مريم لحظة من كان لها بمثابة نبع الإصرار والتحفيز.. إنه والدها "فتح الباب" الذي آمن بها وبقدراتها، وكذلك والدتها التي كانت سندها في كل لحظة طوال عام صعب ومرهق، وهى لا تحلم في هذه الدنيا بأى شىء سوى إسعاد والديها والحلم برضاهم. ولأن الرضا هو أساس حياتهم فإن والدها كان أول الرافضين لكل التبرعات التي قدمها رجال الأعمال لابنته بعدما ظهرت قصتها وبرزت في الفضائيات والصحف.. وقال والرضا يملأ كلماته "إحنا مش محتاجين حاجة من حد"، بينما هي.. مريم.. لم ترغب يومًا في أضواء الشهرة أو في مال أو منحة.. بل كان كل هدفها حينما أصبح نجاحها لافتًا للأنظار أن تنقل تجربتها للآخرين وأن تقدم لهم خلاصة عام من الإخلاص في المذاكرة وأن تنسف بقصتها أسطورة كانت تقول دومًا أن النجاح في الثانوية العامة لا يمكن الحصول عليه إلا بالدروس الخصوصية مع أباطرة المواد الدراسية وبالمبالغ الباهظة.