- يا ابنى حرام عليك.. اللعبة بتاعتك طارت في وشي، وكانت هتخش في عينى لولا ستر ربنا، وإن العين عليها حارس كانت عمتها خالص، ما تشوفوا لكم حل يا جماعة في الولد المفعوص الصغير ده، شقاوته زادت عن حدها خالص... الله؟!! هكذا صرخت جدة زيزو من شقاوته التي لم تكن تقف عند حد، فبعد عودة والديه من الخليج نهائيا إثر استغنائهم في تلك البلاد عن كثير من العمالة المصرية، وخاصة المدرسين؛ لم يجد الأستاذ حمدى وزوجته إلا منزل حماته في مصر الجديدة حتى ينزلا عليه ضيوفا هما وأبناؤهما الثلاثة، وعلى رأسهم المفعوص زيزو إلى أن يشتريا شقة جديدة غير تلك التي ذهبت أدراج الرياح بعد أن وقع المنزل القديم الذي كانا يستأجرانها فيه، وقد كان زيزو ابنهما هذا لا يهمد ولا يغمض له جفن، قبل أن يجعل من في البيت يصرخون من عفرتته، فمرة يخفى نظارة جدته التي تظل تبحث عنها طيلة النهار دون جدوى، ومرة يرمى حذاء خاله من النافذة، وأخرى يخرج من الباب قافزا على السلالم ليركض في الشوارع أمام السيارات، وبين المارة، دون سابق إنذار؛ حتى يعيده أحد أقربائه أو جيرانه، بعد أن تنقطع أنفاسهم من الجرى واللهث خلفه، إلى أن هداه تفكيره الشيطانى الطفولى إلى رمى لعبه في الهواء لتصطدم بمروحة السقف التي كانوا يفتحونها على أعلى درجة نتيجة لحرارة الجو الخانقة؛ فتطيش إثر ذلك هذه الألعاب لتصطدم بقطع الأثاث الأخرى فتدمرها، أو تأتى على جزء كبير منها، وكثيرا ما كانت تضل طريقها إلى وجه وجسد من تطاله من أهل البيت، والطريف في الموضوع أن زيزو هذا لم يكن يسمع كلام أحد في المنزل سوى خاله الذي كان يكبره بخمس عشرة سنة فقط، وقد أفلح خاله أن يكفه عن فعلته النكراء تلك، بعد أن أقنعه أن المروحة يسكنها عفريت كبير اسمه صلاح، وأن زيزو كلما ألقى بألعابه إلى المروحة، فإن هذا العفريت الشرير يطيش هذه الألعاب ويضرب بها كل من في المنزل ويدمى أجسادهم ووجوههم، وأنه يمكنه أن يفعل هذا به أيضا؛ لذلك فإن عليه إذا ما أراد أن يسترضى هذا العفريت أن يكف عن أفعاله المستهجنة تلك، وإذا ما رأى المروحة تعمل فإن عليه أن يجلس في مكانه بكل هدوء، وأن يردد بصوت خفيض هذه الجملة "إحنا آسفين يا صلاح"، فيتركه العفريت في حاله وينصرف عنه، وقد هدأ المنزل جدا، بعد أن أفلحت هذه الخطة الجهنمية في تثبيط زيزو وإثنائه عن كل المصائب التي كان يفعلها ما ظلت المروحة تعمل، وبما أن الجو كان صيفا، فإن المروحة كانت تعمل طيلة النهار والليل أيضا، ولكن المعلم زيزو الصغير أحب أن ينشر هذه المعلومة القيمة بين أقرانه من الأطفال الذين لاحظ ذووهم هدوءهم العجيب، واستقامة أخلاقهم بعد مخالطتهم له، حتى قرروا أن يذهبوا بهم إلى صلاة الجمعة، وعلى رأسهم قائدهم المفعوص زيزو ليتعودوا الصلاة ويحافظوا عليها فيما بعد عندما يكبرون، وقد كان إمام المسجد الشيخ صلاح العباسي يخطب بكل حماسة عن أهل النار وجهنم التي سيصلونها جزاء ما كانوا يقترفون من ذنوب، عندما تعطلت فجأة مكيفات المسجد، فلم يجد الفراش أمامه إلا أن يفتح مراوح السقف القديمة على أعلى درجة حتى لا يختنق المصلون من حرارة الجو، بينما كان الشيخ صلاح ينهى خطبته قائلا: "وهكذا إخوة الإسلام فإن ربكم لا يظلم أحدا.. هؤلاء المجرمون استحقوا النار والسعير لما اقترفوه من آثام ومعاص، وسيظلون فيها خالدين، وذلك لأنه كان لا يرجى لهم أي صلاح... " لتفسد جمعة الحاضرين جميعا إثر وقوع معظم المصلين على ظهورهم من كثرة الضحك،بعد أن صرخ الأطفال الصغار الذين يحضرون صلاة الجمعة وخطبتها لأول مرة، وعلى رأسهم زيزو بكل قوة بعد أن رأوا المراوح تعمل بكامل طاقتها فجأة فوق رءوسهم: "إحنا آسفين يا صلاح" ؟!!.