يستعرض كتاب «إبراهيم بن أدهم.. شيخ الصوفية» بقلم الدكتور عبد الحليم محمود الصادر عن الهيئة العامة للكتاب ضمن سلسلة أعلام العرب، حياة الصوفي الجليل إبراهيم بن أدهم. يبدأ الكتاب بتعريف الصوفي، ووفقا لأبي حفص عمر السهرودي مؤلف «عوارف المعارف» فإن الصوفي هو الذي يكون دائم التصفية لا يزال يصفي الأوقات عن شوب الأكدار بتصفية القلب عن شوائب النفس، ويعينه على هذه التصفية دوام افتقاره إلى مولاه، فبدوام الافتقار ينقى من الكدر، وكلما تحركت النفس وظهرت بصفة من صفاتها أدركها ببصيرته النافذة وفر منها إلى ربه. حياته وسياحته في الأرض كان لإبراهيم بن أدهم خادم صوفي هو إبراهيم بن بشار، ويقول بن بشار إنه اختار لحظة مناسبة ليسأل بن أدهم عن حياته وأسفاره، فرفض لأنه لا يحب الحديث عن نفسه، ولكنه حين أوضح أنه يريد الاستفادة، أجاب بن أدهم قائلا: «كان أبي من أهل بلخ، وكان من ملوك خراسان، وكان من المياسير، وحبب إلينا الصيد فخرجت راكبا فرسي، وكلبي معي، فبينما أنا كذلك ثار أرنب أو ثعلب، فحركت فرسي فسمعت ندءا من ورائي: «ليس لهذا خلقت، ولا بذا أمرت»، فوقفت أنظر يمنة ويسرة، فلم أرَ أحدا، فقلت: لعن الله إبليس، ثم حركت فرسي فأسمع نداءً من قرب سرجي: «يا إبراهيم ما لهذا خلقت، ولا بذلك أمرت"، فوقفت فقلت: انتبهت انتبهت، جاءنى نذير من رب العالمين، والله لاأ عصي الله بعد يومى هذا ما عصمني ربي، فرجعت إلى أهلي فخليت عن فرسي، ثم جئت إلى راع لأبي فأخذت منه جبة وكساء وألقيت ثيابي إليه، ثم أقبلت إلى العراق، أرض ترفعني، وأرض تضعني، حتى وصلت، فعملت بها أياما فلم يصف لي منها شيء من الحلال، فسألت بعض المشايخ عن الحلال، فقالوا لي:إذا أردت الحلال فعليك ببلاد الشام، فصرت إلى بلاد الشام إلى مدينة يقال لها المنصورة – هي المصيصة – فعملت بها أياما، فلم يصف لي شيء من الحلال، فسألت بعض المشايخ فقالوا لي إن أردت الحلال الصافي فعليك بطرطوس، فإن فيها المباحات والعمل الكثير، فتوجهت إلى طرطوس، فعملت بها أياما، أنظر البساتين وأحصد الحصاد». ومن حياة الترف إلى الزهد ترك إبراهيم بن أدهم حياة الترف والنعيم والأهواء، وطلب بحبوبة الجنة، ولكنه لم يسافر في مكان، وإنما كان دائم التنقل، وربما سافر من بلد إلى آخر، ثم عاد من جديد إلى البلد الذي تركه، وربما دخل بلدا فلم يهنأ بالعيش فيه، ثم عاد إليه فنعم فيه بالحلال، كما حصل له بالنسبة إلى بلاد الشام. كان بن أدهم معروفا بزهده، وقد عرف بقوله «إن اللحم قد غلا، فقال: أرخصوه، أي لا تشتروا». تحريه الحلال وقد كان بن أدهم من أشد الناس تحريًا للحلال، فيقول أحد أصدقائه: «وكان إبراهيم بن أدهم كبير الشأن في باب الورع، ويحكى عنه أنه قال «أطب مطعمك ولا حرج عليك أن لا تقوم الليل ولا تصوم النهار». عبادته بالدعاء لقد كان لابن أدهم ورد يومي من الدعاء، فيقول عنه إبراهيم بن بشار: «كان إبراهيم بن أدهم يقول هذا الكلام في كل جمعة إذا أصبح عشر مرات وإذا أمسى يقول: مرحبًا بيوم المزيد والصبح للجديد والكاتب الشهيد يومنا هذا يوم عيد اكتب لنا فيه ما نقول». وكان عامة دعائه «اللهم انقلني من ذُل معصيتك إلى عز طاعتك». كما كان يتجه في الشدائد إلى الله بكل كيانه قائلا: «يا حي حين لا حي وَيَا حي قبل كل شيء وَيَا حي بعد كل شيء. يا حي يا قيوم يا محسن يا مجمل قد أريتنا قدرتك فأرنا عفوك». الأخلاق أخذ بن أدهم يبشر بالأخلاق كما رسمها الله سبحانه وتعالى في محكم كتابه وعلى لسان رسوله، وكان من ثمرة ذلك مجموعة من النصائح والمواعظ ومنها: «إياكم والكبر والإعجاب بالأعمال، أنظروا إلى من دونكم ولا تنظروا إلى من فوقكم، من ذلل نفسه رفعه مولاه، ومن وضع له أعزه، ومن اتقاه وقاه، ومن أطاعه أنجاه، ومن أقبل إليه أرضاه، ومن توكل عليه كفاه، ومن سأله أعطاه، ومن أقرضه قضاه، ومن شكره جزاه، فينبغي للعبد أن يزن نفسه قبل أن يحاسب، ويتزين ويتهيأ للعرض على الله». الطريق إن أول الطريق في عرف الصوفية وكذلك إبراهيم بن أدهم هو التوبة فيقول: «إنك إذا أدمت النظر في مرآة التوبة بان لك شين قبح المعصية».