1- الليلة الأولى (الكفن): بقايا شموع.. صناديق ووسائد برائحة الصبر.. ضحكات ودموع ولمحات على الجدران تملأ ضيق المكان.. وباقات زهور تشدو بالرثاء حول الفراش.. كانت السماء تملأها مشاعر الغربان.. وأنا هنا أقف على أرض مقطوعة الظل في ضجر الظهيرة.. احترق كفراشة الرسام.. وأطل أطل على ملائكة قادمين صاعدين حفاة إلينا يحملون نعشًا أسود بلون النبيذ.. أطل على أصوات أصدقائي والفضوليين والغرباء في الخارج تتدحرج فوق الرياح.. أطل على اسم أبي المسافر من الشرق للغرب وعلى أشقاء ثلاث بلا لقب.. أطل على صورتي تهرب من نفسها وتجعل منديل أمي يهوي في الريح.. واسأل.. ماذا سيحدث إذا عدت إليها طفلًا بلا دين. لنشعر بالحنين لبدايتنا دون قصد.. ونري ما فعل بنا الزمان هناك وما فعلناه به.. واسأل.. إلى أين أنت تذهب أيها الغريب؟ أمامك ظلمة ووراءك خوف وفي داخلك قفص.. وتضحكني أيها الغريب. .فليس الغريب من جفاه الحبيب وتغافل عنه الرقيب.. بل الغريب من ليس له نسيب.. الغريب من ليس له من الحق نصيب.. الغريب من هو في غربته غريب.. فتعال نرقص على أحداث هذه الغفوة..وعلي هذا الميراث من الجفوة.. فأنت الآن لا أهل لك ولا وطن ولا نديم.. ولا كأس ولا سكن.. فقد غابت من كانت تعرف كيف تنفتح السماء.. ولا دور لك في المزاح مع العمر.. فماذا بعد حينما تمطر السماء فيه الأحجار عليك.. فقط هو الحنين في ضوء النهار وعتمة الليل بعد أن اغتم المكان.. فقد كان على الذين يحبهم المرء أن يموتوا مع كل أشيائهم... حتى وإن كانت أشياؤهم أولها وآخرها أوراقًا زرقاء.. 2.الليلة الثانية (الوصية الزرقاء): ثَقلتٌ رخام الكلام لتعبر امرأتي بقع الضوء في قصيدتي حافية.. ودبً في جسدي كلام لا أعلم إن كان يومًا قد ظَهر أو بَطن.. وأخذت أقول عنها وعن الفارق الهش بين النساء والشجر وفتنة الأرض.. وأي لغة مقدسة تطيع مخيلتي في حواري مع السماء.. فقد نبتت على جوانبها الأبجديات والمعني.. فبحضورها اغتم واُنسي من الجميع والقدر.. وأصير كالفقيرة تقف على خيط ناي تطحنها كل يوم عربات الأمير.. هي.. أميرة نشأت على رصيف الحلم والأشعار كحروف من نور من فم نبوي مطهر.. رقصت مع صغار الملائكة ونفر منها الجن.. مُهرة كان صمتها طفولة برد ورعد.. وشبابها هوية وبركان.. صبية تغيرًت في كل شئ وغيرًت كل شئ وكسرت جدار الكون.. ابنتي.. كانت تسرق من دودة القز خيطًا تصنع به سماء لتحفظها من الرحيل.. وتطلق رصاصة حلمها إلى السماء.. لتُسقِط عنقود من عنب الجنة بدعائها الملآن.. تسير ببطء في الدنيا كأنثي طاووس واثقة بكيدها وسحرها وبداخلها ماخفي من نداء.. وتدق على حائط الليل فيخرج لها ألف مجنون ليلي آخر.. كانت الأرض تبتهج بملامسة قدمها العاري فتعيد عقرب الوقت لشرعية العاشق المقدس.. وعلي يديها أشهد المجد وإن كانت أصغر من الهدف.. فقد تركت اسمها وعمرها المتعددين في كفي الخلود بعد أن استحقت قبور الأنبياء كأثرعلي حجر لا يموت... ولايمكن أن أصورها امتدادًا للحقيقة.. فالمرايا دومًا كانت أضيق منها.. وبنبرات من قلب يرممه الحريق أنعي ذاتي.. وأقر: لو كان لي أن أكون فتاة لكنت هي.. فأنا لم أعد أقدر على أن أنافسها على مافيها أكثر.. ولا أريد أن أطل على الأرض كي أري أحدًا يحمل أعظم مني يركض خلفي.. فبعدها لن تشفع يومًا راياتي لأي معجزات.. ولا أريد أن أنظر بعدي كي أتذكر انني لم أمر على الأرض يومًا فقد أخدت هي الاسم عني وكل فضة الحور.. رفعت عنها اليد والقلب بعد أن أدركت أن لها صوت الحياة الأول وكل الدنيا والآخرة.. ولها أيضًا الحقيقة ذات الوجه الواحد.. أنها إبنتي وأنني صرت مع الجميع يعبد فيها ما يقول.. 3. الليلة الثالثة (لم يخلق الله من النساء نبية): لم يكن لدى شكوك بأنني ابنة أمي.. وكان فقط لدى بعض من يقين أنها مرافقة ومصادفة.. وكل اليقين أن كل هذا العمر لم يلدني رحم أمي إلا ساعات ورحل.. وبأنين العاجز كجرح طفيف في زراع الحاضر العبثي أدركت الآن كم كانت تتذكر أمي حين تزور حلمي ما صار لغدها.. غدها المعدوم والمنتظر الذي لم تقرأه عيون القدر.. وكم كانت تصاب بالرعشة قهرًا وتستمر في شرب النبيذ وتقول لي في كل نظرة عين.. اليكي عني.. ولكن.. ليس لي أي دور بما كنت أو أكون.. فقد عشت دومًا روحًا بين الإشارة والكلام.. وجسدًا بين سحر الآلهة وأطراف الهواجس.. هو فقط حظ الوحيدين.. المتوحدين.. والذكري لنا دومًا وردًا مقدسًا في الليل.. نعم هي الوحدة مزاج الأنبياء.. وقد أحسن الله الصنع بأن جعلني جارة ألوهته.. فأطيل سلامي على أنا الذي لايموت لأن بي نفس الله.. ولكن من أنا (فالله لم يخلق من النساء أنبياء).. فقط أنا لم أفطم على تفاحة الخطيئة.. أنا.. أنا عذراء ليل العلاقات السريعة.. لم أجتهد يومًا في اكتشاف أشد مواقع جسدي سرية.. وصرت دومًا الجميلة يحاصرها الآخرون في حلبة الرقص الطويلة.. وأنا الحلم..الذي يدرب الجميع على أسراره ويرحل.. فقط أنا ألف ذات تجمع أشلاءها في امرأة تلمع فقدها بالبرق.. كتكرار لصدي الألم في أغنية لن تكتمل.. أنا زهرة وحيدة تنام في حضن صخرة ميتة.. وتغني كل ليل نصفها الفقود.. والآن.. بعد أن مزقتي يا أمي صدري المكشوف.. ومحوتي في هدوء عظامي عن لحمي.. لكي تعلمي أن خلف الكواليس يختلف الأمر.. لم أكن الجميلة كما كنت تظنين.. ولكن صناعي صنعوا مرآتي لأطيل تأملي.. ولم يؤنسني سوي ملامحي فقط التي غابت في مراتي وتاهت وسط زحام مرآة من حولي.. ولو كنت أذكي لحطمتها لأري كم أنا الآخرون.. أحببت ذاتي إلى حد العتمة.. فأنا لم أعد أري سواي بعد أن تجلت لي روحي على السياج البعيد.. فرحماك وعطفك باللذي اقترب من ذاته.. فأنا أحب ذاتي كل يوم أكثر مما كنت أعرف.. وهو السراب.. وبدونه ماكنت أنا الآن.. وليس دومًا علينا كشف عوراتنا لكي تبقي حقيقتنا عذراء.. وإنها أسطورتي المذبوحة قبل رقصة الموت الأخير يا أمي. الوصية زرقاء والأرض سوداء.. وثلاتون نهرًا يصبون بقلبي.. فلم يعد لي وطنًا ولا منفي إلا أنا.. وما أملك فقط سوي دعاء الوحيدين.. إذ قال ربك للأرض كوني لهم.. وازرعي أحلامهم في رحم السماء.. ولا تتركي وحيدًا إلا وجعلتيه يسكن داخلي.. فطوبي للذي لم يقف في طريق الخطاة والمستهزئين.. طوبي لمن كان الرب مسرته.. طوبي لمن أراد فقط قلبًا لا حشو بندقية.. وطوبي لي أنا فقد كنت أظن أن غاية الوصية هي المحبة من قلب طاهر وضمير صالح وإيمان بلا رياء.. ولكن كان هذا كل ميراثي من أمي وصية زرقاء..وأيام حداد ثلاث زرقاء أما الأرض (الأم) فلا أعرفها ولا رأيتها إلا كالحانوت يوم الدفن.. فحقًا كلما ادركت سرًا من الحياة قلت ما أجهلك.. فالرفق بالقبور..