أثناء رحلة قمت بها مؤخراً إلى مصر، اعترف غير الإسلاميين صراحة بأن الهدف من احتجاجاتهم التى تزداد عنفاً ضد حكومة الرئيس محمد مرسى، بما فى ذلك سلسلة الحرائق التى استهدفت مقار «الإخوان المسلمين» فى جميع أنحاء البلاد، هو إرغام الجيش على استعادة السلطة. هذا وقد أدت أحداث العنف ضد المسيحيين فى نهاية الأسبوع المنصرم، والتى خلفت ستة قتلى إلى ارتفاع الدعوات داخل البلاد من أجل عودة الجيش إلى السلطة وهذه الدعوات ليست جديدة. فمنذ الإعلان الدستورى الذى أصدره مرسى فى 22 نوفمبر، والذى منح فيه لنفسه الزعيم المنتسب ل جماعة «الإخوان» صلاحيات تنفيذية، طالب النشطاء غير الإسلاميين بإنهاء حكم «الإخوان»، ثم زاد الدعم العام لاستيلاء الجيش من جديد على السلطة بشكل كبير بعد 5 ديسمبر، وذلك عندما استخدمت «الجماعة» العنف ضد المحتجين خارج القصر الرئاسى، ووفقاً لأحد استطلاعات الرأى، يرغب الآن 82 فى المائة من المصريين فى عودة الجيش إلى السلطة. ولا يعتبر أى من النشطاء غير الإسلاميين الذين قابلتهم، ومعظمهم كانوا يتظاهرون ضد المجلس الأعلى للقوات المسلحة قبل تسعة أشهر فقط أن عودة الجيش للسلطة ستكون مثالية، لكن بدت عليهم ثقة غريبة بأن حكومة عسكرية ثانية ستكون قصيرة الأجل ونافعة. ولكن على الرغم من هذا التقلب المزاجى فى دعم الجيش، يبتعد الجنرالات عن المشاركة السياسية المباشرة فى الوقت الحاضر، فبدلاً من حكم البلاد يركز الجيش كلية على إدارة مصالحه الضيقة، والتى تتمثل فى الغالب فى المصالح الاقتصادية، بل إنه يستخدم موارده الهائلة فى بعض الحالات لتعزيز صورته بينما يتعثر «الإخوان». إن ذلك سوف يساعد الجيش على تبرير عودته إلى السلطة لو هددت الفوضى السياسية الحالية فى مصر موارده وأصوله. وحتى بعد أن أصبح العنف سمة ثابتة للسياسات المصرية، ومع زعزعة الاحتجاجات التى تتخللها مصادمات لقطاعات من مدن كبرى، بقى الجيش المصرى إلى حد بعيد على الهامش، وفى المدن الرئيسية الثلاث فى قناة السويس التى تولى فيها الجيش السيطرة على مقاليد الأمور من الناحية الفنية فى أواخر يناير يمكن بالكاد رؤية الشرطة العسكرية فى الشوارع، ويقتصر دور أفراد الجيش على حماية منشآت الدولة، مثل القناة نفسها، وعلى الرغم من البيانات العسكرية المتفرقة التى تحذر من أن "صبره" على «الإخوان» أوشك على النفاد، قال لى أحد كبار قادة الجيش إن الجيش لا يتطلع إلى إدارة البلاد.. فهو قد تدرب على خوض الحروب وحماية الحدود، وليس المحافظة على النظام فى المدن أو العمل على توفير الخدمات الحكومية. وفى أواخر فبراير زرت أحد هذه المشاريع التنموية الجديدة فى السويس، حيث يبنى الجيش سوقاً تجارية ومركزاً مجتمعياً ويقع فى وسط هذا المشروع "بدر هايبر ماركت"، وهو متجر بقالة بدائى على غير المعتاد، على الأقل وفقاً للمعايير المصرية، حيث يبيع منتجات غربية ومحلية بأسعار مخفضة بشكل كبير، (وقد مارست مهارات التفاوض على الأسعار مع ضابط الجيش الذى كان يشرف على السوبر ماركت بقولى "إن السعر مناسب"، فعلى سبيل المثال، فرشاة أسنان التى تباع عادة بستة جنيهات مصرية تباع هنا ب 75 قرشا فقط بخصم قدره 87.5 فى المائة)، وباستطاعة الجيش توفير مثل تلك الخصومات لأن جميع الموظفين تقريباً بدءاً من من أمناء صناديق الدفع إلى الصبيان الذين يعملون فى المخازن وحتى الحراس هم من المجندين بالجيش، وإلى الجوار مباشرة كان المتدربون بالزى العسكرى المموه يعملون بجد لبناء مبنى يضم وحدة تبريد، كما أن هناك خططا أخرى لبناء متجر لبيع الملابس وساحة لتناول الطعام وملاعب لكرة القدم. ومن خلال توفير الجيش للسلع بأسعار مخفضة لقطاع أوسع من الجمهور، فإنه يتبنى بذلك نموذج التواصل وتقديم المساعدات الذى أتقنته جماعة «الإخوان» منذ فترة طويلة، لكن العقيد ياسر وادى الذى يشرف على المنشأة بالكامل إلى جانب مجنديه، مرءوسيه الذين يستخدمون "الآيباد"، رفضوا فكرة استخدام المشروع التنموى للتنافس مع جماعة «الإخوان»، ويقول: "جاءت فكرة إنشاء هذا المشروع من أبناء الشعب، فهم يتواصلون دائماً مع جيش السويس". ومع ذلك، فبغض النظر عن نوايا الجيش فإن مشروع السويس يعزز من صورته بينما تتراجع صورة «الإخوان»، وهذا يعزز الآمال بحدوث انقلاب عسكرى. وقال صحفى من السويس سيد نون، إن الهتافات "يسقط يسقط حكم العسكر" قد انتهت، وأن العديد من شباب الثوريين يعتبرون الآن أن حكم «الإخوان» أكثر سوءً، وأضاف: "الجيش يحظى بمكانة جيدة هنا.. فهو يبيع السلع الغذائية بنصف الثمن والناس يقدرون الجيش". كان ذلك مؤشراً محدوداً ولكن ربما خير دليل على أن الجيش المصرى لن يوفر الطريق نحو الاستقرار أكثر مما ستوفره جماعة «الإخوان المسلمين»، التى أصبحت أكثر استبدادية، وعلى أى حال كانت الاحتجاجات التى اُستخدمت فيها قنابل الغاز المسيل للدموع ضد هيمنة «الإخوان» مشابهة للاحتجاجات التى استخدمت فيها قنابل الغاز المسيل للدموع ضد المحاكمات العسكرية التى جرت قبل عام واحد فقط، وقد يكون ذلك مؤشراً على الاتجاه الذى تسير إليه مصر. نقلاً عن معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى